من الخطأ عدم مشاركة الشباب في مسيرة الاستثمار
من المفارقات العجيبة أن تعلن شركة شيفرون عن مشاريع جديدة للشركة في السعودية بتكلفة ملياري دولار, إضافة إلى خطط توسعية في السعودية يقدر حجمها بنحو خمسة مليارات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة في الوقت نفسه الذي دشن فيه رجال أعمال سعوديون مرافق صناعية سعودية في رأس الخيمة. يحدثنا روبرتسون نائب رئيس شركة شيفرون فيقول إن الشباب دون سن 21 عاما يمثلون أكثر من نصف سكان السعودية وإنه من واجب الشركات العمل على زيادة أعداد الوظائف الجيدة وملئها بهؤلاء الشباب. المهم في الأمر أن روبرتسون لم يعتمد فقط على نظرية جودة المناخ الاستثماري في السعودية، بل رفع راية التدريب والسعودة عالياً, مشيرا إلى أن شركته الأجنبية ستقوم بإنشاء مركزي تدريب أحدهما يهتم بتأهيل الشباب والآخر يهتم بإعداد المؤهلين من المهندسين والفنيين للعمل في الشركة بطاقة استيعابية تصل إلى 700 طالب. نسيت أن أذكر أن نسبة السعودة في "شيفرون" بلغت 90 في المائة من خلال التدريب والتطوير.
قد تكون الغرفة التجارية الصناعية في الرياض من أكثر الغرف نشاطاً في مشاركة الشباب في نهضة الاستثمار, حيث سعى مركز الاستثمار في الغرفة إلى طرح الفرص الاستثمارية المهنية والحرفية لتنشيط الحركة الاستثمارية للشباب. أين بإمكان الشباب أن يجدوا فرصة مثل تلك التي تعطيهم المرونة لأن يكون رأس المال لمعظم الفرص المطروحة في حدود 500 ألف ريال، وألا يزيد متوسط فترة استرداد رأس المال على خمس سنوات وألا يقل متوسط معدل العائد على الاستثمار عن 15 في المائة؟ وكما أنه من المهم ألا تكون جامعة معينة هي المصدر الوحيد التي يحصل كل خريجيها على وظائف فور تخرجهم، كذلك فمن المهم ألا تقتصر فرص الاستثمار للشباب السعوديين على منطقة دون أخرى.
ولم تغفل الشركات الكبرى أمور الشباب, حيث وقعت كل من شركتي معادن وسابك اتفاق المشاركة الاستراتيجية في مشروع "معادن" للفوسفات، الذي تبلغ تكلفته الرأسمالية 13 مليار ريال. المشروع يهدف إلى استثمار احتياطيات الفوسفات في شمال المملكة لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية في المدينة التعدينية في منطقة (رأس الزور). أهمية الاستثمار في تنمية الشباب هنا أنه من المتوقع أن المشروع سيوفر نحو 1400 فرصة وظيفية مباشرة للشباب السعوديين المؤهلين. واضح أن الرقم غير لافت للانتباه, ولعل القائمين على المشروع أن يبحثوا مضاعفة هذا العدد واجتذاب الشباب من جميع المناطق. معظم الدلائل للأسف تشير إلى أن الخريج المواطن ليس في المستوى الملائم للعمل في القطاع الصناعي ويجب علينا تغيير هذه الصورة النمطية.
لعل محافظ الهيئة العامة للاستثمار المهندس عمرو الدباغ قد ضرب على الوتر الحساس بذكاء حينما دعا خلال اجتماع عقده مع الأمير أندرو ـ دوق يورك ـ الشهر الماضي، الشركات البريطانية للاستثمار في قطاعات الصناعات القائمة على المعرفة. ومَن غير الشباب نعتمد عليهم ونفتح لهم فرص الاستثمار في الصناعات القائمة على المعرفة داخل السعودية التي تعتبر وفيرة بكل المقاييس؟ ولأن الإنسان هو العنصر الأساسي في أي اقتصاد، يجب أن ينصب اهتمامنا على مصلحة هذا الإنسان، وتكون الأولوية له، لأنه رأس المال الحقيقي. يجب أن يكون المواطن السعودي متعلماً وأن يكون فكره الثقافي والاجتماعي متطوراً ليكون أكثر عطاء وإنتاجا. لم تقم أية أمة قديماً أو دولة صناعية حديثاً دون تطور وتقدم مواطنيها من الذكور والإناث.
مصلحة الوطن تحتم علينا أن نلقي بنظرة ثانية وثالثة على الأعداد الكبيرة من الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد الذين لا يجدون مكانا لهم في سوق العمل. طبعاً من أسهل الأمور أن يقع اللوم على رجال الأعمال تارة لأنهم لا يريدون أن يُوظفوا، وعلى الاستثناءات التي تتيحها وزارة العمل لأنها تمنح التأشيرات ورخص العمل للأجانب في مهن معينة تارة أخرى. لا بد من إتاحة الفرصة للشباب من المهنيين والحرفيين للتدريب العلمي والتقني المكثف لتأهيلهم لتحقيق طموحاتهم في عالم العمل والتجارة والصناعة والأعمال. عودة للمستر روبرتسون، فلا بد أنه قرأ نتائج دراسة إحصائية حديثة تقول إن إجمالي العاطلين عن العمل من السعوديين في المملكة بلغ 470 ألف عاطل وعاطلة يمثلون 12 في المائة من إجمالي قوة العمل السعودية.