القومية والعالمية: مناقشة الإسقاطات المستقبلية
تشكلت مؤسسات وهياكل العولمة المعاصرة والدولة القومية المعاصرة عبر عمليات متزامنة وكان لكل منها أثره على تغير الآخر. يتعارض هذا القول مع من يتعاملون مع القومية والعالمية على أساس أنهما نتيجتان متناقضتان لعهدين متتاليين. كذلك يتعارض هذا القول مع مَن يقصرون تعريف العولمة على أنها تقلل من دور الدولة القومية، إلا أن الأمر يحتاج إلى المزيد من المناقشة.
والواقع أنه منذ ظهور الدولة القومية في القرن التاسع عشر كجزء من نظام عولمة الدول، ظل هنالك دائما توتر بين الممارسات والأيديولوجيات لكل من العالمية والقومية واللتين تبدوان متناقضتين. تزايدت حدة هذه التوترات في القرن الحالي وعبر عنها الكثير من الكتاب من كلا التيارين اليميني واليساري، معلنين أن العولمة تؤدي إلى تصاعد موجة عارمة من التغيير مخلفة الدولة القومية في أعقابها.
على الرغم من الكم الهائل من التغيير، إلا أنه صار واضحا الآن أكثر مما مضى أن العولمة لن تغرق كل شيء في طريقها. مما لا شك فيه أن عمليات العولمة قد تتسبب في تقليل قوة الأشكال المعاصرة من سيادة الدولة القومية، ولكن هذه النتيجة ليست حتمية بالضرورة، وليست مفروضة لا بالمنطق ولا بالتفاصيل اليومية التي توضح كيف تعمل السلطة حول العالم.
يتناول الكتاب في البداية مشكلة ما يحدث للدولة القومية في ظل ظروف العولمة والاستجابات المتوقعة من الناس حيال هذه التغيرات، حيث شهد العصر الحالي إحياء للقومية واستعادة النشاط للحركات التي تنبع من داخل الشعوب من القبلية الجديدة والأشكال الجديدة للنزعات التقليدية إلى حركات معاداة العولمة والأشكال الجديدة للسياسات الشعبية.
يشير هذا إلى الحاجة إلى أسلوب مختلف تماما في التعامل، مختلف عما يحدث في العالم الذي يعج بالتيارات المختلفة، وكما يقترح البعض ربما يشير هذا إلى الحاجة إلى مجتمع الشبكات الاجتماعية التي تشجع عليه التكنولوجيا الحديثة. إلا أن المدى الذي تصل إليه حالة الفوضى يمكن أن يكون مبالغا فيه. فبعض الكتاب يؤكدون أن عالم ما بعد الحداثة أصبح شديد التفتت دون أن يكون لديهم تسجيل لمستوى التفتت الذي يحدث أو مستوى إعادة الاندماج الذي يحدث حاليا.
لا يمكن تفسير العولمة على أنها مجرد عملية من الفوضى أو التفتت أو التمزق، وعلى الجانب الآخر لا يمكن كذلك أن نفهمها على أنها قوة التجانس التي تجمع شعوب العالم كله. يقودنا هذا إلى المشكلة الثانية التي يتناولها الكتاب، وهي أن العالمية تبشر بعهد جديد من عولمة الشركات، ولكنها في الوقت ذاته تضع أساسا جديدا للتحديد الرافض لها والتعبئة ضدها. فمثلما أدى الاستعمار التقليدي إلى ظهور الحركات المعادية للاستعمار والقوميات الرافضة للاستعمار، تؤدي إمبراطورية العولمة الجديدة إلى وضع إطار جديد للتعبئة ضدها.