"الجمهور عاوز كده".. و"كده" سعيد بحب الجمهور!
مدخل:
إن كان ما نقرأوه الآن يسمى شعرا، فالأقلام حبرها أبيض!
من الخطأ بمكان أن نرمي بأسباب انخفاض مستوى النتاج الشعري المحكي في الخليج على عدم وجود مواهب شعرية جيدة، حيث يبدو أن إمكانية إيجاد نتاج عال وفاخر من الشعر بات أمرا ً غاية في السهولة، حيث تكتظ منتديات الإنترنت بأسماء جميلة، قد نتفق أن انحصار وجودها في الشبكة العنكبوتية يعود إلى قلة الأماكن الصالحة للتعامل، ولكن يظل الجمهور عاملا تم تغييبه عمدا ً في مسألة هذا التدهور، كونه أصبح مستهلكا، وتعوّل عليه المطبوعات الكثير لزيادة أرقام التوزيع، لذا من الطبيعي أن تتجه إلى صناعة "نجوم ورق" وحشد هالة من "الهيبة المصطنعة" حول نتاجهم، كي تبدأ في تشكيل قاعدة كبيرة لهذه الأسماء، ومن ثم تصدره عبر أغلفتها كعامل تسويق، مثله مثل أي فنانة أو مطرب جماهيري.
لذا فإن الجماهير التي تقبل الكثير من الغث، وتسمح باستمرار نشره، وتباركه، هي السبب الرئيس في هذا الانحدار، ولا نستغرب مع نوعية كهذه تمثل السواد الأعظم من الجماهير أن يتمادى بعض الشعراء لكتابة شعر هش يحمل الكثير من "قفشات" الأفلام، كي تأتي قصائدهم ساخنة بالضحك، وغالبا ما تأتي حجة الشاعر: "الجمهور عاوز كده" ، ليتجرأ الشاعر محمد بن سبيل مخاطبا جماهيره المزعومة بالبيت التالي :
طال انتظار اللي يحبون الإبداع عامين ما صافحتهم في جديدي!!
فحين يتجرأ شاعر ويطرح ثقته في شغف الجمهور بجديده، نصبح أمام خيار يتمثل في جمال القديم المطروح، وهذا ما لا أظنه كثيرا في شعر محمد بن سبيّل.
أما الشاعر ياسر التويجري، أجبرنا من خلال إحدى قصائده أن نتخذ موقف ضد "عقله" حيث يقول:
للجهالة إيه والله فزت في كل البنود
والغباء لكل شخصٍ ما يقّر اني غبي
وطالما أن المسألة أصبحت تخييرا، فلا أظن أن هناك من سيُقر بغبائه، باستثناء ياسر التويجري! والنماذج كثيرة ومكررة، ولا ذنب على الشاعر الذي يجد نفسه محاطا بجماهير غفيرة، في حين أنه يعي تماما أن ما يكتبه تافه، وعودا على "الجمهور عاوز كده"، ظل الشاعر المصري سيد حجاب مشدوها ً بعد انتهائه من المشاركة في إحدى أمسيات الجنادرية بصحبة مجموعة من الشعراء المحكيين السعوديين حيث كانت "وصلته الشعرية" استراحة للجمهور، حين كان يخرج ليدخن أو ينهي مكالمة هاتفية غير مهمة، ورغم أن محاسبة هذا الجمهور صعبة وكذلك تربية ذائقته من جديد، إلا أن هناك بوادر ظهور مجموعة متشوقة لشعر جيد، أعتقد أنها ستزاحم الجمهور الحالي صاحب الرؤى السطحية، لذا لم يكن بمستغرب توقف مجلة "أصايل" والحضور الخجول لمجلة جواهر، كما أن الجميل في الموضوع أن المرحلة المقبلة لن يكون الضوء فيها مسلطا على الشعر المحكي، كالسنوات الماضية، وسيكون الحضور لفنون أخرى كالرواية والقصة والمقال والمسرح، وهذا ما يتضح من خلال توجه الكثير من الشباب لإنشاء مواقع إلكترونية تعنى بتلك الفنون، حين لفظتهم الوسائل الإعلامية المقروءة والمرئية و المسموعة ولم تستقبل نتاجهم.
مخرج: وعليه دعونا ننهي هذه المرحلة بشيء من النتاج الجيد!