البترول أو المعرفة أو كلاهما

بحث منتدى الرياض الاقتصادي الأسبوع الفائت ورقة حول الانتقال من اقتصاد البترول إلى الاقتصاد المعرفي والابتكار. والحقيقة أن هذا الموضوع يراودني منذ زمن طويل فغني عن القول إننا نعتمد في حياتنا على بيع ممتلكاتنا وثرواتنا. والمشكلة أن هذه الثروات تتناقص مقابل عدد سكان يتزايد ففي السعودية يوجد إحدى أكبر نسب التكاثر السكاني في العالم ربما لفحولة الرجل السعودي أو لمحدودية وسائل الترفيه!!
والحق يقال فإن أكثر الدول الثرية والقوية والتي تملك مفاتيح البحث والتطوير والتقنية وعلى رأسها الولايات المتحدة لم تصبح كذلك لأنهم ولدوا بمصابيح داخل أدمغتهم الصغيرة بل لأنهم استغلوا الثروات الطبيعية التي أعطتهم الأرض في سبيل بناء الثروات الطبيعية داخل رؤوسهم. وبيع الثروات الطبيعية ليس المشكلة. المشكلة ماذا نشتري بالمقابل.
وصنع الاقتصاد المعرفي ليس قرارا يصدر أو نظاما يوضع ولكنه عملية وطنية تشبه الدعوة إلى الاستنفار العام. وهي عملية جراحية شاملة لكل مؤسساتنا الحكومية وغير الحكومية. هي أن نرى في كل مؤسساتنا مراكز للأبحاث بحيث يكون لدينا إحصاءات شاملة لكل احتياجاتنا من عدد السكان إلى عدد الفناجيل في كل وزارة!
وخلق الاقتصاد المعرفي يقوم على مرتكزين أساسيين. أولا إنشاء البنية التحتية كالمدارس والجامعات ومراكز البحث وحواضن التقنية بمساهمة القطاع الحكومي والقطاع الخاص. وفي نظري أن هناك توجها جيدا من الجانب الحكومي ولكن هناك ضعفا من جانب القطاع الخاص فلا يزال شراء التقنية أرخص وأكثر ربحية من تطويرها محليا.
المرتكز الآخر والأصعب هو خلق الثقافة التي تجعل الاقتصاد المعرفي قريبا وسهلا وغير متكلفا كالهواء الذي نتنفسه (بعد تنقيته من الغبار)! خلق هذه الثقافة يتم عن طريق تشجيع الباحثين والعلماء وحتى الطلبة ليكونوا كذلك. تكريمهم وتشجيعهم وتقديمهم أبطالا وطنيين مهم جدا ولكن لا يكفي أن نتوقف عند جزاك الله خيرا (أو كروة أهل ..... بلد ما!). فالمثل الأمريكي يقول "لا تذهب عكس طبيعة البشر" فالمبدع يحتاج إلى التكريم والتقدير "وبوسة على خده" ويحتاج أيضا إلى عشرة ملايين ريال في جيبه. طبعا هو يفضل العشرة ملايين على البوسة. (وفي بعض الأحيان هو لا يفضل البوسة أصلا تبعا لمصدرها!). هذا التكريم المادي لا يتم عن طريق توزيع منح يستوي فيها خريج جامعة هارفارد مع خريج جامعة "كل شي بعشرة". ولكن عن طريق حماية الإبداع والابتكار وجعله أحد الطرق الرئيسة للوصول إلى الثراء ورسم الأنظمة بطريقة تجعل المبتكر في مصاف تجار العقار وهوامير الأسهم وإعادة تصميم سلسلة العملية الإنتاجية لدينا بحيث يركز على المرحلة البحثية ويتم تضخيمها.
حلمي - الذي أرجو أن يتحقق - حين يسألني الراكب الأجنبي الذي بجواري في الطائرة من أين أنت فأجيب من السعودية أن يقول "أنت من بلد التقنية" بدلا من أن يقول "you have too much oil".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي