الشائعة "كرة ثلج" تكبر وتكبر و تكبر.. لتسر السامعين!!

الشائعة "كرة ثلج" تكبر وتكبر و تكبر.. لتسر السامعين!!

الشائعة قديمة قدم الأزل، بدأت مع الإنسان، ولن تنتهي إلا بنهايته، استغلت في الحروب للنيل من الخصم، وأحيانا لرفع معنويات الجيش نفسه، استخدمها المختصون لأزمان لرصد ردة فعل مجتمع قبل اتخاذ قرار، صنعوها بعناية، وأطلقوها بحرفية، ورصدوا أثرها بدقة، وها نحن الآن تصلنا هذه الشائعة على هيئة أخبار مبتورة من وقت لآخر، تصلنا أحيانا مشافهة من صديق، ومكتوبة في رسائل الجوال أو عن طريق الإيميل، أخبار لا نعرف مصدرها، ولا نعرف ماذا يريد مطلقها وإلى ماذا يرنو ناقلها، أما مصداقيتها فمعلقة بالمستقبل، إذ إنها في النهاية إما أن تصدق، أو تكذب، أو يصدق جزء منها ويكذب الآخر، والجميل في هذه الإشاعة أنها تضع ناقلها في دائرة الاهتمام اللحظي ساعة نقلها، ولكن ما يؤلم عندما يدمن الناقل للشائعة هذه الأضواء ويرغب أن يكون دائما في دائرة الاهتمام من الآخرين، مما يضطره للكذب أحيانا عندما ينفذ رصيده من الأخبار التي ينتظرها جمهوره بشبق، أما الجمهور المستمع فهم بشر يشتركون في الفضول الذي يدفع بالإنسان دائما إلى البحث عن المعلومة، ومعرفة أخبار الآخرين لا لشيء إلا للاستماع والاستمتاع فقط، وإن كان بعض هؤلاء المستمعين لا يقل مرضا وتفاهة عن هذا الناقل الكاذب غالبا، علما أن الآذان ستكون مفتوحة على مصراعيها لتلقي هذه الشائعة إذا كان لها موقع في نفس المستمع وتمسه وتخصه، كترقية مرتقبة، أو تخفيض في الأسعار، أو سوء قد يحصل لشخص لا يحبه ويتمنى له الضرر، أما أنواعها فتتنوع بين السياسية والاقتصادية والرياضية والاجتماعية والفنية، ولكن ماذا عن الشائعات الأدبية التي تخصنا في هذا الملف؟الشائعة في الشعر والكتابة والمسرح؟ ما حجم الشائعة في هذه الوسط؟ من يطلق سهامها؟ ومن تصيب؟ وما مدى الجرح الذي تحدثه فيمن تصيبه؟
بالمحكي التقت بعض الأسماء المنتمية إلى الأوساط الأدبية لدينا لتوسيع دائرة النقاش.
بداية التقينا سعود السمران رئيس تحرير مجلة "المها" سابقا والصحافي الفني المشاغب حيث قال: "الشائعات لا يمكن أن تنتهي، فقد عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ، و لقد زادت نسبتها في الآونة الأخيرة في ظل هذا الفيضان ألمعلوماتي كالإنترنت ووسائل الاتصال عموما والتكنولوجيا التي أسهمت في انتشارها بشكل كبير، أما من يساهم في إطلاقها والترويج لها فبالتأكيد له دوافع نفسية لإلحاق الضرر بأحد المشاهير، أما أنا فلم يسبق أن حاولت أن أطلق أي شائعة ولم أسهم -ولله الحمد- في نشر أي منها لأني اعتبرها أخبار ملفقة، وأسلوبا رخيصا لصناعة الخبر، لأنها طريقة المفلسين، ولم أتعاطى مثل هذه الشائعات لأنني غير متعمق اجتماعيا في الوسط الفني أو الإعلامي كوني أتعامل مع هذا الوسط على طريقة المخبر الصحافي الذي يراقب عن بعد دون الدخول في أنفاقه المظلمة.
أما الكاتب والصحفي والشاعر هاني الشحيتان بدأ بالحديث عن تدربنا على نقل الشائعة منذ الصغر: "في طفولتنا كنا نمارس لعبة تكرس في عقولنا الشائعة بل وتدربنا عليها، عندما كنا نجلس في دائرة ويبدأ الأول بكلمة يتم تناقلها بين أعضاء الدائرة همسا بالأذن، لنكتشف في النهاية أن الكلمة تم تحريفها وتحويرها لكلمة أخرى غير التي انطلقت في البداية، إلا أن براءتنا في تلك المرحلة كانت اعتذارا مناسبا لهذه الممارسة، أما ما نشاهده ونسمعه الآن، فهي أخبار تنطلق من أفواه مريضة لديها خلل في جيناتها واستعداد فطري للنيل من كل نجاح، علما أن الذي يطلق هذه الشائعة قد يكون شخصا مشهورا وناجحا أيضا، ولكنه مصاب بهذا الداء ويبرره تماما كما يقتنع البخيل ببخله ويمارسه دون أي تردد أو إحساس بالذنب، وأريد أن أشير هنا إلى أن بعض هذه الشائعات قد يكون سببها الخطأ المحض، وتم تناقلها دون قصد خبيث أو نية سيئة، أما في الوسط الأدبي فهناك ظاهرة خطيرة بدأت بالانتشار في الآونة الأخيرة، ظاهرة ترافقت مع التدفق الكبير في النتاج الأدبي المطبوع، ظاهرة يقودها من أسميهم "بالمثقفين الجدد" الذي يسعون إلى حشو نتاجهم بمعلومات غير موثقة هدفها التميز فقط، ولو كانوا يعلمون الفرق بين التميز والشذوذ لما اقترفوا ما يظنوه انفرادا وبروزا، حيث أسهموا بقصد أو دون قصد في نشر مثل هذه الشائعات بين بعض العامة الذين يظنون أن كل ما يقرأ في كتاب أو جريدة هو صدق محض لا يقبل النقاش."
أما المخرج المسرحي رجاء العتيبي يقول: لا أظن الشائعات يمكن أن تترعرع وتنتشر في مناطق المسرح, ذلك أن المسرح ليس فيه ما يغري, فلا هو يطير بأصحابه للشهرة, ولا هو يملأ جيوبهم بالمال, فهو من المناطق الساكنة على الأقل لدينا, على اعتبار أن الشائعات تنتشر في الأوساط المتوترة و المناطق التي تكثر فيها حمى المنافسات كما هو الحال في المجال الرياضي أو المجال الغنائي أو السياسي.
أما تجربتي مع الشائعة, فأذكر أن شائعة سرت في جامعة الملك سعود في الرياض, بعد عرضنا لمسرحية "سيد المكان" التي نفذتها كلية العلوم قبل سنوات, حيث تقول الشائعة إن رجاء العتيبي أدخل "أصناما" في مسرح الجامعة, وانتشر الأمر في كلية شؤون الطلاب مما حدا بعميد الكلية أن يطلبني فورا ويستفسر من الأمر, فقلت له إن الأمر يتعلق بمجموعة من المجسمات البشرية المسطحة مصنوعة من خشب "البلاكاش" وضعناها في المسرحية لتمثل مجتمع القرية الذي تتحدث عنه المسرحية, وكان عددها 12 مجسما, وجاءت لتوحي بأن المجتمعات الثابتة التي لا تريد أن تتغير فإن الزمن يتخطاها, وتبقى مكانها دون أن تتطور, فهي لعبة مسرحية أردنا أن نوصل من خلالها أن الجمود أمر غير محمود, وهي داخلة في سياق العرض بهذا المفهوم, علما أن هذه التجربة نالت استحسان كثير من النقاد وتفاعل معها الجمهور كثيرا, ولكن ثمة من أطلق هذه الشائعة لغرض شخصي في نفسه، وعندما أوضحت لعميد الكلية الجانب الفني من وراء هذه المجسمات المسطحة, ابتسم, وقال: وما آفة الأخبار إلا رواتها.
وفي النهاية عزيزي القارئ إذا كانت الشائعة هي كل قضية أو عبارة مقدمة للتصديق تتناقل من شخص إلى آخر دون أن تكون لها معايير أكيدة للصدق، فمن المؤكد أن ثمة سببا لمثل هذه الممارسات، ورغم انتشارها في الأوساط الأدبية إلا أن الحل قد يحتاج إلى أخذ نماذج محددة، تصعب الأمر في النهاية.

الأكثر قراءة