مقاصد النسك

مقاصد النسك

حينما تقرأ في التنزيل ?وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود? فإن هذا السياق يتضمن إبانة لمقاصد النسك، وتقريراً لمراتب التشريع، وهذا المعنى الكلي يمكن أن يُنظر في مُفَصَّل أفعال النسك التي تمثل رسالة إصلاح للنفس في مقام توحيد الله وتقديرِ النفس البشرية حق قدرها بعبوديتها لله وحده؛ لأن أي تحول بالنفس عن مقام العبودية الأكبر هو اختصار للنفس والقيمة البشرية بالجهل والخرافة، ولهذا صار مقاما «الإيمان وتوحيد الله سبحانه» هو الطهارة الكبرى التي تتصل بها الطهارة الحسية.
هذا المعنى يتصل مع قراءة النصوص النبوية التي جعلت الحج أحد مباني الإسلام كما في حديث ابن عمر: (بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)(1). وإنما كان كذلك لأنه معنى وفعل يتحقق به مقام الإيمان والتسليم المطلق، فتتجرد النفس عن جدل المنازعة في القضاء والتشريع؛ لأن الشريعة وحقائقها العالية لا تنازع بجدل بل تؤخذ بعلم وإيمان تدرك به النفس الحقائق، وينكشف به نور الشريعة التي رسمت هداية البشرية، وقيادة الإنسان إلى عالم الفضيلة والإيمان، ولهذا فإن من أخص مقامات هذا العلم معرفة مقاصد التشريع، فإن ثمة حقيقة تامة تقول: «إن كل تشريع في الإسلام فإنه لحكمة» وهذا المعنى الكلي أخص قراءة له وضبطٍ لمناطه التأمل في كلمات الكتاب والسنة التي ينتظم فيها الحكم بقدر من الإشارات والتنبيهات على مقاصد الشارع ومعاني الحكمة، وإذا قرأت هذا البيان في سياق آيات النسك في كتاب الله تجد أن جمل المقاصد ربما كانت أكثر من تفصيل كثير من الأحكام، فإن العناية بمقام التأصيل وتقرير الأصول هو الأكثر في نصوص القرآن في كثير من الأحوال، ومن أوتي فهما في كتاب الله بأن له فضائل الحكمة الإلهية في إصلاح النفوس وتعريفها بحق الله وحقوق الخلق على مقام من الكمال في التشريع، وترى أن صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام نزل عليه بعرفة: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي?. فهذا الكمال في التشريع يعني تمام النعمة الإلهية على العباد بالحكمة المحمدية المتمثلة في رسالته ونبوته.
وحينما تكون النفس على فقه لمقاصد الشريعة ومراتب الحكمة فهذا هو نَفَس الخير الذي يفيض على النفس نور الإيمان، وهذا معنى سلامة القلب وإصلاحه المذكور في كلمات الكتاب والسنة الذي يجتمع معه العلم والعمل مع إخلاص لله وتجريد للنفس عن علائق الشر والفساد، والله الهادي.

الأكثر قراءة