في مكاتب بيع الشعر القصائد كالخضار.. لكل نوع سعره المحدد!
بما أن حديثنا هنا ليس عن بيع الشعر كتهمة، وإنما كمهنة ومصدر رزق، ولوجود تساؤلات كثيرة تحوم حول هذه القضية التي "شرعنت" في الآونة الأخيرة من قبل البعض، فقد توجهنا لهذا البعض الذي يفاخر بحرفته، ويتباهى بعدد القصائد التي باعها، ويفاخر بأرقام الإيرادات لديه من بيع الشعر على من يرغب من المهتمين والمهتمات، من هو البائع؟ من هو المشتري؟ كم قيمة الصفقة؟ وأين الشاعر الذي باع قصيدته؟ لنعرف هذه الإجابات، زرنا بعض محال بيع الشعر في الرياض، أو محلات إعداد الحفلات كما يسميها أصحابها، والذين استقبلونا بحفاوة استغربناها لأننا كنا نعتقد ـ كما يعتقد كثيرون ـ أن بيع الشعر تُهمة وليس مهنة!
بداية استوقفتنا لوحة لمحل تجاري في أحد شوارع الرياض كتب أسفلها "وزن وتعديل قصائد"، استقبلنا داخل المحل "نبيل ع" ويعمل مديرا لهذا المحل الذي يملكه أحد الشعراء السعوديين، يتحدث نبيل عن الخدمات التي يقدمها لزبائنه: "لدينا ثلاثة أنواع من الزبائن، النوع الأول من الشعراء، هم من يقومون بإحضار قصائدهم إلينا لنقوم نحن بدورنا بإخراجها فقط، أو كتابتها على ورق فاخر أو لوحات، ومنهم من يطلب جمع قصائده في ديوان يتولى المحل إخراجه وصفه وتنسيقه، أما النوع الثاني فهم نصف شعراء، وهؤلاء يقدمون لنا قصائد قاموا بكتابتها، ولكنهم غير ملمين بالأوزان الشعرية وبحورها، فيطلبون فحص قصائدهم وتعديلها، ونحن بدورنا نعرضها على صاحب المحل – الشاعر- الذي يتولى هذه المهمة، ونتقاضى على ذلك أجرا بلا شك، علما أن صاحب المحل يقدم هذه الخدمة في أحيان كثيرة مجانا للزبائن، وخصوصا صغار السن، أما النوع الثالث فهم الذين لا يملكون الموهبة ولا حتى العلم بفنون الشعر والقصيد، ويطلبون من شاعرنا تعديل قصائدهم، إلا أن الشاعر يرفض هذه النصوص، لأنها كما يصفها كلام، ولا تحتاج إلى تعديل، إنما تحتاج إلى كتابة قصيدة من جديد".
ومن نبيل إلى أبي خالد، الذي يدير مكتبا أكثر تخصصا في الشعر وفنونه، ويقدم خدمات متنوعة، لخصها بقوله: "نقوم بتجهيز الزفات للأعراس، وتنظيم الأمسيات الشعرية، وإعداد صفوف المحاورات، وتوفير الفرق الشعبية بأنواعها كالعرضة، السامري، الخبيتي، والدبكات الشامية، إضافة إلى كتابة القصائد الخاصة، التي تتنوع بين المدح، رد المدح، والرثاء، بينما نرفض قصائد الذم والهجاء أو القصائد التي تحمل أي إساءة لأي كان"، مشيرا إلى أن بعض "المداحين" يطلبون أن يكتب لهم قصائد بالمجان، ليقوموا بتقديمها إلى أحد الأثرياء، على أن يتقاسموا معه ما يجود به هذا الثري من مال أو ما في حكمه من هبات.
وقد أردنا أن نخوض مع أبى خالد في تفاصيل هذه القصائد الخاصة، لنسأله عن الأجر الذي يتقاضاه لقاء القصيدة، وما هو المعيار الذي على ضوئه يتحدد سعر القصيدة؟ فأجاب: "نحن متعاقدون مع عشرة شعراء تقريبا لتلبية احتياجات الزبائن، فالزبون يأتي إلى المحل ويطلب منا كتابة قصيدة ثناء لوالدته مثلا، فيحدد عدد الأبيات والمدة التي يريدها، وأحيانا يطلب شاعرا بعينه لكتابة القصيدة، وهنا عدد الأبيات واسم الشاعر والوقت، هو المثلث الذي يتحكم في سعر القصيدة، والشعراء هنا تتفاوت أجورهم التي يتقاضونها بحسب إبداع كل منهم، ولكن الأجور لا تقل عن 800 ريال لقصيدة من 12 بيتا تقريبا، أما أسماء الشعراء الصريحة فلا نظهرها لأن أغلب الشعراء يرفضون ذلك، ولكننا نستخدم أسماء رمزية تدل على الشعراء، وعلى الزبون فقط أن يختار الاسم المستعار الذي يريده، وما يؤلم هنا أنا أغلب الزبائن يتعاملون مع الشعر معاملتهم مع الطماطم، حيث يبدأ بالسؤال عن قيمة القصيدة قبل الدخول في تفاصيلها، وكأنه في سوق للخضار".
أما المواقف الطريفة فهي كما أكد أبو خالد كثيرة، ومنها أن أحد الزبائن طلب منه كتابة قصيدة من عشرة أبيات تشتمل على أسماء 200 عائلة، وهم الضيوف الذين سيحضرون الحفل، وقد حاول أبو خالد جاهدا أن يشرح للزبون أن كتابة قصيدة كهذه هي كمحاولة إدخال فيل في سيارة كورولا، إلا أن الزبون لم يفهم! ومن المواقف الطريفة يذكر أبو خالد أن أحدهم طلب من أحد شعرائه المتعاملين معه في المكتب كتابة قصيدة في سيارته التي خسر آلاف الريالات لتعديلها وتزويدها بإكسسوارات، وأراد أن يتوج جهده بقصيدة تتغزل بحبيبته ذات الأربع عجلات!