(ولا تقف ما ليس لك به علم)

(ولا تقف ما ليس لك به علم)

عندما تقرأ قول الله: ?ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا?. ترى في هذه الآية قصدا إلى ضبط العقل البشري، ودفعا له عن دائرة الوهم والظنون التي إن جعلت مناطا للأحكام أخلت بتراتيب العقل الصحيح، وأخلت بنظام الخلق السوي، وهذا التوجيه القرآني يشمل جملة من المقامات العلمية والعملية، ومن أخص هذه المقامات مقام الفتوى، فعند النظر إلى أهل العلم في العصور الفاضلة للأمة الإسلامية نرى منهجا واضحا في رعاية مقام الفتوى وضبط شأنها، وإحاطتها بكثير من الورع، قال ابن مسعود رضي الله عنه : «إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون».
ومما ينبغي إدراكه أن من النوازل ما لا يصار فيها إلى قول الواحد من أهل العلم، فإن من النوازل ما يعم ديار الإسلام، فلا بد فيه من أفق ونظر واسعين، وعلم باختلاف أحوال المكلفين مما قد يقصر عنه الواحد من أئمة أهل العلم، ولا سيما مع اختلاف الديار وكثرة النوازل التي لا يُدرَك مقام التحقيق فيها والعلم بمآلاتها وعواقبها إلا بكلفة ومشقة ظاهرتين، فضلا عما تنتجه عجلة التطور التي لا تفتأ كل يوم في استيلاد أنواع من المعاملات والمخترعات مما يستوجب نظرة فاحصة تتلاقح فيها آراء علماء الشريعة، والمختصين في تلك المجالات.
ومن جملة المعاني واجبة الإدراك أن مقام الفتوى ليس حمى مباحا لكل أحد، وإنما قول في الشريعة، وتوجيه لجملة المكلفين، فالناظر فيه لا بد أن يكون على قدر من تمام العلم والعقل، فالعلم يحصل به معرفة كلام الله وكلام رسوله وبناء الحكم الخاص عليهما، والعقل يحصل به ضبط لما خف من العقول القاصرة عن النظر إلى مآلات الأمور، ومن هنا يعلم أن من فاضل الفقه إدراك أن مقام الإمساك قد يكون من جملة المقامات الفاضلة في بعض الأحيان .
قال الشافعي: «وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له، إن شاء الله». والله الهادي.

الأكثر قراءة