الإرهاب.. القنبلة الموقوتة

<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>

تحدثت في الأسبوع الماضي عن النجاحات المميزة التي حققتها قوى الأمن في حربها على الإرهاب والإرهابيين، وأشرت إلى أن ثبات سياسة وزارة الداخلية في تعاملها مع الإرهاب لم يمنعها من تغيير بعض استراتيجياتها الميدانية بناء على طبيعة ردود أفعال الإرهابيين على أرض الواقع، ما أدى إلى حصولها على نتائج مميزة ساعدت في القبض على جميع أفراد خلية جدة الإرهابية دون الدخول معها في مواجهات مسلحة، وهو ما ساعد على تحقيق بعض المكاسب على المستويين الاستراتيجي والاستخباراتي، ولعل النتائج الاستخباراتية بدأت في الظهور بعيد انتهاء العملية الأمنية، حيث استطاعت قوى الأمن إلقاء القبض على بعض المطلوبين الأمنيين في مناطق مختلفة من المملكة دون الدخول معهم في مواجهات مسلحة. وأشرت أيضا إلى أن الفكر والثقافة يمكن أن يحدثا التأثير الإيجابي الأكبر في تغيير قناعات الجماعات الإرهابية ومؤيديها، ويمكن أن يسهما في حماية النشء، وتحصينه ضد الأفكار الهدامة، ومنعهم من أن يكونوا لقمة سائغة في يد الإرهابيين.
أكمل من حيث انتهيت، مستعينا بدراسة متخصصة قام بها الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، أمين عام مؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي، التي ضَمنَها كتابه الموسوم بـ "نحو استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية" أكد في خلاصتها التنفيذية، أن جذور الإرهاب "متمددة في الفكر والثقافة، وفي مؤسسات الدولة، وفي بنية المجتمع المحلية، وأن الإرهاب وإن قوي وضعف، وظهر وكمن، تبعا لظروف محلية، وإقليمية ودولية، سيظل موجودا..هذه الجذور والمناخات، وبسبب سيطرتها شبه المطلقة، وجاذبيتها للشباب والعامة تفاعلا وتعاطفا، وعدم وجود ما يزاحمها مساحة، أو ما ينافسها تقدما على ساحة الفكر والدعوة والوعظ والإرشاد والثقافة والإعلام والتعليم والتربية، أو حتى على مستوى الممارسات الحياتية اليومية للمواطن البسيط، قد أنتجت لنا أفواجا من الإرهابيين الصغار، وشرائح واسعة من المتعاطفين الكبار" ويخلص الدكتور العثيمين في دراسته القيمة إلى أن معالجة الإرهاب في المجتمع السعودي ممكنة "عبر الخروج باستراتيجية وطنية شاملة تقوم على مسارين متوازيين، المسار الأول، تجديد الخطاب الديني نفسه، والسعي إلى إظهار خطاب ديني متسامح مستنير.. والمسار الثاني هندسة المجتمع هندسة شاملة.. هندسة تتناول عددا من المجالات الحيوية". وتناول الدكتور العثيمين محاور مهمة "لإضعاف (جاذبية) الأيديولوجيات المتطرفة في عقول الناس، وقلوبهم، والشباب على وجه الخصوص"، ومنها: المحور الديني، الاجتماعي، الوطني، التربوي والتعليمي، السياسي والاقتصادي، والمحور الثقافي الإعلامي، وهي محاور أساسية لا يمكن تجاوزها، أو التغاضي عنها في الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمكافحة الإرهاب.
دراسة مستفيضة، وكتاب قيم، ورؤية شاملة لقضية الإرهاب التي أصبحت الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية، وللغيورين على أمن وسلامة هذا الوطن.
كتاب الدكتور يوسف العثيمين يمثل الجانب المضيء من نتاج الأكاديميين السعوديين الذين أخذوا على عاتقهم محاربة الفكر المنحرف بأساليب علمية تعتمد على الدراسة والتحليل وتقديم الحلول الناجعة التي يمكن من خلالها التغلب على ظاهرة التطرف والغلو ومحاربة الإرهاب بالكلمة الطيبة، والطرح المتزن.
قال تعالى "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " وهذه الآيات الكريمة تنطبق على الجميع من علماء، وكتاب، ووعاظ دون تمييز، فالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن هو نهج المسلمين باختلاف مشاربهم. منهج إسلامي كريم يجب أن يتسلح به كل داعية سلام، وكل من أراد أن يتصدى للأفكار الشاذة، الدينية منها والدنيوية، فإن كنا نأخذ على الإرهابيين تطرفهم، وتبنيهم الفكر التكفيري، ويأخذ البعض على فئة من علماء المسلمين تشددهم، فإننا نأخذ على بعض الكتاب والصحفيين، وهم قلة، تطرفهم في مواجهة رجال الدين الربانيون الذين ندين لهم بالفضل والخير الكثير. يجب أن لا ننسى أن غالبية علمائنا الأجلاء كانوا سندا للدولة في مواجهة الفكر الضال، وحصنا منيعا أمام تطرف الإرهابيين؛ ولهم يرجع الفضل الكبير بعد الله سبحانه وتعالى، في كشف معتنقي الفكر التكفيري، وتعريتهم أمام أنفسهم، وأمام الرأي العام. قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا".
الخلاف، والمجادلة في الثوابت، هما آفة المجتمعات، والخروج على العلماء الربانيون هو أحد أكبر الأخطاء التي تقود إلى تفكك المجتمع وضعف بنيته الداخلية. هناك فرق كبير بين النقاش المثمر وبين المجادلة المفضية إلى التشاحن والتنافر، وأيّا تكن القضايا الخلافية يجب أن لا يُسمح لها بأن تقود المجتمع نحو الهاوية، قال تعالى "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ".
الخلاف الإعلامي العابر أغرى محطات الفجور الفضائية للخوض في ثوابت الأمة، والتغلغل في خصوصياتها من أجل تأجيج المشاعر العدائية، وزرع بذور الفرقة، وإشعال نار الفتنة الفكرية المغذية لعقول التكفيريين.
الخلاف الفكري بين المؤسسات الدينية والإعلامية قد يفضي مستقبلا إلى تشكيل "قنبلة موقوتة" يخشى أن تنفجر في أية لحظة، مخلفة وراءها الموت والدمار. ترى مَن المسؤول عن نزع فتيل هذه "القنبلة الموقوتة"؟ قطعا الجميع وعلى رأسهم عقلاء الأمة الذين كانوا وما زالوا يعملون من أجل وحدة الصف والكلمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي