عام على جولة الملك في شرق آسيا.. توافق في السياسة وشراكة في الاقتصاد
مضى عام على أول جولة خارجية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ أن تسلم مقاليد الحكم في البلاد. وكانت بداية الجولة في أواخر يناير ومن الصين حيث إنطلقت الجولة من العاصمة بكين، ثم نيودلهي لتستمر إلى كوالالمبور وتتواصل إلى إسلام أباد في مطلع فبراير وإلتقى خلالها خادم الحرمين الشريفين بالقيادات الصينية والهندية والماليزية والباكستانية.
الجولة .. التوقيت والأهداف
وتبرز أهمية هذه الجولة في أنها جاءت ضمن أولى الزيارات الرسمية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد، في إشارة واضحة على رغبة الرياض وحرصها البالغ على تنمية علاقات الصداقة والتعاون مع مجموعة من الدول المؤثرة على الساحة العالمية من شرق الكرة الأرضية وهي بكين، ونيودلهي، وكوالالمبور، وإسلام أباد. وخلال هذا العام، شهدت علاقات المملكة مع هذه الدول تطورا كبيرا في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، حتى أن المملكة أصبحت أكبر شريك تجاري لبعض هذه البلدان. كما أعطت جولة خادم الحرمين الشريفين دفعة قوية للعلاقات مع هذه الدول وأيضا في دفع التعاون المشترك في مختلف القطاعات. كما استهدفت الجولة تطوير العلاقـات متعددة الأوجه والجوانب بين مع تلك البلدان والحرص على تكثيف الزيارات مع دول شرق آسيا.
الجولة .. التوافق
وأظهرت المباحثات واللقاءات في البلدان الأربعة توافق في الرؤا حيال القضايا الدولية محط اهتمام العواصم الخمسة، الرياض وبكين ونيودلهي وكوالالمبور وإسلام أباد. وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وعوامل استقرار منطقة الشرق الأوسط وتطوير أبعاد العلاقات الثنائية سياسيا واقتصاديا وأمنيا واستراتيجيا. ففي العاصمة الصينية بكين، أولى محطات خادم الحرمين الشريفين، قال الملك عبد الله "نحن لا نكن للصين إلا كل خير ومحبة وصداقة وإن شاء الله الأمور السياسية والاقتصادية ستسير على مستوى عال وهذا ما أتمناه ويتمناه الأصدقاء في الصين. نحن نحترم الصين والشعب الصيني لأننا نعتبره من الأصدقاء الأعزاء، متمنيا في ختام كلمته أن تزداد العلاقات بين البلدين قوة ومتانة عما كانت عليه في الماضي". وجاءه الجواب الصيني محملا بأعلى التقدير حينما قال الرئيس الصيني هو جينتاو "يا خادم الحرمين الشريفين باسم الأمة الصينية يسرنا كل السرور أن نستقبلكم في بكين. أولا باسم حكومة الصين وشعبها أرحب كل الترحيب بكم في هذه الزيارة, أنتم صديق معروف ومحترم لدى الشعب الصيني ولكم يد بيضاء لدفع تطور العلاقات بين الصين والسعودية، كما أقدر لكم جهودكم الحميدة". و في الهند، فق وقع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والدكتور مانموهان سينغ رئيس وزراء الهند في قصر حيدر أباد في نيودلهي إعلان نيودلهي بمناسبة اختتام الزيارة. والتوقيع على البيان بحد ذاته كان إشارة واضحة على حرص الرياض على علاقاتها مع الهند. وأوضح الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن هذا هو أول إعلان مشترك من نوعه يوقعه ملك للسعودية مع أي دولة. وأكد البيان بأن هذه الزيارة "تنبئ عن تحول جديد في العلاقات الهندية - السعودية وتشكل معلما لتنمية التفاهم وتعزيز التعاون والشراكة في إطار المصلحة المشتركة بين البلدين، وانعكاسا لنظرة القيادتين الاستراتيجية الواسعة والعزم على العمل سويا عن قرب لرفاهية ومصلحة شعبيهما ولخدمة السلام والاستقرار في المنطقة وفي العالم". وهذا النظرة الايجابية للعلاقات بين البلدين، أوضحها الرئيس الهندي أبوبكر زين العابدين أبو الكلام عندما قال في حفل عشاء على شرف خادم الحرمين الشريفين "إنه لشرف لنا اختياركم الهند كإحدى الدول الأولى في زيارتكم بعد توليكم حكم المملكة العربية السعودية. وقد مضى نحو 50 عاما منذ زيارة ملك سعودي إلى الهند, وإنه لشرف لنا أن تكونوا بيننا الليلة. إن هذه الزيارة تبين مدى أهمية الهند لديكم وحبكم لها. وكانت زيارتكم منتظرة منذ وقت طويل وتكتسب أهمية في إطار التغيرات البعيدة المدى التي تحدث في العالم والمنطقة, كما تشير إلى حافز جديد لحوارنا السياسي وشراكتنا الاقتصادية." وأضاف خادم الحرمين "إنني آمل أن تمثل هذه الزيارة خطوة نحو تطوير علاقتنا الثنائية وتقويتها, إن هذه العلاقة تزداد اليوم عمقا مع زيادة التبادل التجاري والاستثماري بيننا ومع التعاون الوثيق في ميدان الطاقة, خاصة فيما يتعلق بضمان الإيرادات التي يحتاج إليها الاقتصادي الهندي".
أما في ماليزيا، فقد كانت الحفاوة بخادم الحرمين الشريفين لا تقل عن الحفاوة التي وجدها في بكين ونيودلهي. فقد أوضح رئيس الوزراء الماليزي عبد الله أحمد بدوي في كلمة له "إن زيارتكم مناسبة مهمة جدا لماليزيا. وهي في الحقيقة أمر بالغ الأهمية في العلاقات الثنائية بين ماليزيا والسعودية. وبالطبع جلالتكم زار ماليزيا عندما ترأستم الوفد السعودي لاجتماع قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في بوتراجايا عام 2003. ولكن مضى 35 عاما منذ أن تشرفت ماليزيا باستضافة ملك سعودي في زيارة دولة، فالملك الراحل فيصل زار ماليزيا في عهد رئيس الوزراء تنكو عبد الرحمن". وجدد بدوي التأكيد "على أن ماليزيا تضع جهودا عظيمة في تقوية علاقات التجارة الثنائية مع السعودية".
وفي باكستان، كانت حرارة الاستقبال الرسمي والشعبي واضحة في خروج الرئيس برويز مشرف ورئيس الوزراء شوكت عزيز وجماهير غفيرة من المواطنين لاستقبال خادم الحرمين الشريفين في المطار. وأكدت القيادتان في مباحثاتهما على أن الإرهاب يعتبر آفة تهدد البشرية جمعاء وعلى الحاجة إلى تكثيف وتنسيق التعاون الثنائي والإقليمي والدولي لمكافحته واجتثاثه من جذوره.
كما اتفقا على تكثيف التعاون لمحاربة الإرهاب والجرائم الدولية الأخرى مثل غسل الأموال وتهريب المخدرات والأسلحة على نحو حثيث وشامل.
الجولة.. الثمار:
وتم في الصين التوقيع على خمس اتفاقيات بين الرياض وبكين في مجال التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي وقطاع التعدين وتجنب الازدواج الضريبي على الإيرادات والممتلكات ومنع التسرب الضريبي واتفاقية قرض سوف يستخدم لتطوير البنية الأساسية لمدينة أكسو بمنطقة شنجان واتفاقية بين وزارة التعليم الصينية والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني للتعاون في مجال التدريب المهني. كما وقع رجال الأعمال من كلا البلدين على وثيقة إنشاء مجلس أعمال صيني ـ سعودي مشترك.
و في الهند، وقع البلدان على مذكرة أمنية و3 اتفاقيات اقتصادية و22 مشروعاً استثماريا تتضمن مشاريع صناعية وتجارية وعقارية واستشارية راوحت أقيامها بين 10 و150 مليون دولار أمريكي. وقد أكد خادم الحرمين الشريفين أهمية اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار، وتفادي الازدواجية الضريبية. وقال "لا شك أنه سيكون للاتفاقيتين أثر إيجابي على زيادة الاستثمارات، وتقوية العلاقات الثنائية". وقال رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ "إنه يوجد اليوم ما يقارب من 49 مشروعا هنديا وسعوديا مشتركا في الهند، وكذلك موافقة الحكومة السعودية على 82 مشروعا هنديا في السعودية, وحجم الاستثمارات المطلوبة في قطاعي الطاقة والاتصالات في بلاده، يقدر بأكثر من 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة".
وهذه الاتفاقيات جاءت على هامش الملتقى الأول لرجال الأعمال السعودي ـ الهندي الذي عقد في العاصمة الهندية نيودلهي وافتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وشهده أكثر من 250 من رجال الأعمال الهنود، وأبرز المشاريع التي انبثقت عن الملتقى مشروع الشركة السعودية الهندية القابضة المتخصصة في تشجيع الاستثمار المشترك من الشركات الهندية في السوق السعودية. ويرى العديد من المراقبين أن هذه الشركة في حال دخولها مرحلة العمل الفعلي، ستخدم قطاع الأعمال في السعودية عن طريق توفير الاستشارات الفنية والإدارية, وكذلك تقديم الدراسات الاقتصادية، إضافة إلى الخدمات التسويقية, والمشاركة في إقامة المشاريع الصناعية والتجارية التي تتميز بها السوق السعودية. كما تم بحضور خادم الحرمين الشريفين ورئيس الوزراء الهندي التوقيع على أربع اتفاقيات بين البلدين في مجال مكافحة الجرائم، وتشجيع وحماية و تعتبر المملكة أكبر ممول للهند بالنفط، بينما تعتبر الهند من أكبر الدول المصدرة للعمالة الجيدة والماهرة إلى المملكة وذلك خلال السنوات الماضية، في حين يقدر عدد العاملين الهنود في المملكة بنحو مليون ونصف المليون شخص.
كما أن حجم التبادل التجاري بين الهند السعودية يشهد نمواً كبيراً وتعتبر الهند رابع أضخم شريك تجاري مع السعودية وقد بلغ التبادل التجاري بين الطرفين خلال عام2004 نحو 6.7 مليار دولار.
وفي ماليزيا، أبرمت الرياض و كوالالمبور سبع اتفاقيات, اثنتان منها برعاية الحكومة وتتعلقان بالإعفاء من الازدواج الضريبي والتعاون في التعليم العالي, في حين تخص الخمس الأخرى القطاع الخاص بين البلدين.وفي باكستان، عززت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العلاقات الثنائية في مجال التجارة والاستثمار من خلال التوقيع على خمس اتفاقيات ثنائية بين البلدين شاملة مذكرة التفاهم حول المشاورات السياسية وتفادي الازدواج الضريبي والتعاون في مجال العلوم والتقنية وبرنامج التعاون في مجال التعليم الفني والتدريب المهني. وتعد المملكة أيضا اكبر ممول نفطي لباكستان فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين لعام 2005 نحو 2.8 مليار دولار، بينما بلغت الاستثمارات السعودية في باكستان في نفس الفترة 275 مليون دولار. ثمار جولة خادم الحرمين الشريفين على العواصم الرئيسية في شرق آسيا لم تنتهي بانتهاء زيارة كل عاصمة، بل كانت الجولة بداية حصد الرياض وبكين ونيودلهي وكوالالمبور وإسلام أباد لثمار التعاون الثنائي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. وكما أكدت الجولة على حرص المملكة على علاقاتها مع هذه الدول، بدورها أكدت هذه الدول على حرصها على علاقاتها مع المملكة لتستقبل الرياض زعماء ثلاث من هذه الدول ومسؤولين رفيعي المستوى من الدول الأربع لتتواصل مسيرة التوافق السياسي والشراكة الاقتصادية بين الرياض والشرق.