الإيجار المنتهي بالتمليك عقد مهجن يجمع بين التأجير والبيع

الإيجار المنتهي بالتمليك عقد مهجن يجمع بين التأجير والبيع

أكد عدد من الشرعيين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية أن الإيجار المنتهي بالتمليك هو فكرة مستوردة من الغرب، وأن مناقشتها جاءت لأهمية الموضوع للمجتمع المسلم ولوضع النقاط على الحروف في الإشكالات التي وردت فيه، وأجمعوا أنه طرح في هيئات شرعية مختلفة، منها مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية الذي ناقشه ثلاث مرات، المرة الأولى حصل شيء من الخلاف ولم ينته العلماء على شيء، ثم في الدورة التي بعدها كذلك أيضًا كان هناك نقاش كثير وطويل، ولم ينته العلماء على شيء، ثم في المرة الثالثة في الدورة الـ 51 قد صدر قرار بالأغلبية بتحريمه، وكان من أبرز العلماء في ذلك الوقت الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، رحمه الله، وهذا القرار لم يفصل في الصور التي تحيط بالإيجار المنتهي بالتملك، إنما اعتبروه صورة واحدة، بيد أن المجمع الفقهي بعد ذلك درس الموضوع وأصدر قراره فيه بذكر صور للجواز وصور للمنع، وذكر ضابط الجواز، وضابط المنع، ولهذا تميز قرار المجمع الفقهي بشموله وبدقته.
واستكمالا لهذا الموضوع نلقي الضوء على جوانب أخرى تتعلق به.

العقد يجمع تأجيرًا وبيعًا
في البداية أكد الدكتور سعد بن تركي الخثلان عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن التأجير المنتهي بالتمليك، موضوع مهم وقد جرى فيه بحوث ومناقشات طويلة، وأخذ حيزا كبيرا من النقاش عند كبار العلماء وهذا العقد يجمع تأجيرا وبيعا، ومعلوم أن لكل منهما خصائص، ولكن هذا العقد هو عقد مهجن يجمع بين خصائص البيع وخصائص الإجارة، ومن هنا وقع الإشكال في فهمه وفي تكييفه الفقهي، وفي حكمه الشرعي، وأشير هنا أولاً إلى بعض الأمور التي يختص بها البيع، والأمور التي تختص بها الإجارة، التي هي سبب وقوع الإشكال في فهم هذا العقد. أما البيع فهو عقد لازم، والإجارة عقد لازم، ولكن الإجارة بيع منافع، بينما البيع تنقل العين مع المنفعة. بينما في الإجارة إنما تملك المنفعة فقط، فيصح أن نقول: إن الإجارة نوع من البيع، لكنه نوع خاص، فهي بيع منافع، فمثلاً عندما تستأجر بيتا لمدة سنة، أنت تملك منفعة هذا البيت لمدة سنة، لذلك لو لم يتيسر لك الانتفاع بهذا البيت لك أن تؤجره غيرك، بشرط أن يكون مثلك أو أقل منك في الضرر، لا أكثر ضررا، كما نص على ذلك الفقهاء، بشرط أن يكون مثلك أو أقل منك، لا أكثر ضررًا، وذلك لأنك تملك المنفعة وبهذا نعرف أنه بالبيع تنتقل العين مع المنفعة، بينما في الإجارة إنما الذي ينتقل هو المنفعة فقط، وكان الناس في السابق لا يعرفون إلا البيع بالتقسيط، وهذا البيع ينتقل معه المبيع إلى المشتري وتنتقل ملكية المبيع إلى المشتري، ويبقى الدين في ذمته، فمثلاً من اشترى سيارة بـ 100 ألف ريال مقسطة، من حين الشراء تنتقل الملكية إلى المشتري، وتبقى الـ 100 ألف ريال هذه دينا في ذمته يسددها في مدة معينة قد تكون سنة أو سنتين أو أكثر، بينما في الإجارة لا تنتقل ملكية العين إلى المستأجر إنما تبقى ملكًا للمؤجر، فمن استأجر بيتا يبقى البيت ملكا للمؤجر، إنما فقط هذا المستأجر إنما ملك المنفعة، فهذا العقد يهدف إلى إظهار عقد البيع في صورة إيجار، فيتفادى البائع بذلك عدم اعتبار المشتري مالكًا للمبيع، وبالتالي يتفادى عدم تصرف - هذا الذي انتقلت إليه العين - عدم تصرفه في المبيع، وتبقى الملكية لهذا المؤجر.
فإذاً الغرض والهدف من هذا العقد هو ضمان بقاء ملكية هذا الشيء الذي يراد انتقاله بالتأجير المنتهي بالتمليك وضمان بقائه للمؤجر، وعدم تصرف هذا المستأجر فيه ببيع أو غيره، هذا هو الغرض والهدف من هذا العقد.

جميع صوره
في السياق ذاته، يرى الشيخ الدخيل أن عقد التأجير المنتهي بالتمليك عقد حديث النشأة والظهور، وليس هو من جملة العقود المسماة في الفقه الإسلامي وأكثر من كتب في هذا العقد قد اعتنى ببيان حقيقته وصوره، وقد عرف بتعريفات منها:
- أنه "تمليك المنفعة ثم تمليك العين نفسها في آخر المدة".
- أنه "عقد يتفق طرفاه بموجبه على تمكين أحدهما من الانتفاع بشيء معين مقابل أُجرة لمدة محددة تعود ملكيته بعد انتهاء المدة للمستأجر".
- أنه "عبارة عن عمليات تأجير المعدات والتجهيزات والآلات والعقارات ذات الاستعمال الصناعي غالباً، والمشتراة خاصة بقصد هذا التأجير من قبل مصارف أو شركات تبقى محتفظة بملكية هذه التجهيزات، وتخول هذه العمليات للمستأجر الحق في المطالبة بشراء التجهيزات التي استأجرها كلها أو بعضها عند نهاية عقد الإيجار مقابل ثمن متفق عليه، أو يتم الاتفاق عليه".
ويشير الدخيل إلى أن هذا العقد يمكن تعريفه بشكل شامل لجميع صوره: وهو أنه تمليك منفعة عين معلومة، مدة معلومة، يتبعه تمليك للعين على صفة معلومة مقابل عوض معلوم.
ويلفت النظر إلى تميز هذا العقد باستقلاله بطرق خاصة لتمويله، حيث يتمثل ذلك في تدخل طرف ثالث بين البائع المالك للسلعة، والمشتري الراغب في الإيجار هذا الطرف الثالث هو الذي يقوم بتمويل العقد، وذلك بشراء السلع والآلات المطلوبة ثم تأجيرها إلى من يرغب في التعاقد معه، لمدة محدودة، وبانتهاء المدة يستطيع المستأجر اختيار أحد ثلاثة خيارات، هي:
ـ إما أن يتملك هذه السلع أو الآلات مقابل ثمن وغالباً ما يتم الاتفاق عليه مسبقاً عند التعاقد.
ـ وإما إعادة هذه السلع أو الآلات إلى المؤجر.
وإما الاتفاق على تجديد عقد الإيجار لفترة مقبلة، وعادة ما تكون بسعر أقل من الأجرة السابقة ويتكون هذا العقد من مرحلتين:
ـ المرحلة الحتمية: حيث تحدد مدة طويلة وكافية تكون الأقساط فيها مرتفعة لأجل الحصول على جميع المصاريف مع رأس المال، إضافة إلى الربح المناسب لشركة الليزنج، وهذه المرحلة عقد الإيجار فيها لازم، وفسخ العقد في هذه المرحلة له أسوأ العواقب المالية بالنسبة للمؤجر.
ـ المرحلة المتبقية: وهي التي يخير فيها المشتري بين الخيارات الثلاثة:

التسمية الأصح
يرى الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع أن التسمية الأصح لما يطلق عليه الإيجار المنتهي بالتمليك هو الإيجار مع الوعد بالتمليك، وهذه صدر بها فتوى من هيئة كبار العلماء بعدم جوازها، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي في جدة في دورته الأخيرة المنعقدة في الرياض بتفسير قرار هيئة كبار العلماء وذكر مجموعة من الصور المتعلقة بالتأجير مع الوعد بالتمليك، وأن المجمع أجاز هذه الصور، وذكر أن قرار هيئة كبار العلماء خاص فيما إذا كان جُمع بين عقد التأجير وعقد البيع، بحيث إن محل العقد قد تعلق به عقدان في آنٍ واحد وهذا ممنوع لدى مجموعة من أهل العلم، ولكن حيث إن التأجير مع الوعد بالتمليك ليس محله ينتابه عقدان وأتما هو عقد تأجير مع الوعد بالتمليك وليس الوعد بالتمليك عقداً وبهذا التصور جاز هذا النوع من التعامل.

الآثار الإيجابية والسلبية للإيجار

الآثار الإيجابية والسلبية
يتناول الدكتور راشد أحمد العليوي عضو هيئة التدريس في قسم الاقتصاد والتمويل في كلية الاقتصاد والإدارة في جامعة القصيم جانبا مهما في موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك وهو ما يتصل بالآثار الإيجابية والسلبية للإيجار المنتهي بالتمليك فإنه إن كان من الصور المحرمة فلا شك في وجود سلبياتها الكبيرة واعتبارها طريقة ضارة في التمويل اقتصادياً وقانونياً واجتماعياً.
أما إن كانت من الصور الجائزة فتعتبر بديلاً لأساليب التمويل المحرم، وهي إيجابية في الجملة، علماً أن الشيء المباح قد لا يتضمن شيئاً سلباً، ولكن العبرة في الشرع والعقل هو الموازنة بين المصالح والمفاسد والإيجابيات والسلبيات، فما غلب فالحكم له إجازة أو منعاً تحليلاً أو تحريماً. ومن سلبيات الإفراط في التمويل بالإجارة المنتهية بالتمليك زيادة المديونية على الأفراد، وفي المنتهي بالتمليك زيادة المديونية على الأفراد وفي المجتمع عموماً، وهذا أمر لا ينبغي التوسع فيه وتشجيعه.

أسباب عديدة
ويحدد الدخيل أسبابا عديدة تحمل المستأجر على الإقدام على هذا العقد منها:
أن عقد التأجير المنتهي بالتمليك يسهل على المستأجر الحصول على ما يريده بأقساط أجرة مريحة تنقلب فيما بعد إلى ملكه، فهي تفيد أولئك الذين لا يستطيعون شراء السلع بأثمانـها نقداً من ذوي الدخل المحدود، أو من لا يرغب في تجميد أمواله في سلعة واحدة كي يتسنى له تشغيلها في استثمارات متعددة.
قد يلجأ المستأجر إلى مثل هذا العقد كي يقي نفسه من تحمل تبعات تلف وهلاك العين المؤجرة، إن تلفت بغير تعد أو تفريط منه، لأن يده عليها يد أمانة.
عقد التأجير المنتهي بالتمليك يجعل المستأجر - في الغالب - غير محتاج إلى كفيل غارم، فلا يجعل لأحد عليه منةً وفضلاً، لأن هذه العين في ملك البائع وله استردادها، إن لم يلتزم بدفع الأقساط الإيجارية بانتظام.
وقد يلجأ المستأجر إلى التعامل بـهذا العقد أحياناً رغبة منه في تجنب الضرائب التي قد تفرض على المُلاّك في بعض الأنظمة.
ويعتبر الدخيل لجوء المستأجر إلى التعامل بـهذا العقد لأجل الحصول على الحوافز التي تضعها بعض الشركات والمؤسسات على سلعها المؤجرة تأجيراً ينتهي بالتمليك كالصيانة المجانية ونحوها من الأسباب التي تدفعه للإقدام على هذا العقد.

الصعوبات والمشكلات
يضيف الدخيل أن من أهم المشكلات التي يواجهها البائع في حالة فسخ العقد أثناء مدة الإجارة لأي سبب من الأسباب، فإن المؤجر يلحقه ضرر بالغ، وذلك لأجل انخفاض القيمة السوقية للعين المؤجرة "السلعة"، خصوصاً إن كانت من السلع التي لا يحتاج إليها إلا القليل من الناس.
أما أهم المشكلات التي يواجهها المشتري فيما إذا عجز عن السداد، إذ يكون للمؤجر الحق في أن يسترد العين المؤجرة دون تعويض المستأجر بأيّ شيء، بحجة أن ما قبضه المؤجر من المستأجر يعتبر أقساط أُجرة مقابل ما نال من منفعة العين، مع أن المستأجر قد دفع أقساطاً لا تتناسب مع أُجرة المثل، بل تزيد عليها كثيراً، وما حمله على ذلك إلا لأجل ما سيؤول إليه العقد من التمليك في نـهاية العقد، وعندئذ يذهب عليه الثمن والمثمن.

الأكثر قراءة