التلاعب بالمسميات الوظيفية يتيح شغل نصف الوظائف بغير السعوديات
حذر متخصصون في مجال التوظيف من مشكلة التلاعب في المسميات الوظيفية لافتين إلى أنها تسببت في شغل 50 في المائة من الوظائف الموجودة بجنسيات أخرى من غير السعوديات، إلى جانب أنه وسيلة تستغلها الشركات للحصول على تأشيرات عمل في مهن مقصورة على السعوديين، خاصة أن تفتيش مكتب العمل لا يكون بشكل مفاجئ بل إن موعد الزيارة يكون معروفا مسبقا، مما يعطي الشركة الفرصة لإخفاء السلبيات الموجودة التي تقلل من عدد المواطنات الموظفات مطالبين بالتفتيش حتى على الشركات التي حققت النسبة المطلوبة لأن تلك النسبة ترجع في الغالب إلى العدد الكبير في الوظائف الدنيا غير المطلوبة، ويصل عدد المهن المقصورة على السعوديين إلى نحو 100 مهنة من ضمنها مهن الاستقبال، إدارة التوظيف، المحاسبة، والعلاقات العامة، وبحسب نظام العمل فإن أي مسمى مهني لا يعتمد إلا بعد مراجعة الشهادات المؤهلة له من متخصصين بالتصنيف المهني قبل إدراجه في التصنيف، ويتوقع أن يرتفع عدد أعمال التصنيف المهني العربي إلى ثلاثة آلاف عمل بدلا من 1600 عمل فقط كان معتمدا في 2006.
ويقول الدكتور منذر المصري في ورقة عمل قدمها عام 2006 إن التصنيف المهني العربي وضع تعريفاً لكل واحد من مستويات العمل المهني إلا أنه لم يحدد طبيعة الارتباط بينها وبين المراحل والمستويات التعليمية بشكل مباشر يعرف التصنيف المهني، حيث إنه قام بتعريف كل عمل من الأعمال التي تم حصرها بموجب التصنيف المهني المعتمد، وبيان المهام والواجبات المشمولة، وتحديد الموقع الذي يشغله العمل في السلم المعتمد لمستويات المهارة، وهو السلم الذي يتضمن مستويات العمل المهني المختلفة. واعتمد التصنيف المهني العربي خمسة مستويات للعمل المهني هي الاختصاصي والفنّي (التّقني) والعامل المهني والعامل الماهر والعامل محدود المهارات، كما أشتمل التصنيف المهني العربي الذي أصدر في 1989على أربعة قطاعات اقتصادية هي القطاع الزراعي وقطاع الخدمات وقطاع الصناعة والتعدين والإنشاءات وقطاع القوات المسلحة، كما احتوى على ثلاث مجموعات مهنية هي المجموعة المهنية الكبرى Major Group وتشمل عشر مجموعات هي: المشرّعون وكبار الموظفين والمديرون، الاختصاصيون، الفنيون ومساعدو الاختصاصين، الكتبة، العاملون في الخدمات والبيع، العاملون في الزراعة وصيد الأسماك، الحرفيون، مشغلو المصانع والآلات، العاملون في المهن الأولية، والقوات المسلحة. والمجموعة المهنية الكبرى الفرعية Sub-major group، ويتم تقسيم المجموعة المهنية الرئيسة الكبرى إلى مجموعات مهنية فرعية. كتقسيم مجموعة الاختصاصون إلى أربعة أجزاء هي: الاختصاصيون في العلوم الفيزيائية والرياضيات والهندسة، الاختصاصيون في علوم الحياة والصحة، الاختصاصيون في التعليم، الاختصاصيون الآخرون.. والمجموعة المهنية الصغرى Minor group، حيث يتم تقسيم المجموعة الفرعية إلى مجموعات مهنية صغرى كتقسيم مجموعة الاختصاصين في العلوم الفيزيائية والرياضيات والهندسة إلى أربعة أبواب هي: الاختصاصيون في الفيزياء والكيمياء، الاختصاصيون في الرياضيات والإحصاء، الاختصاصيون في الحوسبة. ويشير الدكتور منذر أن ميادين العمل العربية والعالمية شهدت منذ ذلك الوقت تطورات كمية ونوعية كبيرة، وتأثرت بعوامل محلية وإقليمية ودولية عديدة، مما يستدعي جهوداً خاصة للتحديث والتطوير, من مظاهره دخول مهن وأعمال جديدة وخروج أخرى تجاوباً مع المتطلبات التنموية. كما أن متطلبات الاقتصاد المعرفي تدفع إلى تطوّر مضامين المهن والأعمال وما تشتمل عليه من مهام وواجبات ومهارات، واتساع قاعدة هذه المهام والواجبات لتشمل مهارات الاتصال والمهارات العقلية العليا، إضافة إلى مهارات العمل الأساسية، إضافة إلى أن تطوّر دور التعليم غير النظامي والتعلّم الذاتي بشكل عام والتعليم الإلكتروني (الافتراضي) والتعلم عن بعد بشكل خاص لأغراض الإعداد والتأهيل لمستويات العمل المهني المختلفة.. تزيد الحاجة إلى الاختصاصيين والتقنيين (الفنيين) على حساب العمال المهنيين والماهرين ومحدودي المهارات، والانتقال من شكل الهرم التقليدي في مستويات العمل المهني إلى شكل المعين أو الهرمين المتحدين في القاعدة.
في حديثها مع "المرأة العاملة" تقول الدكتورة منال علي - مسؤولة عن حملة لتوظيف السعوديين - إن التلاعب في المسميات الوظيفية تسبب في شغل 50 في المائة من الوظائف بغير السعوديات، وتعرف معنى التلاعب في المسميات الوظيفية بأنه تحويل الوظيفة من وظيفة يمكن شغلها بسعودي إلى وظيفة ذات تخصص نادر لكي تتمكن الشركة من توظيف غير السعوديين والحصول على تأشيرات عمل للاستقدام، فمثلا لو كانت الشركة تحتاج إلى محاسبة فإن عقد العمل يكون بوظيفة مديرة مالية أو محللة مالية ولو كان المطلوب مسؤولة حاسب آلي فإن المسمى يكون خبيرة شبكات أو مديرة تقنية معلومات ولو كانت الوظيفة مديرة تسويق فإن المسمى الوظيفي يكون إخصائية تسويق أو مستشارة, مشيرة إلى أن مكتب العمل لا يطلب وصفا دقيقا لهذه الوظائف وما تستلزمه من خبرات وشهادات ويعرضها على خبراء خارجيين أو خبراء توظيف يملكون خبرة في التقييم الوظيفي ليعرف مدى الحاجة لتلك الوظيفة أو ملائمة الشهادات العملية للمنصب، بل يضيف هذا المسمى للوظائف ذات التخصصات النادرة التي بحاجة لأن تشغل بغير المواطنين وهو ما يزيد التخصصات النادرة يوما بعد يوم. وترى منال علي أن الحل يكمن في الكشف عن مثل هذه التلاعبات وألا تتم الموافقة على مسمى مهنة إلا لو تمت مراجعته من قبل متخصص في تقييم الوظائف, مطالبة بزيادة الجولات التفتيشية المفاجئة لمكتب العمل وليست المعروفة المتعاد مسبقا, وألا تكون نسبة السعودة العالية سببا لعدم التفتيش لأن تلك النسبة العالية تكون بسبب كثرة الموظفات في وظائف دنيا وبرواتب قليلة.
في هذا السياق يرى المستشار الإداري عبد الله بن عبد اللطيف العقل أن مراجعة مكتب العمل الأوصاف الوظيفية العملية الدقيقة والموضوعية لجميع الوظائف، حيث يكون لكل وظيفة مسماها الحقيقي الذي يتناسب مع المؤهلات العلمية لصاحبها ما يقلل من مشكلة التلاعب في المسميات الوظيفية التي تشكل ذريعة للشركة لتوظيف غير المواطنات حتى لو كانت مهام الوظيفة ملائمة لعدد من خريجات الجامعة اللاتي لا يجدن عملا، مشيرا إلى أن الوصف الوظيفي الدقيق ووضع سلم متوازن للرواتب. إحدى التحديات التي تواجه الشركات العالمية قد تؤدي لضعف التنظيم وخلل البنيان الداخلي للشركة ولكن في بعض الشركات يصبح هذا المسمى وسيلة للتحايل والتلاعب ضد توظيف الكوادر الوطنية، لذا فمن الضروري ألا يتم اعتماد أو الموافقة على أي مسمى قبل موافقة خبراء في التقييم الوظيفي الذين يحددون حاجة المسمى ونوع الشهادات العلمية التي تتناسب معه، مؤكدا أن تصميم هيكل تنظيمي سليم تتوزع فيه المهام والواجبات والمسؤوليات بشكل سلس ودقيق بين جميع الأقسام والعاملين فيها، ويحقق المرونة والسرعة والدقة والرقابة في إنجاز وتقديم مختلف الخدمات بأعلى كفاءة وأعلى جودة أحد أسباب نمو الشركات ونجاحها.
ويرجع الدكتور حسن عبد الله باهديلة مدير المالية والموارد البشرية في إحدى المؤسسات السبب في انتشار ظاهرة التلاعب بالمسميات الوظيفية إلى حداثة النظام الإداري خاصة لدى قطاع السيدات وافتقاد الشركات جهة ثالثة تحكم على صحة المسمى والشهادات التي يحتاج إليها، مؤكدا أن التلاعب بالمسميات يعطي فرصة لشغل 50 في المائة من الوظائف بغير السعوديات بسبب ندرة التخصصات الجامعية المؤهلة للفتيات لوظائف متخصصة, قائلا: إن تلك الظاهرة تنتشر بصورة كبيرة في الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات المالية، مطالبا وزارة العمل بأن تراقب مثل تلك المسميات الوظيفية وهل تتلاءم شهادات ومؤهلات الموظفين فيها مع المسمى أم أنها مجرد اسم أكثر تخصصا يسمح بالاستقدام والتوظيف رغم أن المهام الوظيفية له مشابهة لمسمى وظيفي مقصور على السعوديين.
وحصر باهديلة أسباب هذا التلاعب في غياب الإفصاح في النواحي الوظيفية والإدارية وقال "طيلة فترة عملي لم يقابلني مفتش من وزارة العمل يسأل عن مؤهلات الموظف المعين في إحدى الوظائف".
ورأى أن الحل يكمن في وجود مفتشين على مستوى عال من الكفاءة، إضافة إلى ضرورة ربط مكاتب العمل والشركات والمؤسسات بقاعدة بيانات مكتملة تتضمن عدد الموظفين والوظائف التي تحتاج إليها المنشأة والوصف الوظيفي للوظائف والتنظيم الإداري الخاص بكل شركة على أن يقوم مفتشو وزارة العمل بتدقيق ومراجعة المؤهلات الخاصة بكل وظيفة.