قصاصات التوصية.. أصدقاء "يمونون" وشعراء لا يفقهون
لعل كثرة المطبوعات التي تعنى بالشعر المحكي أسهمت في ارتفاع نسبة النتاج المنحصر في هذا اللون، وبات الكثير من الشباب وغيرهم من "الشياب" يبحث عن وسائل ينشر من خلالها نتاجه الشعري، ولكن: لا يخفى على أي متابع أن بعض تلك المطبوعات تحولت لأماكن تُدار فيها المصالح، ويتم فيها تحويل المادة الأدبية لسلعة رخيصة، والدليل على ذلك ما سمي في مطبوعات الشعر المحكي بـ "الاحتكار"، أي أن كل مطبوعة تحتكر مجموعة من الشعراء وتكثف لهم الحضور ومن ثم تصدرهم لباقي المطبوعات، ومع وجود هذا التنظيم وجد الكثير من الشعراء "غير المحتكرين" أنفسهم خارج "اللعبة" وبات البعض يبحث عن "واسطة" و"توصية" كي يتم نشر قصائده.
وعليه حاولنا أن نسلط الضوء أكثر على هذه القضية من خلال التقاء بعض "صناع القرار" في ساحة الشعر "الشعبي"، وقد بادرناهم بالسؤال: "ماذا لو وصلتك قصيدة مرفق بها قصاصة من شخص تعرفه، وقد كتب عليها أرجو نشر هذه القصيدة، لأن شاعرها يهمني، ما موقفك وقتها؟"، وتوجهنا بداية إلى سعود السمران نائب رئيس تحرير مجلة "المها"، والذي أجاب: إذا كانت القصيدة "غير جيدة"، فلن أنشرها، لأنني بهذا التصرف أكون قد قدمت بضاعة مغشوشة للقارئ، وهذه إساءة للناشر والمطبوعة ولقرائها.
أما إذا كانت القصيدة "جيدة"، فلن أنشرها أيضا، لأن الشاعر الذي يبحث عن "واسطة" لنشر قصائده هو شاعر لا يملك الثقة بنفسه ولا بقصيدته، فبالتالي لا يستحق النشر له، وباختصار شديد لن أنشر أي قصيدة عن طريق التوصيات.
أما عبد الله حمير القحطاني رئيس مجلس إدارة مجلة "ليلة خميس" فأجاب: سأتعامل معها بشكل طبيعي جدا، لأن الواسطة أو الشفاعة يتعاطاها أغلب البشر وكل المؤسسات، لذا سأنشر القصيدة، ولكني عندها لن أتنازل عن معايير الجودة أبدا، بمعنى أن نشر القصيدة قد يكون في صفحة كاملة، وربما توضع في الصفحات المخصصة للقراء إذا كانت متواضعة الجودة، أما إذا كانت غير جيدة، فسوف أعتذر من صديقي صاحب القصاصة من دون شك، وذلك لأنني هنا "كالسباك" تماما، حيث إن المؤسسة التي أديرها وأملكها، هي مصدر قوتي وقوت أبنائي، مما يحتم علي الاهتمام المزدوج بالرسالة الأدبية الراقية و"البزنس" لأقدم ما يرضي ذائقة الشعراء وذائقة الزبون.
أما الشاعر هاني الظاهري رئيس مجلس إدارة مجلتي "شعبية" و"قضايا" فأجاب قائلا: سأتعامل مع هذه القصيدة كتعاملي مع القصائد التي تصلني عبر البريد، حتى لو كانت التوصية من والدي، رحمه الله، أما ما يخص الأصدقاء والتحرج منهم، فإن جميع أصدقائي يعلمون جيدا أنني لا أتعامل بهذه القصاصات، لذا نادرا ما أشاهدها في مجلتي.
أما الشاعر والكاتب عبد الله الفلاح، مسؤول ملف الشعر في جريدة "الأنباء" سابقا، فكانت له رؤية وازنت بين جميع المصالح، حيث قال: بداية يجب أن أوضح أمرين، الأول أن المجاملة موجودة لا محالة، أما الأمر الثاني فيتعلق بمصدر التوصية، حيث إن هذه القصاصة إذا كانت من شاعر أثق بذائقته فإن نظرتي لهذه القصاصة ستختلف دون شك، فتوصية من مسفر الدوسري مثلا تختصر نصف الطريق للنشر، وما تبقى يخضع لنظرتي وتقييمي الشخصي، أما إذا كانت التوصية على قصيدة "تافهة" فلن أجامل شخصا واحدا، وأخسر أربعين ألف قارئ مثلا، كما أني لم أندم على "زعل" أي شخص أراد أن يجعلني أجامل في الشعر، من خلال شعر رديء وغير جيد.
وبهذا نصل عزيزي القارئ لرؤية واضحة أن هناك من يغلّب مصالحه على القيمة الأدبية التي يفترض أن تكون أساس عمله الصحافي المنبثق منه الطرح الأدبي، وهناك من يوازن بين مصالحه وبين المعايير الأساسية للطرح الأدبي من خلال احترام ذائقة المتلقي، وهناك مَن يرفض تماما "القصاصات" والشفاعات.