دخان الحطب يتلف الرئة ويشل ضحيتة قبل أن تختنق

دخان الحطب يتلف الرئة ويشل ضحيتة قبل أن تختنق

رغم الانتشار الكبير الذي حققته الدفايات الكهربائية حول العالم إلا أن الاستدفاء بالحطب مازال صامدا أمامها وخصوصا في منطقة الخليج العربي نظرا للألفة الموجودة بين الإنسان الخليجي والحطب حيث الأجواء الدافئة الحميمة، والمجالس الممتعة، ولا شك أن الحطب نجح في لم شمل كثير من الأسر والأصدقاء بعدما أسهمت الحياة العصرية في التقليل من فرص هذه الاجتماعات.
وكالعادة، وفي كل شتاء تزدحم أسواق الحطب والفحم بمرتاديها الذين يشترون منها كميات كبيرة لحرقها خلال هذا الفصل البارد، ويحرص هؤلاء المرتادون على شراء أجود الأنواع كل حسب ميزانيته.
وأنواع الحطب كثيرة متعددة، وعن ذلك يقول بائع الحطب أحمد علي أحمد الذي يعمل في هذا المجال منذ ست سنوات أن من أبرز أنواع الحطب المتوافرة في المملكة السمر والغضى والطلح.
وعن أفضل هذه الأنواع يقول أحمد إن أفضلها سمر المدينة لطول عملية احتراقه وطيب رائحته وقوة جمره وقلة دخانه، ويأتي بعده الغضى من نجد ومن الشمال، الذي يتميز برائحته الطيبة، لكن مدته أقصر من سمر المدينة.
ومن الأنواع الرخيصة يأتي حطب الطلح الذي لا يشهد إقبالا كبيرا نظرا لقلة جودته بالنسبة للأنواع الأخرى وسرعة احتراقه ورائحته التي لا تقارن برائحة السمر.
وعن أشكال الحطب التي يستطيع المستهلك التفريق بينها حتى لا يقع فريسة لغش بعض ضعاف النفوس يقول حمود القحطاني –أحد تجار الحطب- إن السمر يتميز بقشرة دقيقة ويميل إلى الاحمرار إذا وضع على النار، أما الغضى فيتميز بلونه الأبيض ودقة أعوداه واستقامتها. يأتي بعده الطلح الذي يتميز بقشرة داكنة وسميكة يوجد عليها شوك صلب قليلاً وكثير الدخان أحياًنا، ثم السَـلَـم الذي يتميز بعوده الدقيق ويميل إلى البياض وهو خفيف وسريع الاشتعال وجمره متوسط الحرارة والقوة، ومن الأنواع الأخرى: القرض وهو شبيه بالسمر لكنه لا يرتفع كثيراً عن الأرض وينمو في الجبال والحرات وحطبه ثقيل جداً وصلب مما يجعل تقطيعه وتكسيره بالفأس صعبا ويتميز بقوة جمره.
وأما أسعار الحطب فحطب السمر هو الأغلى ويصل سعره إلى خمسة آلاف ريال للشحنة الكبيرة الواحدة أما سعر الحزمة فيراوح بين 60 و65 ريالا كما يقول أحمد علي أحمد الذي يضيف أن الحزمة ليس لها عدد معين أو وزن محدد إنما يتم تقديرها بالنظر، أما حزمة الغضى فتصل إلى 120 ريالا نظرا لقلته في السوق. وفي الصيف تنخفض الأسعار بين 30 و 40 ريالا.

جودة الحطب: ابتعد عن الرطب والمنخور
تتعدد مواصفات الحطب الجيد، إذ إن بعض الحطب –رغم كونه من نوعية جيدة- إلا أنه قد يكون متعرضا لأمور جعلته يفقد جودته كالرطوبة أو النخر أو طريقة التقطيع، وينصح محمد عبد الله السهلي وهو صاحب شاحنة كبيرة محملة بحطب السمر بالمواصفات التالية: أن تكون القشرة يابسة ونظيفة من النخور والرطوبة أو الخضرة بحيث تنكسر في اليد فإذا ظهر على الحطب شيء مما ذكر ووجد صعوبة عند كسره فهذا يدل على عدم جودته للنار. لأنه سوف يكثر دخانه ولن يشتعل بسرعة وسرعان ما يخبو جمره.
ويؤكد السهلي أيضا أن الحطب المقطع "المشلق أو المشضّف" أفضل من الأعواد الكاملة والمستديرة لأنه يشتعل بسرعة ويقل دخانه. وإذا كان الحطب به خروق ونخور صغيرة دائرية الشكل ويظهر منها ما يشبه البودرة فهذا لا يصلح، لأنه يبس أكثر من اللازم حتى أكلته الأرضة أو دود الحطب وقد لا يشتعل ويكون دخانه كثيفا ولا يبقى له جمر.

للغش فنون
الحطب مثله مثل أي سلعة تجارية أخرى تتعرض للغش والتلاعب، ويقول أحمد علي أحمد إن نوعية الحطب والفحم معروفة لا يمكن غشها لكن التلاعب قد يكون من خلال استغلال الزبون الجاهل بأنواع الحطب وبيعه حطبا على أنه سمر مثلا وهو طلح.
ويقول تاجر الحطب حمود القحطاني أن البعض يقطع من خشب أشجار الشوارع ويخلطها بأنواع جيدة ويبيع السيارة بالكامل في غفلة من الزبون، وآخرون يحرقون الخشب الرخيص في محلاتهم ويبيعونه على أنه فحم سمر.
وينصح القحطاني كل مشتر أن يشتري الحطب من محل رسمي ويبتعد عن الباعة الجائلين الذين لا يعرف لهم مكان؛ لأن هؤلاء قد يغشون وإذا غشوا فإن الزبون لا يعرف مكانهم حتى يشتكي عليهم، أما صاحب المحل الرسمي فلن يغش –غالبا- لأن محله معروف، وبإمكان الزبون أن يأخذ منه فاتورة لكي يضمن عدم غشه له.

الأطباء: احذروا دخان الحطب
ينطبق المثل المصري الشعبي "الحلو ما يكملش" على الحطب، فرغم فوائده في التدفئة واجتماع الأهل والأصدقاء إلا أن الأطباء يقولون إن دخان الحطب له سلبيات كثيرة ففي دراسة سابقة أجراها الدكتور فيصل القصيمي المحاضر في كلية الطب في جامعة الملك سعود حول المداومة على الاستدفاء بالحطب، وجد من خلال دراسته حالات كثيرة لتليفات في الرئة ناتجة عن استنشاق دخان الحطب الذي يستخدم في التدفئة، وهذه الحالات ناتجة عن استخدام الحطب لفترات طويلة، كما أثبتت دراسته وجود احتمال لحدوث تغيرات في الرئة والتهابات رئوية شديدة.
ويضاف إلى ذلك التسمم بأول أكسيد الكربون، وهو من الحالات الخطيرة جدا؛ لما ينجم عنها من نسبة عالية من الوفيات والمضاعفات العصبية والقلبية الوعائية المزمنة والخطيرة.
وتؤكد دراسة أجرتها مجموعة تطوير التقنية الوسيطة البريطانية أن الدخان المنبعث خلال عملية الطهي يقتل شخصا واحدا كل عشرين ثانية في الدول النامية
ويقول الطبيب موفق سعد الدين -إخصائي أمراض باطنية وصدرية في مستشفى الملك سعود للأمراض الصدرية- إن غاز أول أكسيد الكربون يتولد من الاحتراق غير الكامل للمواد الكربونية، وعليه فإنه ينبعث من أي لهب كالحطب المحترق كما تصدره عوادم السيارات التي تحتوي على نسب تراوح ما بين 3 و7 في المائة من هذا الغاز.

كيفية التسمم
ويؤكد سعد الدين أن غاز أول أكسيد الكربون مسؤول عن العديد من الوفيات سنوياً، وأكثر هذه الحالات حدوثاً يكون في فصل الشتاء؛ وذلك نتيجة التدفئة بالحرق المكشوف خاصة الحطب والفحم المحترقين في غرف مغلقة النوافذ والأبواب وقليلة التهوية. و يتسبب غاز أول أكسيد الكربون في وفاة أكثر ضحايا الحرائق وخاصة داخل الأبنية وقبل امتداد النيران إليهم.
ومن أهم مشاكل هذا الغاز – كما يقول سعد الدين- إنه سرعان ما يسبب حالة فقدان للقدرة على الحركة والنطق قبل حدوث حالة الغيبوبة التي تميز التسمم به والتي تستدعي نقل المريض بحالة إسعافية ومن ثم الوفاة بحيث لا تسمح للمصاب بإنقاذ نفسه. ويمثل سعد الدين على ذلك بالأعراض التي تظهر على قائدي السيارات لمدد طويلة, خاصة في فصل الشتاء عند غلق نوافذ السيارة وهي أعراض تتراوح بين ظهور علامات الإجهاد وعدم القدرة على التركيز والصداع مما ينجم عنه وقوع حوادث السيارات كل هذا بسبب تسرب غاز أول أكسيد الكربون من الوصلات غير المحكمة أو من خلال ثقوب في أنبوبة العادم إلى داخل السيارة حيث يتم حدوث التسمم بهذا الغاز.

أعراض التسمم
يقول إخصائي الأمراض الصدرية إن أعراض وعلامات التسمم بغاز أول أكسيد الكربون تعتمد على ثلاثة عوامل: تركيز الغاز في الهواء المستنشق ومدة التعرض للغاز والمجهود العضلي المبذول. وفي حالة ارتفاع نسبة هذه العوامل فإن المتعرض لها سيعاني من الإحساس بصداع نابض متوسط الشدة. فإذا زاد النشاط العضلي أو زادت مدة التعرض لنفس تركيز الغاز السابق في الهواء المستنشق ترتفع معه بالتالي نسبة غاز أول أكسيد الكربون في الدم لتصل إلى ما بين 30 و50 في المائة، وعند هذا الحد يشتد الشعور بالصداع المصحوب بالقلق والارتباك والإحساس بالدوار والخلل البصري مع شعور بالغثيان والقيء، و بعدها يحدث إغماء عند بذل أي مجهود عضلي. وبوصول تركيز غاز أول أكسيد الكربون إلى 1 في المائة في الهواء المستنشق، فإن الدم عندئذ سيحتوي على 50 إلى 80 في المائة من الكاربوكسي هيموجلوبين –وهو مادة تتكون نتيجة اتحاد أول أكسيد الكربون بهيموجلوبين الدم- مما يؤدي إلى حدوث الغيبوبة والاختلاجات والفشل التنفسي ومن ثم الوفاة.

معالجة التسمم
وعن الطرق الفعالة في معالجة المتسمم بأول أكسيد الكربون يقول سعد الدين إن معالجة التسمم بهذا الغاز تعتمد على تقديم التنفس الاصطناعي الفعال في وجود أكسجين تحت ضغط عال وفي غياب أي أثر لغاز أول أكسيد الكربون. وقد يكون لنقل الدم أو نقل كريات الدم الحمراء المركزة أثر فعال كخط علاجي في هذا المضمار. وينصح سعد الدين بإبقاء المريض في حالة سكون تام لتقليل احتياج الأنسجة للأكسجين، وبتبريد جسمه للمساهمة في تقليل الاحتياج إلى الأكسجين. ويضيف أنه بتقدم العلاج فإن أعراض التسمم تبدأ في الزوال تدريجياً، إلا أنه في حالة حدوث نقص مستمر وشديد في وصول الأكسجين للأنسجة قد تظهر أعراض عصبية كالرجفان والخلل العقلي ونقص الذاكرة. وقد تظهر تغيرات مجهرية لنقص الأكسجين على كل من أنسجة قشرة الدماغ وعضلة القلب وأعضاء أخرى.
ولتفادي كل ذلك يحذر إخصائي الأمراض الصدرية من استخدام الحطب والفحم في المنازل بغرض التدفئة، وإذا كان لابد منه فيجب فتح الأبواب والنوافذ حتى تسمح بمرور التيار الهوائي، حتى لا يحدث الاختناق ولاسيما وقت الخلود إلى النوم.

الأكثر قراءة