اتفاق "جنتلمان" بين مؤسسات وكليات التعليم الفني والقطاع الخاص

<a href="mailto:[email protected]">Abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>
هل قلب وزير العمل الطاولة على القطاع الخاص كما يقولون بعد لقاء جريدة "الاقتصادية" مطلع هذا الأسبوع، والذي حدد فيها الشركات الدرجة الأولى التي تتقبل السعودة بنفس راضية وبحماس وقال عنهم (هؤلاء هم ملح الأرض ورمز المواطنة الصالحة). وهل استطاع الزميل سعود التويم تحفيز معالي الوزير القصيبي بالحديث عن التجارب العملية التي تثبت أن المجتمع السعودي يسير بخطى واثقة نحو المستقبل، وأكد بحاجتنا أكثر من أي وقت إلى وقفة في بعض الأسس المهمة للمجتمعات المدنية، وفي مقدمتها (العمل المهني)! على العموم القطاع الخاص متأكد من قدرته للوصول مع أهداف الدولة بأي طريقة يراها الوزير القصيبي مناسبة للمرحلة القادمة.
لذلك سوف أبتعد في مقالي عن نظام وزارة العمل في السعودة فقد أصبحت (لمن هب ودب) وأخصص مقالي عن التدريب التي أؤمن بها، وعن مراكز التدريب المهني والكليات التقنية والمعاهد المتخصصة التي تؤدي حالياً عملاً جليلا ينصب أخيراً في تنشئة جيل مهني، والتي ينبغي علينا الاستفادة منها في التوظيف خاصة لمن تسرب من قطاع التعليم وهم الأغلبية، مع التقدير الكبير في الوقت الحالي للجهود المبذولة من القائمين عليها، بسرعة الإنجاز والتطور الذي حصل خلال السنة الماضية في إدارة التعليم الفني نسأل الله أن يبارك في عملهم.
ومع كل الجهود الطيبة نريد فقط إعادة التأكيد على السؤال المهم والذي يطرح دائماً، هل سيجد المتخرج من كليات التقنية أو المعاهد المتخصصة أو مراكز التدريب المهني وظيفة، وهل سوف يعمل في التخصص الذي درسه وتخرج منه بشهادة الدبلوم؟ لا نقول هنا، إن على القائمين في الكليات والمعاهد والمراكز مهمتها أيضاً متابعة خريجيها وإحصائهم من حيث حصولهم على الوظائف ونوعيتها، بل نطلب أن تبادر جميع الأطراف في سوق العمل والتدريب وفي مقدمهم وزارة العمل، والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وصندوق الموارد البشرية أن تعمل بجعل تلك الوظائف الخاصة التي يتخرج منها الطلاب وبجدارة محصورة عليهم فقط وفق صيغة رسمية أو اتفاق شبه رسمية، أو حتى اتفاق (جنلتمان) بينهم وبين القطاع الخاص.
ولنضرب مثالا على ذلك أو نفترض سيناريو عمليا، إن صاحب شركة مقاولات يحتاج إلى مائة فيزة عمل، هل من الممكن الموافقة بسرعة عملية، بعد الاتفاق معه بعقود عمل موقعة على تشغيل خريجين من المعهد بنسبة 25 في المائة من الطلب، وله حق اختيار عشرة كهربائيين، وعشرة فنيي تكييف، والباقي من النجارين، والسرعة يكون بربط الاستقدام بمسؤولي المؤسسة العامة للتعليم والتدريب الفني أو كليات التقنية. والتي بدورها تؤمن المؤسسة العدد المطلوب للتعيين وتكون مسؤولة عن كفاءة خريجيها. وفي حال افتراض أن نحو 300 شركة مقاولات بادرت إلى مثل هذا التوجه، فإن النتيجة النهائية ستكون توظيف 7500 شاب في سنتين!
هذا السيناريو ليس (مسلسلاً مكسيكياً) أو وقائعه بعيدة عن الواقع، فنحن بحاجة إلى مبادرة حقيقية من الجانبين، الأول هو القطاع الخاص، والثاني التزام مؤسسات التدريب والتعليم والفني. هذه المبادرة يمكنها أن تحسم توظيف 60 في المائة تقريباً من خريجي مؤسسات ومعاهد التعليم والتدريب الفني وكليات التقنية! إن عبارة (للسعوديين فقط)، أصبحت مجرد دعابة يتندر بها الكثير من خريجي كليات التقنية ومعاهد التعليم والتدريب الفني، وكم ملأت الصحف قصصا لشباب سعوديين يحملون شهادات اختصاصية في العديد من المجالات المهنية والصناعية، اتجهوا فيها إلى أصحاب إعلانات (للسعوديين فقط)، ووجدوا في النهاية أن المسؤول عن التوظيف غالباً لا يعترف بشهادتهم أصلا لأنها غير عملية أو (لأن المطلوب الخبرة والكفاءة).
ولعله من المناسب هنا الإشارة إلى أرقام معلنة أن عدد المسجلين في الكليات التقنية في العام الماضي تجاوز 12 ألف طالب تخرج منهم 2500 طالب، والمسجلون في المعاهد الصناعية الثانوية في العام نفسه بلغ ما يزيد على 8000 طالب تخرج منهم ألفا طالب، والمسجلون في المعاهد الزراعية بلغ عددهم في العام نفسه 800 طالب تخرج منهم 250 طالباً، ونجد أنفسنا نعود للسؤال السابق، هل وجد هؤلاء الخريجون وظائف بعد تخرجهم، وهل سيجد الآخرون وظائف أيضاً! هنا أستعرض تجربة رائعة لأحد المعاهد الاختصاصية التابعة التي تشرف عليها المؤسسة العامة للتعليم والتدريب الفني وما حدث فيها من اتفاق (جنتلمان) مع القطاع الخاص. التجربة تخص المعهد السعودي الياباني للسيارات، في مدينة جدة التي عاشت في العام الماضي، احتفالية خاصة بتخريج بـ 197 شاباً سعودياً اختصاصياً في تقنية ميكانيكا السيارات وصيانتها، من خريجي الدفعة الثانية في المعهد السعودي الياباني. هؤلاء الشباب عينوا مباشرة في وظائف جاهزة لهم في الشركات الراعية للمعهد، وهم الوكلاء لشركات السيارات اليابانية.
في هذه المناسبة كما تابعنا كلنا، كان الشباب الخريجون محاطين برعاية خاصة من أمير منطقة مكة المكرمة الأمير عبد المجيد بن عبدالعزيز وحضور ثلاثة وزراء ومحافظ المؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني والفني وتسعة رجال أعمال يمثلون كبار موزعي السيارات اليابانية في السوق السعودية. الاحتفال الخاص بتخريج وتوظيف "الميكانيكيين السعوديين" ذوي الكفاءة العالية المدعومة بجواز "خبرة يابانية"، كان حدثاً مدوياً، إذ إنه حمل في طياته تحديات عدة، في مقدمها ارتباط نجاح المشروع بـ (سمعة دولة) لدى واحد من أهم شركائها لدعم مشروع نقل التقنية والمضي فيه قدماً، فمشروع المعهد السعودي الياباني تلقى دعماً مباشراً من أعلى هرم القيادة وهو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فالمعهد كان نتاج زيارته التاريخية إلى اليابان عام 1998، وقدم أرض المشروع مجاناً، ودشنه رسمياً. أما التحدي الثاني فيخص مجتمع دولة حديثة اقتنع أفرادها أخيراً، خصوصاً الشباب منهم بأهمية العمل المهني الشريف، وهو أمر ليس سهلاً في بلد لا يزال كثيراً من شرائحه يعيشون في (وهم الطفرة).
لا جدال على أن خريجي الدفعة الثانية من طلاب المعهد قطعوا مشواراً في حسم استمرار المشروع، على خلفية أن زملاءهم في الدفعة الأولى كانوا أقرب إلى "كسر التحدي" النفسي على الأقل، خصوصاً أن بعض خريجي وطلاب المعهد، كما نشرت وسائل الإعلام حينها، هم ممن تركوا تخصصات في الطب والهندسة، حتى أن نائب رئيس شركة تويوتا اليابانية كاتشيرو ناكاجاوازار حينما زار المعهد علّق بالقول: (هؤلاء الشباب متميزون وأصبحوا ينافسون مدربيهم اليابانيين).
ختاما هناك أمر آخر نحتاج إليه ونحن نعد أبناءنا لدخول عصر (المهنة)، وهو أهمية تفاعل المجتمع مع توجهات الدولة والحكومة، وأبعد ما نذهب إليه أن يكون (المهني السعودي) أكثر شجاعة وجرأة حينما يطرق باب أسرة طالباً ابنتهم للزواج، فدخله الشهري سيكون له (عشاً جميلاً)، و(المحك) أخيراً يبقى في قبول الأسرة السعودية والفتاة ووعيهما الاجتماعي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي