التعامل المحظور بأسهم الشركات المساهمة

[email protected]

تُعد الأوراق المالية عصب الحياة للأسواق المالية المعاصرة نظراً لاعتبارها السلعة الرئيسية المتداولة فيها، لذلك فإنها تعتبر من أبرز أدوات الاستثمار في الوقت الحاضر، حيث يتم من خلال سوق الأوراق المالية الجمع بين البائعين والمشترين لأسهم الشركات المساهمة العامة، ولذلك يجب أن يكون هذا السوق كفئاً، ففي السوق الكفء يعكس سعر السهم الذي تصدره شركة مساهمة عامة المعلومات المتاحة عنها كافة. إذا كان الأمر كذلك، فإنه يمكن الادعاء بأنه في ظل السوق الكفء تكون القيمة السوقية للسهم عادلة تعكس تماماً قيمته الحقيقية التي يتولد عنها عائد يكفي لتعويض المستثمر عما ينطوي عليه الاستثمار في ذلك السهم من مخاطر.
غير أن الادعاء بأن القيمة السوقية للسهم في ظل السوق الكفء تعادل قيمته الحقيقية ليس هو الادعاء الوحيد، إذ في ظل السوق الكفء يمكن الادعاء كذلك بأنه طالما أن سعر السهم في السوق يعكس دائماً قيمته الحقيقية، فإنه لا يمكن لأي من المتعاملين أن يحقق عائداً غير عادي يفوق ما يحققه أقرانه، فالعائد المتاح للجميع يكفي بالتمام والكمال لتعويض كل مستثمر عن المخاطر التي ينطوي عليها الاستثمار في السهم محل الصفقة بلا زيادة أو نقصان، فالسعر دائماً يعكس جميع المعلومات المتاحة بسرعة فائقة ، ولن يوجد في السوق سهم يباع في أي لحظة بقيمة تزيد أو تقل عن قيمته الحقيقية التي تعكسها المعلومات المتاحة للجميع في تلك اللحظة.
ولا خلاف من الناحيتين القانونية والأخلاقية في صحة وجواز القيام بعمليات بيع وشراء الأسهم بناءً على معلومات تم جمعها من السوق المالية، أو من الشركة المساهمة العامة المصدرة لتلك الأسهم، فالأعمال أساساً تقوم وتستمر من خلال المعلومات التجارية والمالية، ولكن المشكلة تنشأ عندما تكون هذه المعلومات قد أتت من مصادر سرية، وأن هناك القليل من الأشخاص على إطلاع عليها وذلك بحكم موقعهم، أو من خلال ارتباطهم بصلة ما مع أشخاص مطلعين عليها، وهذا يؤدي إلى انتهاك وانتقاص في عدالة السوق المالية، لأن سبب تفاوت المعلومات ليس عائداً إلى طبيعة الشخص ومقدار الجهد المبذول من قبله لمعرفة مدى تأثير هذه المعلومات في أسعار الأسهم، وإنما يعود إلى منصب أو وظيفة البائع أو المشتري في الشركة أو منصب أو وظيفة صاحب علاقة بالشركة، وتمت عملية بيع الأسهم أو شرائها بناءً على معلومات كان المنصب أو الوظيفة سبباً في الحصول عليها، مما يؤدي إلى جمع أرباح على حساب أشخاص ليس لديهم الإطلاع على المعلومات، الأمر الذي يقوض الثقة بسوق الأوراق المالية، مما يؤدي أيضاً إلى إحجام أشخاص كثيرين عن الاستثمار في الأسهم، وبالتالي انخفاض قيمتها والمحصلة النهائية عرقلة النمو الاقتصادي، إضافة إلى رغبة الشركات في أن يتعامل بأسهمها عدد غير قليل من الأشخاص لرغبتها في ارتفاع أسعار أسهمها.
ولهذا اتجه نظام الشركات السعودي ونظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية إلى حظر التعامل بأسهم الشركات المساهمة العامة على الوجه المذكور، إلا أن ما احتوته نصوص هذين النظامين غير كاف لتحقيق سلامة التعامل بالأسهم على أكمل وجه لما يلي:
1- لم يحظر نظام الشركات على الموظفين ذوي الصفة الرسمية التعامل بأسهم الشركات المساهمة العامة بناءً على معلومات حصلوا عليها بحكم منصبهم الذي يمكنهم من الإطلاع على هذه المعلومات.
2- لم يوضح نظام الشركات طبيعة المعلومات التي يتم التعامل بالأسهم بناءً عليها.
3- لم يرصد نظام الشركات السعودي عقوبة رادعة لقاء استغلال المعلومات غير المعلنة.
4- يجري التعامل داخل السوق المالية على الأسهم من خلال آلاف الصفقات يومياً، ويتعذر معرفة شخصية المتعاملين مع بعضهما البعض، حيث إن التعامل غير شخصي، وتبرم الصفقات عشوائياً عبر لوحة البيانات في حال توافق أو تطابق أوامر البيع أو الشراء المقدمة من الوسطاء فلوحة البيانات تخلو من تحديد شخصية البائع أو المشتري. الأمر الذي يصعب معه إثبات علاقة السببية بين الفعل والضرر.
5- لم يضع نظام الشركات أسباباً للتخلص من المسؤولية عن التعامل بأسهم الشركات المساهمة العامة بالصورة المحظورة. وكذلك لم يضع أحكاماً خاصة للمسؤولية المدنية التي تترتب على التعامل بأسهم الشركات المساهمة العامة بالصورة المحظورة، ومن ثم أخضعت هذه المسؤولية للقواعد العامة.
ولذلك هنالك اقتراحات عديدة في هذا المجال يتمثل أهمها فيما يلي:-
1- بما أنه لا يوجد حظر في نظام الشركات السعودي لاستغلال المعلومات بالنسبة للمتعامل الثانوي أو الموظفين ذوي الصفة الرسمية، فمن الضروري بمكان توسيع نطاق الحظر حتى يشمل كل شخص يستحوذ على معلومات غير معلنة.
2- لما كانت نصوص مواد نظام الشركات لم تحدد بصورة صريحة ماهية المعلومات التي يحظر التعامل بالأسهم بناءً عليها، فإنه من الأهمية بمكان تحديد ماهية المعلومات، شريطة أن تكون غير معلنة للجمهور وذات علاقة حساسة بأسعار الأسهم وأن من شأن الإعلان عنها التأثير الجوهري في أسعار الأسهم.
3- أن يقر نظام الشركات عقوبة رادعة لقاء استغلال المعلومات غير المعلنة، وأن تعطى المحكمة الحق بمصادرة الأسهم موضوع المخالفة إذا كانت مصادرتها مجدية لأنه في بعض الأحيان قد لا تجدي مصادرة الأسهم نفعاً بسبب أن المخالف قد يكون تصرف بها للغير.
4- ضرورة إحالة المخالفات الناجمة عن التعامل المحظور إلى قضاء متخصص في القضايا الاقتصادية، نظراً لتعقيد هذه القضايا وحاجتها إلى معطيات خاصة قد لا تتوافر للقضاء العادي، وبالتناوب أن يكون الاختصاص في نظر هذه القضايا إلى هيئة السوق المالية.
5- أن يتم تطبيق وسائل فنية حديثة في تداول الأسهم تكفل معرفة شخصية المتعاقدين، ومن ثم تكون هناك رابطة سببية عقدية مباشرة بين الطرفين، فإن حصل ضرر لأحدهما جراء استغلال الآخر للمعلومات غير المعلنة، يمكن إثبات علاقة السببية بين الفعل والضرر.
6- ضرورة إعطاء هيئة السوق المالية مكنة التعاون مع الهيئات التي تمارس نشاطاً مماثلاً في الرقابة على سوق الأوراق المالية.
ومن الأهمية بمكان إعمال هذه الاقتراحات لحماية السوق المالية والمتعاملين فيها، وذلك من خلال العمل على وضع نظام خاص ومستقل عن نظام الشركات يقترح تسميته بـ" نظام التعامل المحظور بأسهم الشركات المساهمة".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي