التغذية والنمو العقلي
اتضحت علاقة التغذية بالمخ في أوائل القرن العشرين مع تقدم طب الأطفال, وأصبح واضحا أن حالة الفرد التغذوية ترتبط بأدائه المدرسي وفي ذلك الوقت كانت الدراسات عن المخ في الحيوانات قاصرة على تأثيرات نقص التغذية على حجم المخ والحجم الكلي للجسم, وقد أدت زيادة المعرفة أثناء النصف الأول من هذا القرن في مجال التغذية والوعي بتأثيرها على النمو الجسماني وتطوره تدريجيا إلى التحقق من أن الجهاز العصبي المركزي يمكن أن يتأثر أيضا بالاختلافات في المواد الغذائية المتناولة. وقد دلت نتائج الدراسات والبحوث حتى الآن على أن التغذية لها أهمية كبيرة في نمو وتطور المخ والنشاط مع توفير العوامل البيئية المناسبة والاجتماعية والسيكولوجية والطبية والتربوية التي تسهم في تكوين العقل.
وقد يكون هناك حالات قد تؤثر على المخ ونموه وتؤدي على ضمور حجمه ما قد ينتج عنه تخلف عقلي مثل حالات التعرض للإشعاعات أو الإصابة بالفيروسات أو عيوب الكروموسومات أو تناول الأدوية والعقاقير وبخاصة من الأسبوع العاشر حتى الأسبوع الثامن عشر من الحمل وهي الفترة الحرجة لانقسام وزيادة عدد الخلايا العصبية في المخ.
يؤثر الغذاء تأثيرا كبيرا على أداء ووظائف المخ ومن المعروف أن المخ يعتمد بصفة أساسية على الجلوكوز لتوليد الطاقة اللازمة له. وإن حدوث نقص حاد في نسبة الجلوكوز يؤدي إلى خلل كبير في وظائف المخ. وقد ذكرت دراسات عديدة أن الدهون والأحماض الأمينية المختلفة تدخل في التركيب الأساسي لخلايا المخ وتركيب الموصلات العصبية neurotransmittcrs لذلك فإن الدهون تعمل على دعم التطور الطبيعي للجهاز العصبي المركزي أما الأحماض الأمينية فإنها تدخل في تركيب الموصلات العصبية وهي المواد التي تساعد على نقل النبضات بين خلايا المخ, مما يسهل من أداء المخ وظائفه المختلفة. وذكرت الدراسات أيضا أن الغذاء يعتبر الحجر الأساسي في عمل المخ الذي من بين أعماله ممارسة التعليم فيساعد على التحصيل الجيد.
تلعب العناصر الغذائية دورا مهما في وظائف وأداء المخ والجهاز العصبي فيسبب نقص النياسين الحاد وهو من مجموعة فيتامين B, تقرح الجهاز العصبي في المراحل اللاحقة وبخاصة الدماغ والحبل الشوكي وتحلل الشحوم البروتينية فيها, كذلك يعمل النياسين على ضخ الدم للمخ. أيضا يظهر معظم حالات نقص الثيامين الحاد بسبب سوء الامتصاص في الأمعاء أو تعاطي المشروبات الروحية إلى ظهور أعراض عصبية تسبب تلف النخاع الشوكي أو الدماغ. كذلك يسبب عدم اتزان الصوديوم إلى اضطراب النظام العصبي المركزي والإغماء والذهول. وتشير دراسة أجريت في مصر إلى أن العناصر المعدنية تلعب دورا كبيرا في التعليم, كذلك يؤدي نقص اليود الشديد عند الحامل إلى ولادة طفل مصاب بإعاقة بدنية وعقلية وهي ناتجة عن نقص هرمون الغدة الدرقية الذي يدخل في تركيبة عنصر اليود وتعتبر الأطعمة البحرية والمناطق الساحلية غنية بهذا العنصر.
أيضا عوز الحديد عند الأطفال يسبب بطء للنمو العقلي والذهني وسرعة التعب والخمول والتأخر في الاستيعاب, وأخيرا قد يؤثر الغذاء على وظائف المخ عن طريق المواد الحافظة أو مكسبات الطعم أو المواد الملونة التي تضاف إلى الأغذية المختلفة حيث أثبتت الدراسات أنه قد يكون هناك علاقة بين وجود هذه المواد وحدوث بعض الأمراض النفسية والعصبية عند الأطفال.
يتضح من ذلك تأثير الغذاء على النمو العقلي وسلامة المخ لأداء وظائفه المتعددة.