رد الفائض التأميني دليل إثبات العلاقة التعاقدية.. تجارية أم تكافلية؟
أرجع الدكتور محمد علي القري أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري، إلى طبيعة العلاقة بين المؤمن وبين الشركة، فإذا كانت علاقة ضمان مقابل أجر فهو تأمين تقليدي، وإذا كانت العلاقة اشتراكا في وعاء فيه مجموعة من المشتركين وتديرها شركة التأمين لصالحهم فهو التأمين التعاوني المشروع. وبين الدكتور القري أن مسألة رد الفائض التأميني يمكن أن تكون قرينة على طبيعة العلاقات التعاقدية بين أطراف العملية التأمينية إن كانت تجارية أو تكافلية، ما يعني أن عدم توزيع الفائض التأميني على المشتركين يقدح في إسلامية شركة التأمين.
وفصل الدكتور القري طبيعة العلاقة بين المشترك وصندوق التكافل، بأنه إذا كان الصندوق ملكا للمدير والعلاقة التعاقدية هي بين المؤمن والمدير على سبيل الضمان، لم يكن لتوزيع الفائض على مجموع المشتركين أي مستند تعاقدي، أما إذا كانت مهمة شركة التأمين هي الإدارة وأن صندوق التكافل "تابع" للمشتركين على سبيل الملك أو غيره كان توزيع الفائض عليهم نتيجة طبيعية، وفقدانه يؤدي إلى اهتزاز هذه التبعية حتى يقترب النظام إلى أن يكون تجارياً.
الفائض التأميني
وفيما يتعلق بالمأخذ الأساس على التأمين التجاري، يقول القري إن عقد التأمين التجاري عقد معاوضة يدفع المؤمن بموجبه "ثمناً" مقابل التزام شركة التأمين بتعويضه عن الضرر في حال وقوع المكروه المؤمن ضده (كالموت والعجز واصطدام السيارات). إلا أنه عقد معاوضة يشوبه كثير من الغرر والإجماع على أن الغرر مفسد لعقود المعاوضات ولكن لا سبيل لنزعه من التأمين أو إلغائه لأن التأمين بطبيعته يتعلق بأمور احتمالية تقع في المستقبل الذي هو في علم الغيب، مشيرا إلى أن المخرج الذي تبناه المجتهدون للخروج من هذا الحرج هو نقل عقد التأمين من مجال المعاوضات إلى مجال التبرعات.
ومعلوم أن الغرر غير مفسد لعقود التبرعات فلم يعد المشترك يدفع ثمناً مع عقد معاوضة ولكنه يدفع مبلغاً على سبيل التبرع لصندوق التكافل.
نظام التأمين التعاوني
وبحسب الدكتور القري فإن نظام التأمين التعاوني (نظام التكافل أو التأمين الإسلامي) يقوم على وجود مجموعة أشخاص يلتزم كل منهم بدفع اشتراكات دورية تودع على سبيل التبرع في صندوق له ذمة مالية مستقلة، تديره شركة تأمين مرخص لها على أساس الوكالة بأجر ثم يجري من قبل الشركة تعويض كل مشترك (حامل الوثيقة) من ذاك الصندوق عن الضرر الواقع عليه بفعل حدث محدد في وثيقة التأمين وبالشروط المتفق عليها بين المشترك والشركة ويسمى هذا الصندوق "صندوق التكافل".
صندوق التكافل
وتتكون موارد صندوق التكافل من مبالغ الاشتراكات التي يقدمها حملة الوثائق (أقساط التأمين) على سبيل التبرع واحتياطيات الحساب وعوائد استثمار الأموال في الصندوق والتعويضات والعمولات الواردة من معيد التأمين والاحتياطيات النظامية والتعويضات المستردة والقرض الحسن من المدير إن وجد، وتتكون مصروفاته من مبالغ التعويض التي تدفع لحملة الوثائق ورسوم الإدارة التي تتقاضاها شركة التأمين (المدير) والرسوم التي يتقاضاها مدير الاستثمار وأقساط إعادة التأمين والمصروفات المباشرة المتعلقة بالصندوق والفائض الموزع وأقساط رد القرض الحسن إن وجدت ونصيب الوكيل من أرباح الاستثمار (إن وجد).
الفائض
وبين الدكتور القري أن معنى الفائض في مصطلح التأمين هو الفرق بين الإيرادات والمصروفات في صندوق التكافل عند نهاية العام المالي، فإذا زادت الإيرادات عن المصروفات كان الفائض إيجابياً وإذا كان عكس ذلك كان الفائض سلبياً بالتعريف المحاسبي، مشيرا إلى أن الأصل في صندوق التكافل أن يكون متوازناً يعني أن تساوي إيراداته مصروفاته ويتحقق هذا التساوي نتيجة دقة تحديد مبلغ الاشتراك من قبل القائمين على الشركة بناء على الحسابات الاكتوارية وعمل خبراء التأمين underwriters بحيث تكفي موارد الصندوق لدفع التعويضات والمصروفات الإدارية من دون أي شيء يفيض عن ذلك ولكن هذا لا يحدث إلا نادراً.
وأرجع الدكتور القري أسباب وجود الفائض إلى عدة أمور ذكر من أهمها:
مهارة عمل خبراء التأمين وقدرتهم على قياس المخاطر بشكل دقيق، النفقات المترتبة على صندوق التكافل وكلما نجح المدير في ضغط هذه النفقات كان مظنة توليد فائض، توظيف أموال الصندوق في استثمارات ذات عائد متميز ضمن مستوى المخاطر المسموح به مما يزيد من معدل الفائض، إضافة إلى أن حجم الصندوق وطريق تحديد مبالغ الاشتراكات فكلما كان حجم الصندوق كبيراً كان مظنة توليد فائض، وكذلك إذا حددت الاشتراكات عند الحد الأعلى كان ذلك حرياً بإيجاد فائض في نهاية الفترة.
وقال: "إذا تحقق فائض ـ وهي الحالة الغالبة ـ فلمن يكون هذا الفائض؟".
#2#
من يملك صندوق التكافل؟
وردا على سؤال من يملك صندوق التكافل؟ يقول الدكتور القري إنه لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا بعد تحديد الوضع القانوني لصندوق التكافل، وخاصة ملك من هذا الصندوق؟ للوضع القانوني لصندوق التكافل جوانب بعضها مما اتفق عليه خبراء التأمين التعاوني وبعضها هو محل اختلاف بينهم وتباين في الرأي.
أما المتفق عليه فهو استقلالية الصندوق عن (الشركة المدير) من حيث تمتعه بذمة مالية خاصة به يتحمل بموجبها الالتزامات ويمتلك الحقوق، ولا يؤثر في هذا الاستقلال حقيقة أن الصندوق ـ في أكثر التطبيقات ـ لا يتمتع بالشخصية الاعتبارية ولا الكيان القانوني المستقل عن الشركة، و(إنما يدار على صفة حساب لدى الشركة المدير).
ويعد هذا الاستقلال المالي أحد المعالم الرئيسة لنظام التأمين التعاوني إذ إن صندوق (أو حساب) رسوم التأمين (البريميوم) في شركة التأمين التقليدية (نظام التأمين التجاري) لا يستقل ولا ينفصل عن أموال ملاك الشركة (حملة الأسهم) فذمة الصندوق مضمومة إلى ذمة الشركة، والالتزام بالتعويض مضمون برأسمال الشركة نفسها. أما في التأمين التعاوني فالمخاطر يغطيها الصندوق وليس أموال حملة الأسهم للشركة المدير.
أما فيما يتعلق بالجوانب التي هي محل الاختلاف في الرأي بين خبراء التأمين التعاوني فهي متصلة بعلاقة المشتركين في هذا الصندوق، هل يملكون الصندوق؟ لا ريب أن المصدر الأساس للأموال في هذا الصندوق هو اشتراكات المؤمنين (المؤمن لهم) ولكنها دفعت على سبيل التبرع فهل يترتب على دفع هذه الاشتراكات ملكية مشتركة للمؤمن لهم لهذا الصندوق؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فما هو مستند القول إن الفائض مستحق لحملة الوثائق؟
وزاد قائلا: "الذي نميل إليه ونرجح صوابه هو الرأي الثاني، فما يدفعه المشترك ليس هبة محضة، ولكنها هبة ثواب، وهي تبقى من جنس التبرعات وليس المعاوضات". وأضاف: "لهذا التخريج للعلاقة بين المشتركين والصندوق أهمية بالغة في تحقيق مشروعية نظام التأمين التعاوني لأن الاعتراض الأساس على نظام التأمين التجاري أنه يقوم على "المعاوضة" إلا أنه عقد معاوضة فيه غرر فاحش مفسد له".
والغرر مصاحب للتأمين بشتى صوره لأنه يتعلق بأمر محتمل الوقوع لكن المشروعية تتحقق لنظام التأمين إذا نقلنا العلاقة بين المشترك والصندوق من مجال المعاوضات إلى مجال التبرعات.
والإجماع على أن الغرر غير مفسد لعقود التبرعات، قال ابن العربي في أحكام القرآن: "وما الثاني وهو العقد المطلق المجرد من العوض كالوصية والهبة والنذور فإنه يرد على الحمل لأن الغرر فيه غير منتفٍ إذ هو تبرع مجرد فإن اتفق فبها ونعمت وإن تعذر لم يستضر أحد".
طرق التصرف بالفائض في التطبيقات المعاصرة
اختلفت طرق التصرف بالفائض في صندوق التكافل في التطبيقات بناء على سياسة شركة التكافل أحياناً، وبناء على نصوص القوانين المنظمة لعمل التكافل في أحيان أخرى، ومن النماذج على ذلك:
ـ توزيع الفائض كله إلى حملة الوثائق: وهذا الأصل مطبق لدى العديد من شركات التكافل ولا نعلم بوجود قانون يلزم هذه الشركات به.
ـ رصد الفائض محاسبياً لصالح حملة الوثائق مع قصر الاستفادة منه على الحسم من مبلغ الاشتراك في الفترة التالية، وفي حال عدم تجديد الاشتراك يدفع إليه نصيبه من الفائض.
ـ استخدام الفائض لتسديد القرض الحسن المقدم من "الشركة المدير" إلى صندوق التكافل، وهذا في الحالات التي يوجد فيها مثل ذلك القرض.
ـ توزيع جزء من الفائض إلى حملة الوثائق، أما الجزء الآخر فيجري التصرف فيه على عدة أوجه مثل: رفعه على صفة احتياطيات لتقوية المركز المالي لصندوق التكافل تتراكم إلى حد معين ثم يبدأ توزيع الفائض كله لحملة الوثائق، أو يحصل عليه المدير على سبيل المكافأة الإضافية وفي هذه الحالة وجدنا الشركات تتبنى نسب توزيع متباينة، وكلما زاد ما تقتطعه الشركة من مبلغ الاشتراك على سبيل الأجرة انخفض ما تقتطعه من الفائض على سبيل الحافز. فنجد من الشركات أنها تقتطع 1 في المائة من مبلغ الاشتراك على سبيل الأجرة على الإدارة، و75 في المائة من الفائض على سبيل المكافأة ومنها من يقتطع 30 في المائة من مبلغ الاشتراك و30 في المائة من الفائض وبينهما نسب مختلفة.
التصرف بالفائض في لائحة شركات التأمين السعودية
أشار الدكتور القري إلى أن اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني بشأن توزيع الفائض نصت: "..على أن يتم توزيع 10 في المائة للمؤمن لهم مباشرة أو بتخفيض أقساطهم للسنة التالية وترحيل ما نسبته 90 في المائة إلى قائمة دخل المساهمين". فإذا افترضنا سلامة العلاقات التعاقدية الأخرى، يعني أن الشركة مدير يدير صندوق التكافل على أساس الوكالة وأن هذا الصندوق "تابع" للمشتركين، فإن النص المذكور أعلاه يترتب عليه أن أجرة الوكيل هي هذه الـ 90 في المائة من الفائض إذا ليس له أن يقتطع من مبلغ الاشتراك شيئاً والإشكال في هذا أن الفائض لا يعرف إلا في نهاية المدة فتصبح الأجرة مجهولة بل ربما تحصل وربما لا تحصل.
وعلاقة الشركة بالصندوق أنها مدير مأجور فأضحى عقد العوض فيه مجهولا والأصل أن ما يحصل عليه المدير من الفائض إنما يكون على سبيل الحافز والمكافأة, أما أجرته على الوكالة وإدارة صندوق التكافل فيجب أن تكون معروفة ومحددة عند الدخول في العقد. ولذلك وقع الاعتراض على الطريقة المقترحة في اللائحة المذكورة ولعلها في سبيل التعديل والمراجعة.
رد الفائض إلى المشتركين في التأمين التعاوني
وخلص الدكتور محمد القري أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، إلى أن الفيصل بين ما يكون نظام تأمين تجاري وما يكون نظام تأمين تعاوني هو طبيعة العلاقة بين المشترك وصندوق التكافل، فإن كان هذا الصندوق ملكا للمدير والعلاقة التعاقدية هي بين المستأمن وذلك المدير على سبيل الضمان، لم يكن لتوزيع الفائض على مجموع المشتركين أي مستند تعاقدي.
أما إذا كانت مهمة شركة التأمين هي الإدارة وأن صندوق التكافل هو "تابع" للمشتركين على سبيل الملك أو غيره كان توزيع الفائض عليهم نتيجة طبيعية، وفقدانه يؤدي إلى اهتزاز هذه التبعية حتى يقترب النظام إلى أن يكون تجارياً.
مع ملاحظة أن توزيع فائض أمر لا يقتصر على شركات التكافل وإنما تقوم به بعض شركات التأمين التجاري في الدول الغربية وبخاصة في مجال التأمين الصحي، ولكنها تفعل ذلك من غير إلزام عليها, إذ إن طبيعة المعاقدات مختلفة ولذلك فإن مسألة توزيع الفائض بحد ذاته إنما تستمد أهميتها من كونها قرينة على طبيعة العلاقات التعاقدية بين أطراف العملية التأمينية.
فإن كانت حقاً مقرراً لحملة الوثائق وما يأخذ المدير منها هو الأقل لا الأكثر على سبيل الحافز دل ذلك على أن طبيعة العلاقة التعاقدية بين المستأمنين وشركة التكافل هي بالفعل كما يجب أن تكون: مساهمة كل واحد منهم في صندوق للتكافل يدار من قبل الشركة المدير مقابل أجرة مقطوعة متفق عليها.