انهزموا يالنشامى!
هكذا نادى أحد الممثلين في المسلسل الأردني "راس غليص" الذي يُعرض على MBC هذه الأيام، وهو يؤدي دور المؤتمن على "العرب" بعد سفر "الشيخ غليص" لمقابلة "حمده"، طبعا العرب في هذا المشهد "وخذوا" ولم يستطع الأخ أن يرد "الغزو"، فنادى أصحابه أن "انهزموا يالنشامى"، فهم "جثير" يعني: كثير، ولا نستطيع أن نردهم، فلذلك "انهزموا يالنشامى"!
بغض النظر عن المغالطات التاريخية بين المعروض في المسلسل، والرواية التي تناقلها البدو في الجزيرة العربية غليص وحكايته الشهيرة، وبغض النظر عن المبالغ الضخمة التي دفعها منتج العمل ليظهر "تقنيا" بما ظهر به، إلا أن الشيخ أو حتى الراعي لا ينادي عن صد هجوم معين من آخرين بـ "انهزموا"، فالانهزام أو الانسحاب ميكانيكيا يُقصد به المهاجم الذي أخذ غنيمته ويريد الهروب بها، لا المدافع الذي أُخذ ماله! هذا ميكانيكيا، أما وجدانيا فالعرب – البدو - تموت دون أرضها ولا تنسحب، أو على أقل تقدير يقعدون في أرضهم بعد سلب مالهم كسيري الحال والمحال، لا يستضيفون ولا يُضافون حتى يأخذوا بالقوة ما أُخذ بالقوة!
التفاصيل التي ضاعت من المخرج كثيرة لدى العارفين ببواطن الحياة في الصحراء وعادات البدو وتقاليدهم، ولست من هؤلاء لأني لم أعش تلك الحياة، إلا أنني أعرف أن القبيلة التي تريد غزو قبيلة أخرى لا تسعى وراء "المعزا"، ولا تعتبر "العنز" غنيمة حرب لدى "الحنشل" وهم لصوص القبائل، فكيف تعتبر كذلك مع شيخ القبيلة في المسلسل!
المشكلة أن المسلسل لقي نجاحا كبيرا ونسبة مشاهدة عالية، ربما لعوامل الإثارة التي حاول أن يضيفها مخرج العمل، بمساعدة رأس مال كبير نسبة إلى مسلسلات من النوع نفسه، وهو لا ينفي نجاحهم في هذه النقطة، إلا أن "انهزموا يالنشامى" هدمت كل عوامل النجاح التي كنت أراها، و"غزو المعزا" جاب العيد للمخرج والمنتج والمسلسل ككل!
الإبداع مرتبط كثيرا بالتفاصيل، وإن كنا نريد العمل بما يخص التاريخ، فيجب أن نحترم عقول المشاهدين، فلم تعد عقلية المشاهد أو القارئ الذي يرضى بتفاهة بعض المعروض قبل 20 عاما، كما هي لدى المشاهد أو القارئ الآن، والذين سيكتفون بالتأكيد بخيارات أخرى أكثر احتراما لعقولهم.