قمة مسطّحة!
حين نجحت الصحافة "المحكية" الكثيفة في صناعة الشاعر النجم، مستثمرة قدراته المباشرة في التواصل مع الشريحة الأكبر من المجتمع، اعتمدت على الإثارة والتشويق والاحتفال بالهوامش والإفرازات الخاصة بنجوميته، علينا أن ندركَ أنها فشلت كثيرا في صناعة القصيدة المحكية المختلفة، التي تتعاطاها الطبقة المثقفة التي سلكت سبيل اللغة المباشرة والرؤية النوعية، حتى لا يدخل الشاعر المثقف فيها في أزمة النخبوية التي وقع فيها شاعر القصيدة الفصحى، حيث يتقاطع معه ثقافيا ويشاركه هواجسه رؤويا، ومردُّ هذا الفشل عائد إلى الأسلوب البدائي الذي سلكه جلّ المطبوعات المهتمّة بهذا النوع من الشعر، حين تكتّلت باتجاه قمة هرمية للشعر لا يبلغها إلا شاعر واحد، وجهلت أو تجاهلت أن قمة الشعر مسطّحة وأن الشعراء يتباينون ويتفاوتون في رؤاهم، لكننا لا نصادر لهم هواجسهم ولا تتمايز تلك الهواجس إلا في أذواقنا.
إن تسليط الضوء على الصراعات"البدائية المباشرة" ومحاولة اجتثاث التواريخ الشعرية، من خلال استهداف الصدام والصراع بين مجموعة من الشعراء، لا يعدُّ رجرجة للمياه الراكدة كما يعتقد بعض المنتمين إعلاميا للساحة المحكية، لكنه النكوص بها إلى البدائية الأحادية الرؤوية التي لا يمثلها الشعراء الجادون الحاليون فيها.
وحين نشير إلى هذا بصيغة التعميم إنما نشير إلى الأغلبية ولا نغفل استثناءات خاصة قام بها عدد من الشعراء المحكيين، من خلال إشرافهم على مطبوعات متعددة، لعل أهمهم وأكثرهم حضورا في هذا التوجه، الشاعر المختلف في كل شيء "فهد عافت".