الأمل..

الأمل..

في ديننا وثقافتنا مخزون معرفي ووجداني يدعو إلى الأمل فنلحظ قول الحق سبحانه"فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب" كم منا تأمل هذه الدعوة الإلهية لشغل وقت الفراغ في التوجه إلى الرب سبحانه بدلا من اليأس؟.
"ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"، "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"...الكثير من الآيات والأحاديث تدعو إلى ربط الأرض بالسماء ...ورحلة الحياة ممتدة -عبر الموت- في ديمومة وخلود... والمتأمل فيها مليا يجد ألا وقت فيها للقنوط وأن باب الأمل لم ولن يوصد "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
أدرك الشعراء أهمية الأمل، وقالوا أروع الحكم التي تدعو للتفاؤل، من خلال تركيزهم على أهمية الأمل، والدعوة التفاؤلية، رُغم كدر العيش ومنغصات الحياة. فهذا الشاعر الشعبي - الذي تغنّى بشعره الفنان الراحل طلال مداح يرحمه الله- يقول:
لولا الرجا واعلل النفس بوعود
وعود خلٍ صار شوفه شفاقه
فالشاعر هنا يقرر أنه يتنفس عبر نافذة "الأمل" حيث يُعلل نفسه بالرجاء ووعود خل يشتاق إلى رؤيته ولولا هذا"الأمل"لتدهورت حالته. وهذا الشاعر الرائع بندر المحيا يعالج قضية الوجع الإنساني من خلال باب "الأمل" فيقول:
لو لا الأمل بابٍ تجي منه الأحلام
ما استوطن الياس بصدور الخليقة
أما الشاعر ضيدان بن قضعان فيمتثل للمثل الشعبي الذي يقول "لولا الأمل مات الفقير"، فيوظف هذا المثل بشكل إبداعي رائع وهو يتحدث عن صاحبه الغالي، ومعاناته الشخصية معه، والتي يرى أن علاجها بالأمل... فيقول:
يا صاحبي يا أغلى السنين الماضية والمقبلات
أبقى على قول المثل لولا الأمل مات الفقير
فيكتور فرانكل صاحب مدرسة "العلاج بالمعنى". والذي من الممكن اختزال معناها بالشكل الآتي:
حين يُسيطر الحزن والقنوط على المريض النفسي، يطرح المعالج السؤال الآتي:
إذا كانت الحياة بهذا الشكل المأساوي وإذا كان القنوط هو المسيطر فلم لا تنتحر (ي)؟
تختلف إجابة كل "مريض" بحسب عقيدته وثقافته وبنائه النفسي. فمن ضمن الإجابات التقليدية "حرام، أي أن الرادع ديني"، أو"خوفا على سمعتي ، أمي، أطفالي- أي أن الرادع اجتماعي"أو "الخوف، أي أن الرادع نفسي"... إلخ. بتحليل أي من هذه الإجابات أو غيرها يتمسك المعالج بخيط العلاج حيث يجد "المعنى" الذي من أجله يعيش المرء...وتبدأ -من ثم- رحلة العلاج. ونلحظ هنا أن "الأمل" في انتشال المريض من براثن الاكتئاب، جاء بالتفتيش عن مكامن الأمل في دهاليز النفس. وهذا المنطلق هو ذاته الذي عالجه شعراؤنا بطريقة جمالية وصاغوه شعرا يُخاطب الوجدان العام.
ظني أن تدبر أمر"الأمل" في هذا العصر الخرب...عصر القلق وانسلاخ الذات...ربما يساعد على مواجهة تيارات القنوط واليأس التي تعتري الروح في لحظة وجع.

أستاذ علم النفس الإرشادي المشارك
استشاري العلاج النفسي ـ جامعة الملك سعود
[email protected]

الأكثر قراءة