هدايا الحجاج تحمل معاني أسمى من قيمتها الشرائية

هدايا الحجاج تحمل معاني أسمى من قيمتها الشرائية

تخال نفسك وأنت تتجول في الأسواق التي تقام في المشاعر المقدسة قبيل عودة الحجاج إلى بلدانهم وكأنك في سوق عكاظ الشهير، غير أنك لن تسمع يقيناً مساجلات الشعراء ومناظرات الأدباء بل ستصم أذنيك ضجيج المتسوقين وأصوات الباعة التي تتعالى للفت أنظار المتبضعين، حيث تنشأ في مثل هذه الأيام في العاصمة المقدسة أسواق وأسواق وتغلق طرقات وتسد شوارع بفعل الحجم الهائل لضيوف الرحمن الذين يسابقون الزمن بالعودة إلى أحبابهم بهدايا تحمل في ثناياها معتقدا سرى بين الأغلبية، حيث يعتقد البعض أنها هدايا مميزة لا لسعرها، وإنما لمعناها الكبير في نفوس من يشترونها ومن تهدى إليهم لاعتقادهم أنها هدايا تحمل معنى البركة لأنها من أراض مقدسة.
وهذه الظاهرة تتكرر سنوياً بتكرار المناسبة ومعها تظهر ظواهر ومشاهد لا تخلو من السلبيات كما لا يغيب عنها الإيجاب وأيضاً لا تتأثر كثيراً بمستوى الإقبال والعزوف من قبل محبي إتيان هذه العادة وفقاً لقدرات وإمكانيات هذه الفئة أو تلك. وتكون الأسواق القريبة من الحرم أكبر الأسواق في العاصمة رواجاً لبيع الهدايا.
وتتنوع الهدايا التي تعرض أمام الزبائن لتراعي جميع الأذواق، التي تختلف من شخص إلى آخر، إلا أن أكثر المشتريات رواجا هي سجاد الصلاة والسبح والخواتم والمساويك وبعض الأعشاب، التي لا تنمو إلا في مكة المكرمة وبعض المصنوعات المحلية الحجازية على وجه الخصوص، إضافة إلى أن البعض يقوم بإهداء ماء زمزم لبركته.
وليس المهم قيمة ما يشتريه الحاج من هدايا يعود بها إلى ذويه وأصدقائه، حيث إن أغلبها لا تزيد قيمته على عشرة ريالات، بل المهم أنها تأتي من مكة المكرمة ومن جوار المسجد الحرام، حتى لو كانت رديئة الصنع. وفي السياق ذاته تزدحم المحلات المحيطة بالمسجد الحرام بجموع الحجاج، الذين بدأوا اقتناء الهدايا حتى قبل إتمام أركان الحج.
"الاقتصادية"رصدت هذه الأجواء، حيث تعرض المحال السبح والخواتم والتحف وأنواعا أخرى من الإكسسوارات النسائية، ويقول محمود الحاج وهو حاج تونسي، إنه اشترى سبحا جميلة وخاصة تلك المصنوعة من الخشب التي يفضلها التوانسة على وجه الخصوص لأنهم تعودوا على اقتنائها من جيل إلى آخر، ولكن السبح هذه تختلف عن جميع السبح الموجودة في العالم لأنها مشتراة من أماكن مقدسة تحمل القدسية والبركة إلى الشخص المهداة له، لذلك نحن نحس بقيمة هذا المعنى والإحساس الجميل. وفي زاوية أخرى من المحل يقف حاج مسن يمعن النظر في الكثير من المعروضات ولسان حاله يقول من أي هذه الأنواع اشتري وأيها أنسب للشخص الذي سأهديها له.
وفي محل آخر لفت النظر إقبال عدد من السيدات العربيات على محل للعطارة حيث اقتربنا من المحل، لنعرف ما سبب هذه الجمعة وفوجئنا بسؤال إحداهن البائع بقولها أعطنا عشبة "نفسة مريم" مما جعلنا نتداخل ونستفسر من البائع عن هذه العشبة ليجاوبنا بقوله هذه العشبة لا تنبت إلا في مكة المكرمة وهي عشبة نفيسة لما لها من دور كبير في تسهيل عملية الولادة لدى النساء، مما يجعل القادمين إلى مكة يستغلون فرصة وجودهم للحصول على العشبة.
من جهة أخرى قال سلطان الفيفي أحد الباعة في السوق إن الحاج الواحد يشتري كميات كبيرة من الهدايا قد يتجاوز متوسط حجم ما يحمله منها ثمانية كيلو جرامات، حسب رغبة الحاج لحرصه على أن يحمل الهدايا لجميع ذويه. في المقابل لم يخف الفيفي ارتياحه للرواج الاستثنائي لتجارته في موسم الحج الذي يبيع خلاله أكثر مما يبيع في باقي العام. مشاهد وصور يرسمها ضيوف الرحمن في المشاعر المقدسة قد لا تخلو من الغرابة أحيانا والطرافة أحيانا أخرى، على الرغم من وجود بعض السلبيات لكنها في النهاية تصور موقفا عظيما في أكبر تجمع إسلامي في العالم.

الأكثر قراءة