مهددات الأمن الوطني
الدعوة الكريمة التي تلقيتها من الجمعية الدولية للأمن الصناعي فرع الشرق الأوسط لحضور أمسية ثقافية راقية من أداء الفريق ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي جاءت في وقتها. كنت في حاجة إلى تحديث ما لدي من معلومات وإحصاءات عن البحث الذي قدمته منذ عدة سنوات في وزارة الداخلية في الرياض عن التحديات التي تواجه الأمن الصناعي في مكافحة الإرهاب. الضغوط النفسية التي يتعرض لها رجل الأمن الصناعي لا تقل خطورة عن تلك التحديات و(الدحديرات) اليومية التي يواجهها أي رجل أمن آخر. فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع ونقرأ عن جرائم من أنواع وأشكال عدة في شوارعنا وأحيائنا, وحتى بعض مجمعاتنا الصناعية.
لم أكن أتوقع أن محاضرة الفريق خلفان "مهددات ومقوضات الأمن الوطني" ستهدف فقط إلى شرح نشاطات وخبرات شرطة دبي لسببين بسيطين. السبب الأول هو معرفتي المسبقة بأسلوب الفريق خلفان بالخطابة والجرأة والتلقائية في طرح المواضيع، والسبب الثاني أن المُحاضِر لا ينطبق عليه المثل الحجازي "أكلوا الملوخية وصاروا أفندية". ورغم أن الجمعية الدولية للأمن الصناعي تهدف في الأصل إلى تنمية المعرفة وتبادل الخبرات في مجال المهن الأمنية، إلا أن المحاضرة عرضت أهم التحديات أمام الأمن الوطني وجاءت بأسلوب روائي بسيط. الأمثلة التي عرضها الفريق خلفان عن الأمن الاجتماعي، الأمن السياسي، الأمن العسكري، الأمن الاقتصادي، الأمن الثقافي، والأمن العام جاءت من صميم تجارب عملية في مواجهة الهجمات التي تعرضت لها دول الخليج العربي على مر السنين. لفت نظري اهتمام المحاضر بالأمن الثقافي والاجتماعي وتأثيرهما في المنطقة. هناك عدة عوامل تساعد منفردة أو مجتمعة على تفشي الجريمة, ومنها الأسباب الاجتماعية التي تشمل العنف الأسري وافتقاد العاطفة داخل المنزل والمشاحنات المستمرة بين الوالدين والطلاق وضرب الأبناء وقسوة الأهل أو الإهانات الجسدية والنفسية, إضافة إلى انطفاء العواطف الأسرية والتفكك الأسري والاجتماعي.
كالعادة تألق سمير رسلان النائب الأعلى لرئيس الجمعية لمنطقة الشرق الأوسط ، و تركي التركي رئيس الجمعية، و محمد الخلفان المسؤول الإعلامي وزملاؤهم في التنسيق المنظم للمحاضرة وهذا ليس من باب (الدحلسة)، كيف ولا وهم "عيال" "أرامكو السعودية" وما عرف عنها في تنظيم المؤتمرات والندوات المحلية والدولية. الجمعية الدولية للأمن الصناعي في الشرق الأوسط تكرس جهودها للمحافظة على الأمن وتطوير الوعي بقضايا وحلول الأمن لحماية والمحافظة على الأصول الصناعية وغير الصناعية. الجمعية تهدف إلى رفع مستوى المنتمين إلى الأمن الصناعي بشكل خاص والأمن بشكل عام ولرفع كفاءة رجل الأمن الصناعي واستخدام التقنية الحديثة في مجال عمله. الجمعية تعد أكبر كيان مهني غير ربحي في العالم يُعنى بمجال الأمن الصناعي حيث يزيد عدد أعضائها على 53 ألف عضو في العالم، وتأسست عام 1955، بهدف الارتقاء بمستوى المهن الأمنية وزيادة فاعلية وإنتاجية الموارد البشرية. كذلك علمت من خبرتي البسيطة بالجمعية أن أهدافها تشمل أيضاً تطوير البرامج والتثقيف والأبحاث والتدريب وتنظيم الندوات والمعارض ونشر المجلات العلمية المتخصصة، وتوفير الفرص لمنسوبي الأمن الصناعي للالتقاء وتبادل الخبرات في مجال الأمن الصناعي.
أتفق تماماً مع المحاضر أن من أهم التحديات المعقدة التي تواجهنا اليوم الغزو الفكري والثقافي عن طريق البث التلفزيوني المباشر والإنترنت، بمعنى آخر "إذا حلقوا لغيرك بل راسك واستنى". لا بد من تأسيس الحصانة الفكرية والوعي الأمني وغرس المفاهيم الأمنية في عقول الشباب والتعريف بالدور الذي يضطلع به رجال الأمن في حماية أمن المواطن والوطن. لقد أظهرت التحقيقات أن أحد العناصر التي امتد معها "فكر جهيمان" أن الإرهابيين كانوا يرفضون العيش في المدن الكبرى، ويفضلون القرى البعيدة، حيث يتنقلون بين مواقع البادية التي يجدوا فيها عناصر قد تتفق معهم فكرياً. كذلك تتضح الرؤية من خلال أعضاء الجماعات التكفيرية الذين يميلون إلى التزمت والتمسك بالرأي حتى وإن كانت آراؤهم خاطئة, وهذه من صفات الأشخاص المضطربين نفسياً بدءاً من النرجسية المُطْلَقَة ومروراً بالتمسك بالأوهام وانتهاء بالشخصية المعادية للمجتمع وكل ما هو حديث وجديد. هناك تحديات معقدة تضيف مسؤوليات جديدة على رجل الأمن وتتطلب تكاتف الجميع لمواجهة هذه التحديات بقوة وصرامة. في نهاية المطاف نريد دعم قدرات رجل الأمن وتنميتها بكل الوسائل، فهو العين الساهرة لحماية أمن الوطن والمواطن.