عزيزي المشاهد.. الدوري الأرجنتيني "أبرك" من "مآسي" فضائيات الشعر

عزيزي المشاهد.. الدوري الأرجنتيني "أبرك" من "مآسي" فضائيات الشعر

لحظة غير مخطط لها مسبقاً توقفت بي قليلا أمام محطة فضائية يفترض أنها مخصصة لتقديم نجوم الشعر المحكي، تجاوزت كل توقعاتي المتشائمة وقررت أن أكون واقعياً وأن أحكم عليها من خلال ما أشاهده لا من خلال ما أسمعه عنها، حسب علمي أن لديهم عدداً من القصائد التي يستمرون في إعادتها وتكرارها بشكل أشبه بالتلقين، وعلى الرغم من ذلك لا مانع من توقع شيء من التغيير فالمشهد مليء بالشعراء والمنافسة محمومة بين القنوات الجديدة المعنية بالشعر المحكي .. ولا بأس من متابعة البرنامج القادم لنحكم على نوعية المنافسة التي تعتزم هذه القناة -المنبثقة أصلا عن قناة غنائية- خوضها في هذا الفضاء الإعلامي المحموم!
الموسيقى الحالمة والعنوان الذي يظهر عبر كلمة "درر" لا يعبران غالباً عما يليهما، ما هي إلا لحظات حتى تلاشت تلك الموسيقى وظهر ذلك الشاعر ليكشر عن أنياب قصيدته قبل أن يبدأ في التهام أسماعنا وهو ينتفض على منصة الأمسية "السياحية" شعرت منذ البداية أن المسألة لم تعد تتعلق بذائقة شعرية وتأكدت من ذلك فيما بعد، محاولات مبتذلة لاستخفاف الدم، وحالة هيجان شعري لا علاقة لها بالشعر، تساءلت .. أي جنون أصبح يروج لنفسه على حساب الكلمة العذبة الراقية، وأي شعورٍ غريبٍ يمكن أن يعتري شاعراً كلما توقف للحظات ليسمع تصفيق جمهوره بينما يلتفت يمنة ويسرة ويعدل شماغه على طريقة يمكن تفسيرها بعبارة "توكم ماشفتوا شي"!.
يستمر صاحبنا في صراخه الفوضوي وسط نظرات حذرة من مدير الأمسية الذي كان يدعو أن تنتهي تلك القصيدة بأقل عدد من الخسائر، كان التصفيق يزيد من حدة الشاعر الذي واصل إشعال قصيدته بلعن نفسه حيناً إذا ما أهملت محبوبته، وحيناً آخر بإعلان أنه مختل العقل وإذا خربها ..خربها"! رغم أنه لم يكن بحاجة إلى إيضاح ذلك.
يستمر المارد في نفث حممه الشعرية، وسرد حكايته التي لا تنطوي على هدف ثقافي أو اجتماعي أو حتى جمالي، وينهي قصيدته بتهديد محبوبته المفترضة بأنه قد يغير رأيه في أي لحظة ويتحول إلى عشق أختها! قبل أن يلتفت إلى مدير الأمسية المغلوب على أمره قائلاً "ما عندي تفاهم أنا"!
انتهت القصيدة وما زلت بكامل قواي الاحتمالية، اعتبرت ما حدث أمراً استثنائيا وأن ما بعده يمكن أن يكون "أرحم"، فيما بعد، أتحفتنا تلك القناة بفيديو كليب أراه للمرة الأولى، ليس أغنية ولا شعراً هذه المرة وإنما "فيديو كليب خواطر" اكتشفت لاحقاً أنه فيديو كليب "جبر خواطر" لأناس يسمعون بالرومانسية، بالنيابة عنهم شاب لا يفقه أبسط أبجديات النحو واللغة، يقرأ ما يفترض أنها خاطرة أدبية هائمة في الحب، ولإنجاح حالة كتلك كان شاب آخر يظهر في الصورة ويفعل ما بوسعه ليبدو مغرماً وعاشقاُ، ولا مانع في أثناء ذلك من إظهار بعض اللقطات له مع سيارته الفارهة!
الخاطرة تقول حرفياً: "لست أبالغ فالبلاغة تعجز عن نثر بلاغتها أمام حبي"، ويا لهذا المسكين الذي أبى إلا أن يفضح نفسه علناً بجهله الفرق بين البلاغة والمبالغة، وعلى كل حال فالمسألة لا تتعلق بالبلاغة بأي شكل من الأشكال، ولكنها متعلقة فعلا بالمبالغة الواضحة في تقديم أعمال ضعيفة تحسب ظلماً ضمن الأدب، وتقدم بإمكانات ضخمة تهتم بالتفاصيل الشكلية، لكنها لا تخضع لمعايير القيمة الأدبية أو الجمالية.
قررت أن أترك تلك القناة وشأنها، بينما نفسي تلومني على طريقة "أحسن .. تستاهل"، بعد أن اقتنعت بأن أعصابي لن تحتمل مزيدا من المهازل الفضائية التي تروج لنفسها باسم الشعر، وفي حالة كهذه أنصح كل من تسول له نفسه بالبحث عن شعرٍ راقٍ جميل في قناة كتلك أن ينسى الموضوع ويبحث عن متعة أفضل بسماع فيروز أو متابعة مباريات الدوري الأرجنتيني!

الأكثر قراءة