مراكز مال تبني صورتها في التمويل الإسلامي على أكتاف التوهج الإعلامي
طالب اقتصاديون على دراية بما يدور في عالم التمويل الإسلامي بالانتباه "للاستراتيجية الإعلامية "التي تقوم بها بعض مراكز المال العالمية عبر بناء "صورة مزعومة" بأنها "حاضنة" للتمويل الإسلامي وهي ليست كذلك على أرض الواقع.
وتحاول بعض مراكز المال أن تبني تلك السمعة على أكتاف التوهج الإعلامي الذي يحيط ببعض أخبارها، دون مراعاة لعامل الشفافية. وأشاروا إلى أن النظام التقليدي تصلب في بعض هذه المراكز الآسيوية، التي تحاول استمالة الأموال الإسلامية، وعليه، فمن الصعوبة عليهم أن يحولوا بنيتهم التقليدية إلى إسلامية خلال فترة وجيزة.
وفي تعليقه على أهمية الإعلام، يقول الدكتور أزنان حسان، الفقيه الماليزي لدى مصرف ماي بنك إنفيستمنت، "من دون شك أن الإعلام هو أحد أعمدة المالية الإسلامية, فبإمكان الإعلام أن يرسم صورة إيجابية أو سلبية عما يدور في المصرفية الإسلامية". وضرب على سبيل المثال كيف صورت وسائل الإعلام بشكل سلبي تصريحات الشيخ محمد تقي عثماني ومدى تأثيرها في سوق الصكوك. وعلى خلاف ذلك، بين المحاضر الأكاديمي كيف رسم الإعلام صورة متفائلة حول استدامة استقرار أركان الصيرفة الإسلامية في خضم الأزمة المالية.
#2#
التأثير الإعلامي
كانت "الاقتصادية" قد اطلعت على تقارير إعلامية يصف بعضها دولا مثل سنغافورة بأنها قادرة على أن تصبح مركزا للتمويل الإسلامي. واللافت للنظر أن تلك "الاستراتيجية الترويجية" ظهرت على السطح منذ ثلاث سنوات وما زالت مستمرة حتى الآن.
وهنا يعتقد جون ساندويك، المدير الإداري لشركة Encore Management السويسرية، أن دولا مثل هونج كونج وسنغافورة والتي تصف نفسها بأنها "الحدث الأكبر القادم" لهذه الصناعة الإسلامية، يعتقد أن هذا الأسلوب "غير عملي". حيث يقول "كان عليهم أن يسعوا إلى وجود معاملات متطابقة مع الشريعة لدى شركاتهم، نظرا لأن حجم هذه المعاملات صغير جدا". أقترح عليهم أن توجه رعايتهم نحو الصفقات الإسلامية الكبرى بدلا من أن توجه تلك الرعاية للمؤتمرات.
معلوم أن دولا شرق آسيوية مثل اليابان وكوريا قد بدأت في استخدام الأدوات الإسلامية إلا أنها لم تروج لأنفسها بأنها ستجعل من عواصمها مراكز للتمويل الإسلامي وهي لم تبن بعد بنية تحتية من التشريعات الإسلامية.
وعندما سئل محيي الدين قرنفل، العضو المنتدب في شركة الجبرا كابيتال، عما إذا كان الإعلام قد أسهم في جعل سنغافورة عاصمة للتمويل الإسلامي قبل التبين من مقدرتها على فعل ذلك من عدمه، يقول: "إنني أتفق مع تلك الآراء التي لا ترى سنغافورة اليوم مركزا للمالية الإسلامية, وأعتقد أنه كان بمقدورهم أن يعملوا أفضل من ذلك, ومن دون شك، فماليزيا أفضل من تلك الناحية". ويواصل "إن سنغافورة عملاقة من حيث النظام التقليدي نظرا للبنية التحتية القوية التي لديها في هذا الخصوص، وعليه فمن الصعوبة عليها أن تحول بنيتها إلى إسلامية بسرعة".
ويتفق ظافر القحطاني، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة دراهم كابيتال، فيما ذهب إليه قرنفل حول سنغافورة, حيث يرى أن تلك المراكز المالية لن تصبح لاعبا أساسيا في صناعة التمويل الإسلامي إلا في حالة إصدارهم التشريعات المستقلة التي تقنن الصيرفة الإسلامية, و هنا يقول "ما دام ليس لديك تشريعات، فأنت لست لاعبا".
مقاييس الريادة
وقدم ساندويك مقارنة بين البنوك المركزية في شرق آسيا وجهودهم المنصبة لتصبح مراكز تمويل إسلامية. حيث يقول "إن الامتحان النهائي لالتزام (تلك البنوك) هو وجود الناس والأموال. فلو أن مؤسسة النقد السنغافورية وضعت جهازاً متخصصاً داخلها يتألف من المحترفين في مجال التمويل الإسلامي لتشجيع مبادرات التمويل الإسلامية، ودفع مبالغ كبيرة في سبيل تغذية ورسملة الموجودات الإسلامية الحقيقية، فإنك تعلم حينئذ أنهم ملتزمون بما يقولون. باستخدام هذا المقياس، فإن هناك بلداً واحداً يجتاز هذا الاختبار، ويجتازه بدرجة عالية من التفوق على أقرانه. هذا البلد هو ماليزيا".
واستعان ساندويك بمثال البحرين، إحدى العواصم الفعلية للتمويل الإسلامي، ومقارنة جهود تلك الدولة الصغيرة بسنغافورة. يقول ساندويك "لقد أنشأت البحرين بنية تحتية للمصرفية الإسلامية تتسم بالمتانة والشفافية، وهي تتحسن يوماً عن يوم. وفي سبيل تحفيز سوق الصكوك أصدرت البحرين عدداً من الصكوك. وهذا يتطلب الشجاعة والالتزام.", وتابع "لكن سنغافورة تقع بعيداً في أسفل القائمة من المراكز المالية الإسلامية الموثوقة، لا لشيء إلا لأنها قامت بالترويج للمنتجات، ولكنها لم تفعل أي شيء يذكر بعد ذلك".
وكانت وكالة كونا قد نقلت عن هينج سوي، المدير العام للمؤسسة النقدية السنغافورية، قوله إن سنغافورة اتخذت خطوات ثابتة منذ عام 2005 لتطوير النظام المالي الإسلامي, مشيرا إلى أن مؤسسة النقد السنغافورية لم تزل تسهم في تطوير هذا النظام من خلال تهذيبها بعض القوانين المصرفية وتحديد إطار لدفع الضرائب لتسهيل عملية تطوير النظام المالي الإسلامية".
مطالبة بالشفافية
من ناحيته, يرى الدكتور أزنان أنه من الضرورة على كل مركز مالي في العالم أن يمشي جنبا إلى جنب مع وسائل الإعلام من أجل تحسين مصداقية السوق وشفافيتها. وأرجع أزنان سبب عدم اقتناع المستثمرين ببعض المراكز المالية في العالم إلى مسألة الشفافية، حيث يقول "إن ذلك يرجع لكون بعض المراكز تقوم بإخفاء ما يجري على الواقع عن وسائل الإعلام، وعليه فكيف تطلب هذه المراكز من هؤلاء المستثمرين تصديق ما يقولونه عن حقيقة وضعهم والناس يشاهدون شيئا مختلفا على أرض الواقع".
ودعا أزنان أن يقوم الإعلام برسالته عبر نقل الحقيقة وإخبار الناس بما يجري على أرض الواقع. حيث يقول "فإذا كان هذا المركز المالي يعاني صعوبات معينة، فإن على الإعلام أن يقومو بدوره ويخبر الناس بما يدور داخل هذا المركز".