شاعر المليون.. منافسة لبعث القبيلة من جديد والمكسب بـ"الملايين"
لا يمكن سوى الاعتراف من جانب المنتقدين أو المادحين بالنجاح الجماهيري الهائل الذي حققه برنامج "شاعر المليون"، وتبثه قناة أبو ظبي الفضائية، والذي يكفي أنه ألغى من اهتمامات الشبان - الخليجيون على الأقل - ذلك الصدى المتردد سنويا لثلاث مرات على الأقل في مثل هذه المواسم لبرامج من طراز "ستار أكاديمي"، والتي تشكي في هذه الأثناء ضعف الإقبال الجماهيري وانعدام الجدل الإعلامي عليها، ولا ينكر أحد من المتابعين أن الفضل في ذلك يعود مع أثر التقادم لتلك البرامج "اليرقات" التي غدت في لحظات حشرات مكتملة النمو زاهية الألوان تغري بالجمال لتنتهي في لحظات أخرى لبقايا كائن, إضافة إلى وجود برامج تغرف من كنز التراث لتزرع في أرضية صلبة ما عجز الآخرون عن صنعه على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
وفي ساحل الخليج العربي على شاطئ الراحة يقف برنامج "شاعر المليون" شاهدا مهما على نهم المجتمع الخليجي إلى ثقافته الحقيقية، بعيدا عن تلك الثقافات المعززة بعناصر جذب يقودها الإغراء المادي والحسي، غير أن البرنامج الذي لا يمكن القول إلا إنه نجح بامتياز قياسا بمدى المتابعة، وهو العنصر الأبرز إن لم يكن الأوحد في قياس نجاح عمل إعلامي على قناة فضائية، إلا أن ذلك ترافق مع جدل حول عيوب عديدة احتواها البرنامج برأي العديد من المتابعين.
تلك العيوب قد تكون حالة أفرزها البرنامج وقد تكون في الوقت ذاته أمورا مختفية إلا أن ما ساعد في إظهارها بشكل لافت المتابعة الكبيرة من المجتمع الخليجي، ومن ذلك أن البرنامج أفرز تعصبا كبيرا للقبلية، ولكن المدافعين عن البرنامج يؤكدون أن هذا الأمر لم يخلقه البرنامج، ولكنه فضحها كاشفا سوءاتها في عدم اعتماد المنطق والحياد والعدل في قرارات الترجيح التي تعود في الأصل إلى التصويت أو حتى تلك المشاحنات الدائرة على طول خط الشات "أسفل الشاشة" لأفراد تعصبوا للقبيلة، فكالوا الشتائم لأخرى.
"ربط الشوش" وهو مثل يحكي ربط شعر الرأس لفردين ببعضهما، ولا يجدان بدا حينها من التعارك، هو أقسى ما يقال عن فكرة برنامج من هذا النوع، ويتزعم هذا القول الناقد والإعلامي عبد الرحمن اللويحق الذي يصر على أن برامج كهذه تؤسس لعصبية كاد المجتمع أن ينساها.
ولا يتفق البعض الآخر مع هذا الطرح باعتبار أحدهما "المواطنة" يغني عن الآخر"القبلية"، فيما يعتبرونها من جانبهم دوائر تكمل بعضها بعضا من دائرة أصغر هي الأسرة إلى الأكبر وهي الأمة "الوطن" مرورا بالقبيلة، حتى وإن تداخلت تلك الدوائر كما في حالة الشاعر العصيمي من العراق، الذي حصد أصواتا سعودية أعلى من زملاءه السعوديين، وإن كان الشاعر هلال بن سرور شقيق الشاعر السعودي محمد عوض بن سرور يؤكد لـ "الاقتصادية" وجود أخطاء مركبة في آلية احتساب الأصوات سمحت للمتسابق العراقي بالفوز.
ذلك السقوط في فخ التعصب كانت اللجنة تصده حينا وتتغاضى عنه أحيانا أخرى، باعتباره فخرا يميز الشخصية العربية وفقا لما يشير الدكتور غسان الحسن العضو الأردني والأكاديمي الوحيد في اللجنة، وذلك في معرض تعليقاته على المتسابقين، غير أنه يشير بنوع من الامتعاض إلى عيب آخر أفرزه البرنامج يتعلق بمعلقات المدائح التي ما انفك العرب يحبكونها من عصر الجاهلية، وطالت قصائد معظم المتسابقين حتى قال عنها سلطان العميمي العضو الإماراتي في اللجنة مرة "المدائح يستحقها أصحابها غير أن أحدا لا يستحق أن تشكك في إسلاميتك وقوميتك عندما لا تمدحه".