احتجاب البدر عن محبيه.. جزئي أم كلي؟!

احتجاب البدر عن محبيه.. جزئي أم كلي؟!

عندما يقرر شاعر بحجم الأمير بدر بن عبد المحسن الرحيل والامتناع عن الظهور، فتلك لا شك خسارة للشاعر والمتلقي، لكن ما يقتل المتلهف هنا أن يقول البدر: "سأترك قبل أن أترك"!، فإن كان الأمير بدر بن عبد المحسن وهو البدر الذي أنار ليل الشعر لسنوات، وكان ملهما بقصائده وسيرته لآلاف الشعراء، وأنموذجا شعريا عاليا، يخشى أن يُترك، فما عسى بقية الشعراء أن يقولوا، بعد أن فجرها البدر؟ وماذا عن محبيه الذين كانوا يرقبون الحرف قبل القصيدة منه، ويسهرون الليالي في ترديدها؟
كانت تلك النقاط هي نتاج الحوار الذي ظهر فيه البدر بعد انقطاع طويل من خلال اللقاء الذي أجري معه في مجلة "المجلة"، لكن فرحة القارئ بهذه "العيدية" لم تدم طويلا، كيف لا وهو يستمع لشاعره الأول ونجمه الأوحد يتحدث عن تعمده اعتزال النشر والظهور، إذ يقول: "سأترك قبل أن أترك" في إجابته على سؤال للزميل سعد المحارب حول سبب انقطاعه عن الساحة الشعبية، وما يدعونا للدهشة هو مشاهدتنا لتلك الغيمة من الحزن التي كانت تلقي بظلالها على شاعرنا، حيث يستحضر صورة مؤلمة من ذاكرته عما يخشى أن يؤول إليه الحال عندما يقول: "وأتذكر كيف رأيت في مصر الشاعر الكبير أحمد رامي قبل وفاته بسنة أو سنتين حيث كان مكتئبا، مغلقا عليه بابه ومعتزلا ومنسيا، بعد أن أفنى حياته في الشعر، وسبق أن رأيته قبلها بسنوات مرحا ومتوهجا"، فهل يخشى البدر مصيرا كمصير أحمد رامي؟
اللقاء الذي احتل من مجلة "المجلة" ست صفحات كاملة، تحدث فيها البدر عن بداياته والذكريات المرتبطة بها، بداية من حي الفوطة وذكريات المنزل الذي ولد فيه، مرورا بسنة كاملة في مكة، وحتى الاستقرار في "كيلو أربعة" في جدة حيث انطلقت شرارة الإبداع للشاب ذي الـ14 ربيعا، فبين والد شاعر ووالدة تكتب القصص وشقيقة تكتب الشعر الفصيح، تحدث البدر عن دور البيئة المنزلية في بذر وتحفيز مواهبه الشعرية والفنية، لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن السمات التي تميزه كإنسان، والسمات التي ميزت شعره من توظيف للصورة المكتسبة من تنوع البيئات التي تسكن الشاعر ويسكنها، ليقود اللقاء نفسه إلى الحديث عن الأوبريت وقصة كتابة البدر لأوبريت "نهاية احتلال الكويت" أوبريت "المئوية"، وبسؤال البدر عن مساهمته في التاريخ للشعر العامي، تحدث طويلا عن أدوات توصيل الشعور التي لا تعدو كونها وسائل، ليلقي الضوء على مشروع "دار الشعر" وملابساته، والنقاد والشعر العامي وشؤون ثقافية وسياسية متنوعة، شملت أحداث العراق والتطرف الديني والرواية ومركز الحوار الوطني، تنقل البدر بينها مدليا بدلوه المملوء بثقافته العذبة ورؤيته التي صنعتها سنوات من القراءة والصقل، للقلب والعقل، ولأننا نتحدث عن البدر ومعه، فإن لقاء في ست صفحات معه، يستحيل تلخيصه أو فذلكته.

الأكثر قراءة