الحجاج يبدأون التوافد إلى المدينة.. ومكة يسودها الهدوء

الحجاج يبدأون التوافد إلى المدينة.. ومكة يسودها الهدوء

توجه الحجاج المتأخرون إلى المدينة المنورة أمس، لزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة في المسجد النبوي الشريف، وذلك بعد أن أتموا نسكهم بطواف الوداع في الحرم المكي الشريف، وبلغوا المرام بلقيا سيد الخلق محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.
غادر الحجاج مكة في أجواء تسودها الطمأنينة والأمان بفضل الله أولا ثم بفضل الجهود الجبارة التي بذلتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده وبمتابعة من الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، في سبيل توفير الراحة لحجاج بيت الله ليتسنى لهم تأدية النسك في أجواء روحانية ونفحات إيمانية.
وكان الحجاج المتأخرون في الرمي، قد غادروا منى أمس الأول متوجهين إلى مكة المكرمة، بعد أن رموا الجمار في انسيابية كبيرة، دون وقوع حوادث تذكر، حيث فتحت مكة المكرمة أبوابها لحجاج بيت الله الحرام وهم يرفعون أكف الضراعة إلى الله بأن يتقبل حجهم وأن يعودوا إلى أوطانهم سالمين وأن يحفظ الله هذه البلاد ويديم عليها أمنها وقيادتها الحكيمة.
مكة المكرمة تودع ثلاثة ملايين حاج، ارتبطت صورة الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة بأذهانهم، وعاشوها لحظة بلحظة، هاهي جموع الحجيج تشد الرحال وتحزم الحقائب استعدادا للرحيل على أمل العودة مجددا في أعوام مقبلة، ليتكرر المشهد ويلتقي الأحبة في أرض النور والرسالات، مهبط الوحي وقبلة المسلمين، وتتجسد أصدق معاني اللحمة والإخاء التي تميز المسلمين وتنبع من تعاليم هذا الدين العظيم. إن أصعب اللحظات هي لحظات الفراق والوداع لمكان طالما عاش في الوجدان، واحتوى وهج المشاعر الإيمانية، وعبر عن مكنون الضمائر وما تتطلع إليه من قبول عند الله وخير في الدنيا والآخرة، فمكة المكرمة بالنسبة للمسلمين ليست مجرد مكان لأداء النسك فحسب، وإنما هي مصدر إلهام عظيم مرتبط بدين قويم ورسالة سامية، تلك التي جاء بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مبشرا وهاديا للإنسانية جمعاء. مكة تمثل ذكرى المكان وقدسية الحاضر وأمل المستقبل بأن يجمع الله المسلمين على كلمة واحدة، وفق منهجه الإلهي
لينتصروا على كل الشرور المحيقة بهم. الوداع يا مكة المكرمة، يقولها الحجيج وقد فاضت أعينهم بالدموع، وبحت حناجرهم بالعبرات لفراق البيت العتيق ولكنهم في الوقت ذاته فرحون بما من الله عليهم من فضل عظيم بإتمام النسك والولادة من جديد، ويحدوهم الأمل في عود قريب ومشهد جديد يرسم البسمة مجددا على محياهم.
لقد كان الحج ولا يزال رسالة ذات مغزى إلهي، تجتمع فيه الكلمة والصوت الواحد، تلهج فيه ألسنة المؤمنين بالتهليل والتكبير، معبرين عن وحدة الصف والعقيدة والهدف، بما ينم عن قوة الرسالة المحمدية ذات التشريع الإلهي الراسخ، واحترام هذه الرسالة للإنسانية بمفهومها الشامل جسدا وروحا، وهذا ديدن المؤمنين ومنهجهم في التآزر والتراحم والتعاطف ومواجهة التحديات معا كالجسد الواحد.
وفي المدينة المنورة يتكرر المشهد الإيماني بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يجتمع المسلمون في المسجد النبوي ليؤدوا الصلوات ويقرأوا القرآن ويدعوا الله بأن يقضي عنهم حوائجهم وأن يبلغهم خيري الدنيا والآخرة. ثم ما يلبثون أن يرحلوا مخلفين وراءهم عملا خالصا لله وحده وذكرى رحلة إيمانية عظيمة لا تنسى.

الأكثر قراءة