عفوا معشر الشعراء.. لا يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم!

عفوا معشر الشعراء.. لا يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم!

ثمة قدسية يحيطها القارئ بالشاعر المبدع، فتجده يرفض تقبل أي لمحة سيئة قد تصل إليه عن شاعره المفضل، وقد يصيبه نوع من الاختلال النفسي إن علم أن شاعره الذي سحره بما يقول من شعر "نصاب، مدمن مخدرات، شحاذ، أو حتى زير نساء"، وينقله ذلك إلى نوع من التناقض المربك وأسئلة من نوع: أحفظ له قصائد عن عزة النفس ويمد يده للسؤال! هو من ينصح في قصائده الابتعاد عن المخدرات ويحذر منها فيتعاطاها! كيف يمكن له أن يكون متزوجا ويكتب قصائد عن الحب العفيف ثم يلقى القبض عليه في ليلة حمراء (منيلة بـ60 نيلة؟!)
"الشخصية المثالية" كمدينة أفلاطون الفاضلة لم توجد إلا في رأسه، وهذه الشخصية موجودة لدى كل شخص، وعلى الأحرى الكل يحب أن يقدم نفسه بالطريقة التي يرى نفسه فيها كـ"شخص مثالي"، من جهة ثانية يحب الآخرون أن يرسموا الصورة الجميلة لغير الظاهر أو الجزء المظلم من "نجمهم" الذين يراقبون منه ما يُتاح لهم مراقبته.
الشاعر الكبير فهد عافت يرى أن المتلقي يرى شاعره المفضل نجما عاليا لا يشوبه صفاء، ومن الطبيعي أن تكون صدمته أكبر عندما يُكشف له الجانب المظلم، فيما قد يتقبل الفعل "المظلم" ذاته من صديقه أو أخيه لأنه لا يرى أنهما يملكان صفات ذلك النجم التي أهلته للعلو، وربما لو كان يملك مواصفات النجم الذي تؤهله لأن يكون قدوة له، سينتج ردة الفعل القاسية نفسها.
الشاعر فهيد العديم له رأي آخر في هذه المسألة، فهو يرى أن الشاعر أو المبدع هو في النهاية إنسان "جُبل" على الدعوة إلى الفضيلة لأي قضية يراها عادلة, وطبعاً كل إنسان لا يحب أن يفضح سلبياته, فالقارئ يعرف الشاعر أو المبدع من خلال نتاجه، ويتكوّن الانطباع من خلاله, ولذلك فمن الطبيعي أن يرسم له صورة مثالية, ويقول مستشهدا بالمتنبي: "أبا الطيب أحببناه من خلال شعره، تُرى لو عاش بيننا بكل غروره وعنجهيته هل سنحبه؟ لا أعتقد!"
ويذهب فهيد إلى أن الصورة النمطية للشاعر في الفترة الحالية لم تعد كما كانت من قبل, إذ إن للمتلقي الآن قنوات عدة يستطيع الوصول بها إلى شخص شاعره وجهاً لوجه, ولعل القنوات الفضائية التي انتشرت في الآونة الأخيرة عرّت كثيرا من الشعراء وكشفت ضحالة فكرهم, وأسقطت الصور السائدة لهم، والتي كان القارئ محتفظاً بها من قبل.
أما الشاعر هاني الفرحان فيؤكد أن كثيرا من متابعي الوسط الشعري ومحبيه مخدوعون في شعرائهم إلا من رحم ربي، فالشعراء – والحديث لهاني - يسوقون لأنفسهم من خلال قصائدهم التي تكون في أغلب الأحيان "يوتوبية" لا تمت للواقع بصلة، يقول: أتذكر جزءا من بيت لأحد الشعراء (ما هو ضروري تكون أشعاري أخلاقي)، يعني على بلاطة الشاعر شيء والقصيدة شيء آخر، فيما يكون المتابع مأخوذ بالقصيدة ومعتقداً أنها تمثل الشاعر كما هو، و بصراحة معظم الوجوه في هذا الوسط ترتدي الأقنعة!
الأستاذ محمد الجنيد إخصائي نفسي يؤكد أن هذه الحالة من الحالات الشائعة مرضيا في علم النفس، مشيرا إلى أن ذلك يعرض الفرد إلى صدمة نفسية وحالة من الهلع قد تتطور إلى ما يسمى بـ "رهاب المجتمع"، حيث اختلال المعايير الماثلة أمامه وهو الأمر الذي سيجعله يختل مرضيا بشكل مؤذ.
في النهاية نود أن نصل معك عزيزي القارئ إلى نتيجة مفادها: لا تنخدع كثيرا بالشعراء، ففيهم النصاب الذي يصرح باحتقار أشباهه من النصابين، وفيهم الشحاذ الذي يملأ الدنيا صراخا وحديثا عن عزة نفسه، وفيهم الناصح من خلال قصائده عن الرذيلة وفي الليلة نفسها التي تقرأ له هذا النوع من القصائد، يصلك خبر القبض عليه في ليلة حمراء (منيلة بـ 60 نيلة!).

الأكثر قراءة