كيف تتعلم الشركات وتطور ذاتها؟

كيف تتعلم الشركات وتطور ذاتها؟

تحدثتم في إحدى استشاراتكم عن إدارة المعرفة KM دون ذكر تعلم المنظمات، علما بأن الكثير من الكتاب يتحدثون عنهما، فهل تعلم المنظمات يختلف عن إدارة المعرفة؟ وهل يمكن إلقاء الضوء على تعلم المنظمات، وأهميته؟ وهل تم عمل دراسات أو بحوث في الشركات العربية أو الخليجية؟
حسين العلي
إدارة التطوير – شركة مساهمة
التعلم هو أساس اكتساب المعرفة والتغيير والتحسين المستمر، سواء للأفراد أو للمؤسسات، ويعتبر مفهوم وتقنية تعلم المنظمات من الأساليب الجديدة التي طورها مجموعة من المتخصصين في السلوك التنظيمي والعلوم الاجتماعية وإدارة الأعمال إيمانا منهم بأن المنظمات الناجحة هي المنظمات القابلة للتعلم وبشكل مستمر.
تعلم المنظمات ليس إدارة معرفة
يعتبر تعلم المنظمات Learning Organization أحد المفاهيم المتطورة والحديثة في مجال الإدارة والأعمال، وهو يختلف عن إدارة المعرفة KM والذي تحدثنا عنه في إحدى استشاراتنا السابقة، غير أنه كمفهوم إداري يتكامل مع إدارة المعرفة ورأس المال البشري واقتصاد المعرفة، وهي جميعا مفاهيم وتقنيات في التطوير التنظيمي تسعى إلى زيادة فاعلية المنظمات.
تعريف تعلم المنظمات
يرى كرس أرجيرس (1977) تعلم المنظمات بأنه
الاستنتاج وتصحيح الأخطاء ويعرفه فيول ولايلز (1985) بأنه عملية تحسين الأعمال من خلال المعرفة والفهم الأفضل، ويرى دودجسون بأن المنظمة المتعلمة هي شركة تبني التراكيب بشكل هادف واستراتيجي، لتحسين زيادة التعلم التنظيمي.
تعلم المنظمات عند بيتر سنج
يعتبر بيتر سنج P.Sing من أبرز من كتب عن تعلم المنظمات في التسعينيات ويعرف سنج 1990منظمة التعلم بأنها "المنظمة التي يعمل بها الجميع بشكل مستقل أو متعاون على تطوير قدراتهم من أجل تحقيق النتائج التي يرغبون فيها وهي تسعى إلى تطوير أنماط جديدة للتفكير وتضع لها مجموعة من الأهداف والطموحات الجماعية، حيث يتعلم أفرادها باستمرار كيف يتعلمون بشكل جماعي"، ويرى بيتر سنج في كتابه القيم عن التعلم التنظيمي (الحقل الخامس للمعرفة).
The Fifth Discplineيعرف منظمة التعلم بأنها هي التي توسع قابلياتها باستمرار لصنع مستقبلها. ففي هذه المنظمة لا يكفي البقاء فقط، بل لا بد من أن تتعلم كيف تستطيع البقاء والاستمرارية ، وحتى تكون المنشأة هكذا لا بد أن تجمع بين التعلم التكيفي Adaptive Learning والتعلم التوليدي Generative Learningوذلك من أجل تعزيز دورها وقابليتها على الإبداع والابتكار ، لأن العملية التوليدية تقود إلى إعادة التأطير الشامل لخبرات المنظمة والتعلم من عمليات المبادرة والتجريب.
منظمة التعلم تعمق المعرفة وتحسن الأداء
مفهوم التعلم التنظيمي يقود لتعميق المعرفة والتحسين والتغيير المستمر فهو يسهم في تحسين الأنشطة من خلال المعرفة والفهم الأفضل، كما أنه عملية توسيع وتعميق المعرفة في إطار ملائم في منظمات التعلم الجديدة ويرى خبراء تطوير وتعلم المنظمات بأن منظمات التعلم الجديدة تعرف بأنها المنظمات التي طورت القدرة على التكيف والتغير المستمر لأن جميع أعضائها يقومون بدور فاعل في تحديد وحل القضايا المختلفة المرتبطة بالعمل.
دورات تعلم المنظمات
يرى كل من أرجيز وشون بأن هناك ثلاث دورات لتعلم المنظمات وهي:
دورة تعليم وحيدة، وتحدث عند اكتشاف الأخطاء وتصحيحها والشركات تظل مستمرة بسياساتها الحالية وأهدافها. طبقا لرأي تعلم دورة واحدة يمكن أن يوازن الأنشطة التي تضاف إلى القدرات أو الروتين الأساس- المعرفي أو المؤسسات - المحددة دون تعديل الطبيعة الأساسية لأنشطة المنظمة.
دورة تعليم ثنائية وتحدث بالإضافة إلى كشف وتصحيح الأخطاء في المنظمة وتوجه الأسئلة وتعدل معاييرها الحالية، والإجراءات، والسياسات، والأهداف. ودورة التعليم الثنائية تتضمن تغيير المعرفة الأساسية للمنظمة أو إطار القدرات المحددة أو الروتين.
دورة تعليم مضاعف، وتحدث عندما تتعلم المنظمات كيف تنفذ دورة التعليم الفردية والثنائية. والشكلان الأوليان من أشكال التعليم لن يحدثا ما لم تكن المنظمات مدركة بأن التعليم يجب أن يحدث، لأن القلق المدرك للجهل يحفز التعليم، وهذا يعني تطابق التوجيهات أو أساليب التعلم، والعمليات والتراكيب (عوامل التسهيلات) المطلوبة للترويج للتعليم.
أنواع التعلم التنظيمي عند بيتر سنج
يصنف بيتر سنج التعلم إلى نوعين وهما:
1- التعلم التكيفي، ويتم بالاستجابة للأحداث التي تواجه الأفراد أو الشركة، وهو يدور حول التقليد أو الاستنساخ للأحداث التي تواجه الأفراد أو الشركة، وهو يدور حول التقليد أو الاستنساخ من الغير، وهو يعتبر في رأي سنج الخطوة الأولى باتجاه منظمة التعلم، لأنه يتطلب الأفكار الجديدة.
2- التعلم التوليدي: وهو التعلم الخلاق ويقوم على الإبداع والطرق الجديدة في البيئة، لذا فهو يوسع قدرات الشركة نحو الفرص المتاحة. ويلاحظ من خلال هذه التصنيفات أن الشركات كلها تتعلم وتسعى من أجل التعلم ، ولكن بعضها أفضل من بعض في عملية التعلم من حيث السرعة والتحول إلى قيم حقيقية في الشركة، كما أن الشركات تتعلم من مصادر خارجية بشكل استنساخي قائم على التقيد بهدف اللحاق بالآخرين . لكن التعلم الأهم هو الذي يساعد الشركة على تغيير افتراضاتها ومبادئها وأسس أعمالها .
خصائص التعلم التنظيمي
يرى سنج أن خصائص المنظمة المتعلمة تتمثل في الجوانب التالية:
العمل وفق نماذج عقلية MentAL MODELS ويعني أن الفرد في المنظمة عليه أن يتخلى عن أساليبه التقليدية في التفكير.
التفوق أو البراعة الشخصية Personal Mastery: القدرة على التصرف الذاتي والانفتاح على الآخرين والتفاعل معهم في إطار عمل الفرق.
التفكير عن طرق النظم و Systems thinking هو أن يتعلم كل فرد كيف تعمل المنظمة في إطارها العام.
الرؤية المشتركة Shared Vision وتعنى أن يعمل الجميع وفق رؤية مشتركة وواضحة وخطة عمل يتفق عليها مسبقا.
التعلم عن طريق الفرق Team Learning: وتعني التعلم بشكل جماعي من أجل تحقيق الخطة المقررة.

مراحل تعلم المنظمات
اقترح بعض خبراء تعلم المنظمات مراحل تمر بها المنظمات أثناء تعلمها وتتمثل في المراحل التالية، حسب نموذج هوبرHuber في عام1991:
مرحلة اكتساب المعرفة: ويتم التعلم عندما تتمكن المنظمة من اكتساب المعرفة( البيانات والحقائق والمعلومات ) عن طريق مسح البيئة واستخدام نظم المعلومات من أجل حفظها ومعالجتها والاستفادة منها بواسطة البحوث واستطلاعات الرأي.
توزيع المعلومات: وهي العملية التي تتم فيها نشر المعلومات بين وحدات المنشأة والعاملين فيها عبر طرق متعددة مختلفة وبأساليب رسمية وغير رسمية مثل حلقات التعلم والبرامج الجماعية المنظمة وقنوات الاتصال الرسمية، وكلما زادت المشاركة زادت قيمة وجودة البيانات والمعلومات.
ج- تفسير المعلومات: وهي عملية ترجمة المعلومات بأساليب محددة ومشتركة يعرفها العاملون بالمنشأة وهي ما تعرف بعملية المعرفة الإجرائية.
د- الذاكرة التنظيمية: وهي المخزون الذي يمثل القاعدة المعرفية المشتركة بين أعضاء المنشأة، ويتم تخزين البيانات والمعلومات والمعرفة من اجل استخدامها في المستقبل، وتعتبر ذاكرة المنظمة المعرفية أو معرفة الشركة Corporate Knowledge عنصرا مهما في تعلم المنظمات.
أنواع تعلم المنظمات
هناك عدة تصنيفات لتعلم المنظمات اقترحها خبراء تعلم المنظمات ونود هنا تبني مقترحات بيتر سنج لأنواع تعلم المنظمات وهي:
1-التعلم الفردي: ويتم عندما يكتسب الفرد معرفة جديدة أو يكتشف مشكلات ويقوم بتصحيحها عن طريق التغيير في السلوك والافتراضات لزيادة قدراته الاستيعابية.
2-التعلم الفرقي : ويتم تعلم فرق العمل والمجموعات من خلال اكتساب المعرفة والعمل عن طريق مشاركاته ونقلها بصورة صحيحة لجميع أعضاء الفريق أولا ثم للمنشأة.
3-التعلم التنظيمي: ويتمثل في الحالة التي يتم فيها تبادل المعرفة والمعلومات والخبرات بين الأفراد بغض النظر عن مستوياتهم الوظيفية ويتم وفق تغيير في الإجراءات والأنظمة والسياسات التي تعوق عملية التعلم وتتسبب في المشكلات، ويتمثل نجاح المنظمات في تبادل المعلومات والمعرفة والاستفادة منها بشكل سريع ومفيد لتحقيق أهداف المنشأة.
كيف يقاس تعلم المنظمات
تستخدم عدة مقاييس كمية ونوعية في قياس تعلم المنظمات للتعرف على فعالية التعلم التنظيمي ومن أهم هذه المقاييس هي:
مقياس تشخيص منظمة التعلم: وقام بتصميمه واتكنس ومارسيك Watkans & Marsic في عام 1999 ويهدف المقياس إلى التعرف على مدى استخدام المنشأة للتعلم ودعمها على ثلاثة مستويات وهي:
- مستوى الفرد.
- مستوى فريق العمل.
- مستوى المنظمة ككل.
والمقياس يسعى للتعرف على مستوى أداء المنظمة من منطلق وجود علاقة بين التعلم التنظيمي ومستوى أداء المنظمة.
مقياس التشخيص الجانبي لمنظمة التعلم، وطورته الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير ASTD في عام 2002.
ويهدف إلى قياس السيرة الجانبية للمنشأة وهو يقيس خمس جوانب في المنظمة وهي (حركية التعلم، وتحول المنظمة، وتمكين العاملين، وإدارة المعرفة، واستخدام التقنية).

دراسات محلية عن التعلم التنظيمي
هناك بعض الدراسات والبحوث الأولية عن تطبيقات تعلم المنظمات في الشركات العربية بشكل عام، وفي المملكة العربية بشكل خاص وهي دراسات أولية، ونحن في حاجة إلى المزيد من البحوث والدراسات المتعمقة.

دراسة دور ممارسة التعلم التنظيمي في مساندة التغيير الاستراتيجي
تمت هذه الدراسة الميدانية على بعض المنشآت السعودية للدكتورة نادية حبيب نشرت في مجلة الإدارة العامة الصادرة عن معهد الإدارة العامة في الرياض، في عدد مارس 2004.
وفي هذه الدراسة الميدانية تم تحديد أبعاد التعلم التنظيمي الذي تتم ممارسته في المنشآت السعودية في ثلاث مناطق (الوسطى والغربية والشرقية بعينة كبيرة من قائمة المائة شركات سعودية) وقد صنفت الباحثة الأبعاد بثلاثة تتعلق بالبعد الاستراتيجي، والبعد التنظيمي، والبعد الثقافي، ثم تم التعرف على مدى تأثير التعلم التنظيمي بدعم الإدارة العليا ونوع النشاط الاقتصادي ونوع ملكية المنشأة مقاسا بمبيعاتها ثم تم تحديد عملية التغيير الاستراتيجي في أربع مراحل وهي الاستعداد الدائم للتغيير والتخطيط المستمر للتغيير وتطبيق خطة التغيير والتعلم من خلال التطبيق، ثم دراسة العلاقة بين أبعاد التعلم التنظيمي وعملية التغيير الاستراتيجي، ودراسة ما إذا كان نجاح التغيير الاستراتيجي يتأثر بوجود خطة محددة للتعلم التنظيمي؟
وتتلخص أهم نتائج هذه الدراسة كما يلي:
أولا: إن درجة ممارسة التعلم التنظيمي في الشركات السعودية –حسب العينة-تكون معتدلة أو أقل من معتدلة في منشآت الدراسة.
ثانيا- إن درجة ممارسة التعلم التنظيمي في المنشآت السعودية وفق عينة الدراسة تختلف بدلالات إحصائية واضحة باختلاف درجة دعم الإدارة العليا لعملية التعلم، وتميل للزيادة مع ارتفاع دعم الإدارة تبعا للأوساط الحسابية
ثالثا: إن نوع النشاط الاقتصادي ونوع ملكية المنشآت وحجم المنشآت له تأثير ذو دلالة إحصائية في درجة ممارسة التعلم التنظيمي في هذه المنشآت السعودية –عينة الدراسة.
رابعا: إن قدرة الإدارة على تقديم التغيير الاستراتيجي بنجاح تفوق الدرجة المتوسطة لكل بعد من أبعاد التغيير الاستراتيجي وللتغيير الاستراتيجي بشكل عام.
خامسا: هناك علاقة ذات دلالة إحصائية بين قدرة الإدارة على تقديم التغيير الاستراتيجي في المنشآت السعودية – عينة الدراسة- وبين ممارسة التعلم التنظيمي.
سادسا:إن أفراد الإدارة العليا يرون وجود علاقة واضحة بين البعد الثقافي والقدرة على تقديم التغيير الاستراتيجي بنجاح (83,.) يليها في ذلك العلاقة بين البعد الاستراتيجي وبين القدرة على التغيير الإستراتيجي (97,.) أما البعد التنظيمي فقد احتل الأولوية الثالثة في رؤية الإدارة لمدى علاقته بتقديم التغيير الاستراتيجي (77,.).

مكونات تعلم المنظمات
ومن خلال دراسة مفهوم تعلم المنظمات يمكن حصر مكونات المنظمات المتعلمة بالجوانب التالية:
1-قيم مشتركة: وهي المعتقدات الخاصة بسبب وجود وكينونة المنظمة.
2-النمط القيادي: السلوكيات الخاصة بالمديرين لتحقيق الأهداف.
3-الاستراتيجية: وهي خطة المنظمة الطويلة الأمد لتحقيق رؤيتها المستقبلية.
4-الهيكل التنظيمي : الشكل التنظيمي للأدوار والمسؤوليات والعلاقات التنظيمية والأقسام والوحدات الإدارية وكيفية الربط وتوثيق العلاقة بينها.
5-الموارد البشرية: خصائص ومزايا العاملين في المنشأة.
المهارات: القدرات والقابليات والمهارات الخاصة بالموارد البشرية.
7 -النظم المستخدمة: الأساليب والطرق المستخدمة في المعلومات وتداولها ونشرها.
8-فرق العمل: أنواع فرق العمل في المنظمة. ويوضحه الشكل (1)

رئيس آفاق الإبداع والجودة للتدريب
[email protected]
فاكس 4615653

الأكثر قراءة