الرؤية الوطنية المستقبلية للتعاملات الحكومية الإلكترونية
تُمثل الإدارات الحكومية في غالبها هيئات خدمية يحتاج إليها المواطن في مُختلف مراحل حياته، وتحتاج إليها المُؤسسات في أعمالها المُختلفة. وعلى ذلك فإن الطلب على هذه الخدمات لا يتوقف، بل يتزايد خصوصاً مع تزايد عدد السكان ومُتطلباتهم، ومع توسع نشاطات المُؤسسات وأعمالها. ويُعتبر مستوى أداء هذه الخدمات مُؤشراً مهما من المُؤشرات الدولية الخاصة بجاهزية الدول للتقدم، نظراً لتأثير هذا الأداء في مُختلف نشاطات الإنسان وأعمال المُؤسسات وما ينتج عن ذلك من مُنجزات. وقد استُخدم الحل الرقمي في مُختلف دول العالم لتحسين هذا الأداء، وعُرفت الخدمات التي يُقدمها هذا الحل بالحكومة الإلكترونية أو التعاملات الحكومية الإلكترونية. وقد تحدثنا عن بعض جوانب هذا الموضوع في عدد من المقالات السابقة.
المُلفت، وما يبعث على السرور في موضوع التعاملات الحكومية الإلكترونية في بلدنا، التوجيه الكريم لخادم الحرم الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ للجهات الحكومية الخدمية بضرورة إنجاز مصالح المُراجعين بالسرعة القصوى من خلال المواقع الحكومية الإلكترونية على الإنترنت. وقد ظهر هذا التوجيه الكريم كبشارة خير للجميع في الصفحات الأولى من صحفنا المحلية هذا الشهر. ويُمثل هذا التوجيه الكريم رؤية مُستقبلية ينبغي على الجميع مواطنين ورجال أعمال ومسؤولين استيعاب تطلعاتها والعمل معاً على تحقيقها لما فيه خير هذا الوطن وعطائه وتقدمه ومكانته بين الأمم.
يُمكن النظر إلى الرؤية التي يُقدمها التوجيه الكريم من خلال خمسة محاور رئيسة. فهي تُريد أن "تُحرر الإنسان" من أعباء تتطلب وقتاً وجهداً وتنقلاً وانتظاراً وقلقاً ومُتابعة، ليستطيع من خلال ذلك تقديم أداء مهني أفضل في عمله، وليتمتع من خلال ذلك أيضاً بحياة شخصية أكثر راحة ورفاهية. وهي تريد "تمكين المُؤسسات" من تطوير أدائها ونجاحها في أعمالها وإسهامها في التنمية والتطوير الاقتصادي. وتريد إضافة إلى ذلك "تحديث المُجتمع" وتوفير أفضل التقنيات الحديثة لأبنائه لاستخدامها والاستفادة من إمكاناتها. وتسعى الرؤية في تحقيق ما سبق إلى "تطوير الإدارات الحكومية" الخدمية وإجراءاتها في تقديم خدماتها على أفضل وجه مُمكن. وتتطلع الرؤية أيضاً إلى تطوير جاهزية الوطن "للمُنافسة على المستوى الدولي" وتحقيق المكانة التي يستحقها بين الأمم.
إن تحقيق الرؤية التي يُقدمها التوجيه الكريم يحتاج إلى جهد مُشترك من الجميع، فلكل دور ينبغي عليه القيام به. وليست هذه الأدوار مُستقلة عن بعضها بعضاً بل هي مُتشابكة وتحتاج إلى تعاون وشراكة في العمل. فعلى الإدارات الحكومية الخدمية أن تُعيد النظر في إجراءاتها الخاصة وفي إجراءاتها المُرتبطة بالإدارات الأخرى بما يُؤدي إلى تطويرها وتوافقها مع الإمكانات التي تُقدمها التقنيات الرقمية الحديثة. وعلى مُؤسسات التعليم والتدريب تأهيل أبناء المُجتمع، سواء الأفراد العاديين أو العاملين في المُؤسسات المُختلفة، أو الموظفين في الإدارات الحكومية، لاستخدام التقنيات الحديثة على أفضل وجه مُمكن. وعلى المُؤسسات المُتخصصة في التقنيات الرقمية أن تتعاون وأن تضع أفضل الخبرات في تمكين الإدارات الحكومية وفي تمكين برامج التأهيل من تحقيق أهدافها. وعلى الجميع عملياً الاستجابة لهذه الرؤية المستقبلية الواعدة.
إن أداء الأدوار المُختلفة المطلوبة من أجل تحقيق الرؤية المنشودة يحتاج إلى تكامل. وطريق هذا التكامل هو وجود هيئة وطنية عليا تُشرف على جميع الأعمال ذات العلاقة ومتفرغة لها، وتتمتع بالصلاحيات اللازمة لتحقيقها. والأمل إضافة إلى ذلك أن يتمتع جميع القائمين على التطوير بالحماس والإرادة والروح العالية، بحيث يرقى العمل المطلوب إلى مستوى الرؤية المستقبلية الواعدة. ولعل خير ما يُحقق ذلك أن تحظى الهيئة الوطنية المطلوبة بإشراف مُباشر من صاحب الرؤية، خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ، ففي هذا الإشراف روح عالية للجميع وسلطة تقود التنفيذ المطلوب وتحفزه.