تكنولوجيا "النانو": ثغرات صحية تبدد ثورة صناعية قادمة
تمثل تكنولوجيا النانو علما مزدهرا حديثا، مثيرا بإمكانياته الهائلة، ولا يخفي الخبراء في مجال هذه التكنولوجيا طموحاتهم العظيمة وتوقعاتهم المذهلة في التطور الشامل الذي سيشهده العالم في حال تطور هذه التكنولوجيا وانتشارها دوليا.
ويتعامل خبراء هذه التكنولوجيا مع مواد متناهية في الصغر إذ يبلغ حجمها مليارا واحدا من المتر. ومن خلال هذا الحجم الدقيق جدا، فإن المواد التقليدية تتصرف بطرق غير تقليدية. ويضرب المختصون على ذلك مثالا بمواد لا توصل الكهرباء، وأخرى هشة تصبح موصلات ممتازة وقوية جدا عند جعلها دقيقة بما يكفي. ومن الممكن الاستفادة بجزيئات النانو أيضا في الخلايا البشرية وإحداث بعض التفاعلات الكيميائية في التربة، والتداخل مع العمليات البيولوجية والبيئية.
ورغم أن الولايات المتحدة هي الدولة الأولى على المستوى العالمي في تكنولوجيا النانو، إلا أنها لا تعطي اهتماما كافيا للمخاطر البيئية والصحية والوقائية التي قد تنجم عن منتجات النانو. جاء هذا في تقرير صدر أخيراً عن مجلس الأبحاث القومي المستقل.
وإذا لم يقم المسؤولون الفدراليون وكبار المصنعين وغيرهم بوضع خطة لسد الثغرات الموجودة في نظريتهم حول سلامة تكنولوجيا النانو، كما يحذر التقرير، فإن الطموحات العظيمة التي يبشر بها هذا العلم قد تتبخر في سحابة الشك العام.
ويردد التقرير صدى المخاوف التي عبر عنها البعض في جلسة استماع في الكونجرس عٌقِدت في الأسبوع الفائت، حيث يؤكد أن هناك أدلة على أن جزيئات النانو المعدَّلة هندسيا يمكن أن تكون لها تأثيرات جانبية على صحة حيوانات التجارب. "ومن الحكمة اتخاذ بعض الإجراءات الاحتياطية لحماية الصحة وسلامة العمال والجمهور والبيئة حتى يتم استيعاب وفهم هذه المخاطر جيدا".
جاء التقرير في 176 صفحة تحت عنوان "مسألة مهمة"، وتم إجراؤه تحت رعاية مجلس الأبحاث القومي، الذي يقوم بتقديم الرأي للكونجرس حول المسائل العلمية. ويركز التقرير على المبادرة القومية لتكنولوجيا النانو، التي تقوم بتنسيق ووضع أولوية للأبحاث الفدرالية في مجال تكنولوجيا النانو.
ويخلص التقرير إلى أن جهود الولايات المتحدة تتسم بالتذبذب فيما يتعلق بسلامة تكنولوجيا النانو، وهي الأقوى عالميا في هذا المجال تقريبا، برغم دخول القليل من الدول الأخرى التي تأتي بعدها من حيث الترتيب. ويذكر التقرير بعض نواحي القصور في المتطلبات المهمة لتكنولوجيا النانو مثل عدم وجود تعاون قوي بين وزارات التعليم والعمل من أجل تعزيز عملية تزويد العلماء والفنيين بالمهارات التي يحتاج إليها هذا المجال.
ومما يذكر أن المخاوف التي جاء ذكرها في التقرير بشأن إجراءات السلامة في تكنولوجيا النانو كانت قد طُرِحت في جلسة استماع لجنة العلوم في الكونجرس التي قام فيها النواب الجمهوريون والديمقراطيون على السواء بسؤال إدارة الرئيس بوش حول عدم وجود خطة لمعرفة المزيد من المعلومات حول مخاطر تكنولوجيا النانو.
واتهم رئيس اللجنة شيروود إل بويهليرت الإدارة الأمريكية بالتلكؤ في الوصول إلى حلول في وقت يحتاجون فيه إلى سرعة الاستجابة.
بينما ذهب النائب الديمقراطي بارت جوردون إلى أبعد من ذلك، حيث وصف أحدث ملخص لمتطلبات أبحاث تكنولوجيا النانو الذي صدر أثناء جلسة الاستماع بأنه "عمل بدائي جدا".
وعلق أندرو ماينارد، رئيس مستشاري العلوم لمشروع تكنولوجيات النانو الناشئة، الذي يتلقى جزءا من تمويله عبر مؤسسة سميثوسونيان، قائلا "إن الحكومة تنفق 11 مليون دولار سنويا على الأضرار المحتملة لتكنولوجيا النانو في الوقت الذي تنادي فيه جماعات البيئة والصناعة مجتمعة بتخصيص 50-100 مليون دولار سنويا".
مضيفاً أن من المهم أيضا ضرورة وجود استراتيجية تعاون لإنفاق هذا المال بطريقة معقولة.
وذكر ماينارد أن هناك 300 منتج للمستهلكين تحتوي على مكونات النانو بما فيها أطعمة متعددة والكثير من مستحضرات التجميل مع عدم وجود أبحاث أو القليل منها حول مسألة السلامة.
ومن المتوقع أن تصل قيمة تكنولوجيا النانو إلى نحو تريليوني دولار بحلول عام 2014.
وعلق نوري ألدرسون، المفوض المساعد للعلوم في إدارة الغذاء والدواء ورئيس مجموعة العمل التي كتبت التقرير الموجز حول تكنولوجيا النانو بتكليف من الإدارة الأمريكية وتم تقديمه إلى الكونجرس الأسبوع الفائت، قائلا إن التقرير – الذي كان من المفترض أن يتم تسليمه منذ ستة أشهر – كان مجرد "خطوة أولى".
وعندما سأله النائب بويهليرت إن كان يفهم أنهم كانوا يتوقعون الكثير منه ومن مجموعته، قال ألدرسون "أعتقد أن رسالتك قوية وواضحة".