الاستثمار في مشاريع التنمية

<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>

حقق الاكتتاب الخاص بشركة "إعمار المدينة الاقتصادية" نجاحا مدويا على الرغم من أزمة سوق الأسهم الخانقة التي ما برحت تلقي بظلالها على السوق والمستثمرين. لم تكن الظروف الاقتصادية، والسياسية مشجعة على طرح مثل ذلك الإصدار الضخم، إلا أن إدارة شركة إعمار أصرت على الشروع في طرح الاكتتاب وفق جدوله الزمني المحدد.
الأستاذ محمد العبار، رئيس مجلس إدارة شركة إعمار المدينة الاقتصادية، صرح في حينه، لوسائل الإعلام بأن السوق السعودية تمتاز بوفرة السيولة القادرة على تغطية الاكتتاب عطفا على المؤشرات المالية الرسمية المتاحة في السوق، وأضاف أنهم يستبعدون أن تؤثر أزمة سوق الأسهم السعودية في الاكتتاب العام.
أثبتت النتائج صدق التوقعات، بعد أن حقق الاكتتاب رقما قياسيا في عدد المكتتبين الذي بلغ عشرة ملايين مكتتب، وفائض مالي يقرب من 4.6 مليار ريال سعودي.
فائض الاكتتاب أثبت بأن مستوى سيولة السوق السعودية ما زالت مرتفعة، ما يعني إمكانية استثمارها في إنجاح مشاريع التنمية الخاصة دون الحاجة إلى الاستعانة برؤوس الأموال الأجنبية، أما عدد المكتتبين القياسي فقد كشف عن عمق ثقافة الاستثمار لدى شرائح المجتمع المختلفة من خلال إصرار أكثر من نصف السكان على الاكتتاب في شركة "إعمارالسعودية"، وهو مؤشر إيجابي لنمو الوعي الاستثماري لدى المواطنين.
أعادت شركة "إعمار المدينة الاقتصادية" الثقة من جديد إلى سوق الإصدار (السوق الأولية)، بعد الفتور القسري الذي تسبب به انهيار سوق الأسهم، وأثبتت الشركة أن المواطنين ما زالوا يبحثون عن فرص استثمارية خلاقة يمكن أن تحقق تطلعاتهم ورغباتهم الاستثمارية.
عودة الثقة إلى سوق الإصدار، مع ارتفاع معدل السيولة يفتحان الباب على مصراعيه أمام طرح فرص استثمارية جديدة على مستوى "شركة إعمار المدينة الاقتصادية" ضمن استراتيجية تنموية طويلة المدى يمكن أن تحقق الفائدة المزدوجة للوطن والمستثمرين على حد سواء. فالسوق الاستثمارية تعاني قلة الأفكار ومحدودية الفرص ما يجعلنا نبحث عن الدور الحكومي الفاعل في تبني طرح فرص استثمارية جديدة بحسب استراتيجية طويلة المدى.
لا يمكن للقطاع الخاص أن يبادر بطرح مشاريع ضخمة على مستوى "إعمار المدينة الاقتصادية" دون مساعدة من الهيئة العامة للاستثمار التي يفترض أن يكون لديها تصور شامل لاحتياجات الوطن الاستثمارية بناء على دراسات مسبقة، ربما شاركت فيها وزارة التخطيط بصفتها المسؤولة عن وضع الخطط المستقبلية وتحديد الاحتياجات.
حتى الآن أثبتت الهيئة العامة للاستثمار كفاءتها، وقدرتها الفائقة في طرح المشاريع الاستثمارية الرائدة، من خلال المدن الاقتصادية المتخصصة، وبعض المشاريع الصناعية الضخمة، إلا أن السوق السعودية ما زالت تبحث عن فرص استثمارية جديدة في مجالات الصحة، صناعة قطع الغيار والأجهزة الإلكترونية، العقار المنظم، التعليم، الطاقة، والمصارف، وهي قطاعات تنموية استثمارية قادرة على تحقيق النمو، والازدهار، وترجمة متطلبات التنمية المستدامة، إضافة إلى ما ستحققه من أرباح مستقبلية للمستثمرين.
نتمنى أن تكون لدينا مدن طبية متخصصة موزعة على مناطق المملكة الرئيسة، تمول من قبل القطاع الخاص وتدار من قبل خبرات عالمية ووطنية، تخفف على المواطنين عناء السفر والتنقل من أجل البحث عن العلاج، وتساعد في تنمية الوطن، وتسهم في فتح قنوات استثمارية جديدة للمواطنين.
إنشاء البنية التحتية للمدن الطبية، على غرار المدن الاقتصادية يساعد في جذب الخبرات العالمية من خلال المشاركة والدعم والحصول على الاستشارات الدولية. يمكن استثمار تجارب الدولة الإنشائية السابقة في طرق مجالات جديدة غير تقليدية من أجل تنويع الاستثمار، وسد الاحتياجات الداخلية، ودعم الاقتصاد الوطني.
الأمر نفسه ينطبق على قطاع التعليم الذي يعاني قلة في التخصصات الجامعية، التقنية منها والطبية، وصعوبة واضحة في توفير المقاعد الدراسية للراغبين ما يدفعهم إلى السفر خارج الدولة لمواصلة الدراسة على حسابهم الخاص. الاستثمار في قطاع التعليم، خصوصا التعليم العالي، سيساعد كثيرا في فتح تخصصات جديدة، وسيؤدي إلى القضاء على مشكلة القبول بحيث نضمن بذلك مقعدا جامعيا للراغبين في مواصلة الدراسة، إضافة إلى ما ستحققة المشاريع التعليمية من قيمة مضافة إلى الناتج المحلي. الأمر ينطبق أيضا على قطاعات المصارف، الطاقة، والعقار، وإن كنت أرجو أن تستبدل بثقافة المساهمات العقارية التقليدية الحالية الطرق الحديثة التي تعتمد على الاستثمار المتكامل للعقار، بدءا من الأرض، مرورا بالتنفيذ والبناء، وانتهاء بالتأجير. ماذا لو استغلت الأراضي البور الواقعة على ساحل مدينتي جدة والخبر لبناء ناطحات سحاب حديثة، ومدن سياحية من خلال شركات مساهمة عقارية؟ أجزم بأن المدينتين ستحظيان بمشاريع عمرانية وسياحية رائدة، إضافة إلى ما ستحققة الشركات العقارية من أرباح خيالية للمستثمرين.
أعتقد أن الدولة لم تدخر جهدا في تنفيذ مشاريع التنمية والبناء، إلا أن الوقت قد أزف كي يمارس القطاع الخاص دوره القيادي لتنفيذ استراتيجية الاقتصاد البديل الذي يمكن أن يخرج اقتصادنا الوطني من أحادية موارده النفطية.
عودا على بدء، أعتقد أن الرغبة الجامحة في الاستثمار، تدعمها المقدرة المالية لدى المواطنين والمستثمرين قادرة على خلق مشاريع تنموية استثمارية ضخمة أسوة بالدول المتقدمة، إلا أنها تبقى عاجزة، حتى الآن، عن تلمس الفرص ووضع الاستراتيجيات، ما يجعلها في حاجة ماسة إلى دعم الدولة من خلال طرح المشاريع الاستثمارية المتكاملة، وفق استراتيجية التنمية، للقطاع الخاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي