الشعراء قبل الإغواء.. أين ترميهم قصائدهم بعد الانتهاء من كتابتها؟

الشعراء قبل الإغواء.. أين ترميهم قصائدهم بعد الانتهاء من كتابتها؟

الشعر كمدخل رائع للتعاطي الفكري، إذ إنه مرتبط حتما بمشاهد كثيرة قد يخرج بعضها عن النص كدائرة ملتفة حول مجموعة من الصور والمعاني والإسقاطات، تقفز من خلالها للقارئ كراصد مهم لانفعالات النص المطروح الكثير من الأسئلة التي تبقى مساعدة لتكوين مجرد رأي أو صورة من باب "الفضول". فكثيرا ما سمعنا برغبة البعض في معرفة طقوس شاعر ما أثناء كتابة نص ما، ومثلها مثل الرغبة في معرفة ما هو أول شيء يفعله الشاعر بعد الانتهاء من كتابة قصيدة، ولعل ارتباط هذه الطقوس بعوامل نفسية جعلت الأمر ذا مساس مباشر بحالة القصيدة نفسها، وبطقسها الكتابي الخاص.
وقد توجهنا بهذا السؤال إلى مجموعة من الشعراء بغية رصد السلوك اللاحق لكتابة الشعر لدى البعض كنماذج عشوائية، تقودنا نتائج أجوبتهم إلى تكوين رأي حول "الشعر وما يصاحبه من خارج الشعر"، ما هو أول شيء تفعله بعد الانتهاء من كتابة قصيدة؟ وبين سخرية البعض من هذا السؤال وتعامل الآخر معه بجدية يبقى الأكيد أن هذا ما قد يفعله البعض فعليا.
في البداية يقول الشاعر عارف سرور: "بمجرد أن أنتهي من كتابة نص ما، أشعر أني متضايق، أي أبدأ الدخول في مرحلة قلق كبير، وبعض القصائد لا ينتهي قلقها حتى بعد مرور زمن طويل على كتابتها"، وقد يكون هذا الأمر مؤشر مهما لوجود بعض العادات التي تصاحب حالة الكتابة سواء قبلها أو بعدها وتظل مرتبطة بالشاعر مع كل قصيدة.
أما زايد الرويس فيقول: "بصراحة، بمجرد أن أنتهي من كتابة قصيدة أقوم بنشرها في منتدى شظايا أدبية، وهذا ما أفعله قبل حتى أن أقوم بحفظ القصيدة أو تدوينها". ولعل طرح الشعر من قبل زايد في مكان ما بعد كتابته يمثل نتيجة لمعادلة الكتابة. وقد يتعامل البعض مع الشعر كتعامله مع معطيات الحياة، دون تقسيم لما تتلقاه رغباته في أي من الأوقات، لذا فإن الشاعر سامي الجار الله يقول: "بمجرد أن أنتهي من كتابة نص ما، أعود لمواصلة ما كنت أفعله قبل كتابة النص"، ويتضح هنا أن الشعر أحد الممارسات الطارئة لدى سامي، ويتعامل معها بانعزال عن شيء ما قبل الدخول في عالمه.
أما الشاعر ماجد العثمان فيعيش قلقا كبيرا، ويصبح القلق حالة حتمية بعد الانتهاء من كتابة أي نص، ولكنه قد يجد بعض الحلول كما أوضح بقوله: "وقد ألجأ لإلقاء النص أمام أحد المقربين من الذين أثق فيهم". والعثمان هنا قد يبحث عن نوع من"التطمين"، أو تفريغ لشحن ارتبط بالقصيدة.
وممارسة الكتابة الشعرية ترمي محمد علي العمري في خانة يبحث من خلالها عن راحة حيث يقول: "فور الانتهاء من كتابة قصيدة تعتريني نشوة رائعة، وأحاول أن أسترخي"، كما أن البعض من الشعراء يتعامل مع الشعر وكأننا به يصارع من أجل أن ينال النصر حين يتعامل مع الكلمات وكأنها تعاند أفكاره فيبدأ الكر والفر حتى يحصل على مراده, لذا يقول عاطف الحربي: "في بعض الأحيان أشعر بانتصار، وفي أحيان أخرى أبدأ في الترقب، إلى أين ستصل قصيدتي؟".
وقد يبدو أن الشعر وكتابته عملية مرهقة كونها تمتص الطاقة التي تتركز في العقل متصلة بخيط سميك مع الوجدان، فهذا أحمد البلوي يقول: "الغريب أنني أنام، حين أنتهي من كتابة قصيدة، وإن لم يحدث فإنني أدخل في حالة من الشرود تصاحبها حالة استرخاء". أما عبد الله الملحم فالمسألة عنده حياة أو موت كونه يؤكد أن العملية كالاحتضار ومن ثم عودة الروح إلى هذا المحتضر، "يرجع العقل إلى حالة الوعي والإدراك وأبدأ أتلمس الحركات والأصوات وغيرها، وأعيش في نشوة وكأنني منتصر، هو شيء لا أجهله ولكنني لا أعرف اسمه".
في حين يقول عيضة السفياني: "بمجرد ما أنتهي من كتابة قصيدة أبحث عمن أثق فيه كي أسمعه القصيدة بغض النظر عن الوقت سواء كان صباحا أو مساء، كما أنني أشعر أن المدينة أصبحت مزدهرة وكلها ورود ويصبح لكل شيء طعم وجمال الأبواب والشبابيك".
أما علم النفس فكان رأي المختص فيه أدق، إذ يؤكد الدكتور عبد الرحمن التركي أن ارتباط الشاعر ببعض الممارسات فور الانتهاء من كتابة قصيدة أو نص، هو ما نسميه بالعادات السلوكية المصاحبة، وهي عادات طبيعية تختلف من شخص إلى آخر، وقد يكون لها شكل آخر حين تصبح القصيدة أو النص "مثيرا"، أي محفزا للمشاعر، وما يحدث بعد الانتهاء منه هو استجابة.

الأكثر قراءة