هل حقاً أكملت العجلة دورتها وبدأ الاقتصاد العالمي بالتعافي؟
يسود حالياً شعور عام بأن الاقتصاد العالمي قد تخطى أسوأ مراحله, وأن حدة الأزمة الاقتصادية تبدو أقل مما كان يُعتقد في البداية، خصوصاً بعد أن قامت حكومات الدول المعنية بضخ مبالغ هائلة لتنشيط اقتصادياتها والحيلولة دون انهيار بنوكها. فقد أظهرت الإحصائيات إلتي أصدرتها المفوضية الأوروبية في الأسبوع الماضي أن حكومة الولايات المتحدة وحدها صرفت أو أقرضت أو التزمت بما مجموعه 12.8 ترليون دولار منذ بداية الأزمة. يقابل ذلك 5.3 ترليون دولار لدول الاتحاد الأوروبي الـ 18 ويستدل المتفائلون بعدد من الظواهر التي سوف ألقي الضوء عليها كل على حدة.
1 - أعلن صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي عن توقعاته بأن الاقتصاد العالمي سينمو بمعدل 2.4 في المائة العام المقبل. وهذا يعد مرتفعاً عن المعدل الذي أعلنه الصندوق في نيسان (أبريل) الماضي، الذي كان 1.9 في المائة. إلا أن هذه الأخبار السارة أفسدها في الوقت نفسه تقريباً تصريح لرئيس البنك الدولي ذكر فيه أن الاقتصاد العالمي سوف ينكمش هذه السنة بمعدل 3 في المائة ( وهذا المعدل هو ضعف ما أعلنه البنك قبل شهرين). كما تنبأ رئيس البنك بأن آثار الصدمة سوف تعمل على إبطاء الانتعاش لعدة سنوات. وحتى مدير عام صندوق النقد الدولي نفسه ذكر في تصريح له يوم الإثنين الماضي أن "الأسوأ قادم".
2 - أشار العدد الأخير لمجلة "الإيكونومست" إلى أن "العاصفة الهوجاء التي لم يشهد لها الاقتصاد العالمي مثيلاً منذ عام 1930 قد بدأت تنقشع". كما أوضح الإعلان الأخير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تمثل معظم الدول الصناعية إلى أن المعامل الذي تستخدمه لقياس النشاط الاقتصادي لأعضائها قد ارتفع بنسبة 0.5 في المائة في نهاية نيسان (أبريل). وهذا ثاني ارتفاع شهري له على التوالي. يقابل ذلك معامل سالب خلال الـ 21 شهراً السابقة. هذه الأخبار السارة والمشجعة يعكرها ما يصل إلينا من دول شرق أوروبا وبعض دول البلطيق التي قد تلجأ واحدة منها أو أكثر إلى إعلان إفلاسها والامتناع عن دفع الالتزامات المستحقة عليها.
3 - قيام عشرة من البنوك الأمريكية الرئيسية الـ 19 بإعادة 68 مليارات دولار مضافاً إليها أربعة مليارات دولار كعوائد على هذه المبالغ إلى الخزانة الأمريكية. كما أن أحد البنوك البريطانية بدأ فعلاً بإعادة بعض المبالغ إلى وزارة الخزانة البريطانية. ولا تزال هناك تسعة بنوك أخرى مدينة بمبالغ تصل إلى 100 مليار دولار لم تقم بإعادتها. كما أن المبالغ المستردة سوف تستخدم لضخ رؤوس أموال جديدة لبعض البنوك الأمريكية الصغيرة التي لم تتمكن وزارة الخزانة من مساعدتها في الجولة الأولى.
من جهة أخرى، فإن بعض البنوك التي أعادت المبالغ تدعي أنها قبلت هذه المبالغ في الأساس بناءً على ضغوط من وزارة الخزانة.
4 - أظهر عدد من التنبؤات الجادة أن اقتصادات الدول الصاعدة التي يزيد عددها على 60 دولة منها الصين والهند والبرازيل وروسيا ودول مجلس التعاون تنمو بوتيرة أسرع وبمعدلات نمو قد تصل إلى ضعف معدلات النمو المتوقع للاقتصاد العالمي ككل في العام المقبل. فقد يزيد معدل نموها الاقتصادي على 5 في المائة. كما أن لدى هذه الدول فوائض كبيرة.
فإذا أخذنا الصين على سبيل المثال فإن إحصائيات الشهر الماضي أظهرت أن نموها الصناعي وصل إلى 8.9 في المائة سنوياً مع توقع الحكومة الصينية أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام إلى 8 في المائة.
(ولأولئك الذين يشككون في الأرقام التي تصدرها الحكومة الصينية فإن البنك الدولي تنبأ في آخر إحصائياته بأن ناتجها المحلي الإجمالي سينمو هذا العام بمعدل 7.2 في المائة), إضافة إلى ذلك، في الوقت الذي زادت الصين من استثماراتها الداخلية بمعدل 30 في المائة هذا العام لتنشيط الطلب الداخلي فإن وارداتها انخفضت بمعدل 25 في المائة مما يزيد من الشكوك في قدرتها على لعب دور القاطرة للاقتصاد العالمي.
كما أن الصين في الوقت نفسه تجمع لديها فائض تجاري في أيار (مايو) الماضي يساوي 13.4 مليار دولار وقبله في نيسان (أبريل) 13.1 مليار دولار. والسؤال الذي يمكن أن يطرح هو: كيف نريد من هذه الدول أن تسهم في تنشيط الطلب العالمي وبالتالي تحريك معدلات النمو في الوقت الذي تتراكم لديها الفوائض.
5 - ارتفاع أسعار البترول التي كانت في حدود 35 دولارا في شباط (فبراير) من العام الحالي ووصلت الآن إلى ما فوق 70 دولارا.
أي أنها تضاعفت في أقل من أربعة أشهر (صحيح أنها لا تزال أقل من نصف مستواها أيام قمة النشاط الاقتصادي قبل 18 شهراً إلا أن العالم حالياً يعيش في ظل أزمة اقتصادية أدت إلى معدلات نمو سالبة). لا شك أن جزءاً كبيراً من هذه الزيادة في الأسعار يعود إلى تحسن في الرؤية الاقتصادية. ومثال على ذلك وصلت واردات الصين من البترول في أيار (مايو) إلى أعلى معدل لها منذ أكثر من 14 شهراً.
وقد دعا ذلك التحسن منظمة الطاقة الدولية إلى رفع تقديراتها للطلب على البترول في هذا العام بمقدار 120 ألف برميل في اليوم مقارنة بتقديراتها في الشهر الماضي. كما أن جزءاً آخر من الزيادة يعود إلى نقص المخزون الأمريكي.
وهناك جزء من هذه الزيادة في أسعار البترول يعود إلى الارتفاع العام في أسعار المواد الخام عموماً (الذي قد يكون سببه تحسن توقعات النمو). فإذا ساد الاعتقاد بأن معدلات النمو الاقتصادي سوف ترتفع فمن نافلة القول إن الطلب على البترول سوف يرتفع ومن ثم فإن المضاربين يحرصون على أن يكون في حوزتهم براميل ورقية عندما يرتفع الطلب وتزيد الأسعار خصوصاً أن هناك سيولة في السوق وأسعار الفائدة منخفضة والعائد من الاستثمارات الأخرى منخفض أيضاً.
وخلاصة القول إنه يمكن الاستنتاج أن هناك بوادر تحسن يبدو أكثر وضوحاً في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهما أول دولتين ضربتهما الأزمة الاقتصادية. وقد تمثل هذا النمو في أرقام البطالة أو بمعنى أدق انخفاض عدد الوظائف المفقودة أو عدد من يصرفون من وظائفهم. كما أن هناك تحسنا في أرقام العجز التجاري بالنسبة للولايات المتحدة حيث انخفض هذا العجز إلى مستواه في عام 2001.
إلا أن الحكومات تضخم أي تحسن اقتصادي طفيف وهذا واجبها فهي تريد نشر التفاؤل لعل ذلك ينتشل الاقتصاد من كبوته. إضافة إلى ذلك الكل يريد أخبارا سارة قبل قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى المقرر عقدها في إيطاليا خلال الفترة من 8 إلى 10 تموز (يوليو) من هذا العام.
وهذا واضح من نغمة البيان الختامي لوزراء مالية هذه المجموعة أثناء اجتماعهم قبل أربعة أيام، حيث أشاروا إلى "أن هناك علامات قوية لثبات الوضع - ولم يقولوا استئناف النمو - بما في ذلك التحسن في أسواق الأسهم وانخفاض أسعار الفائدة والنظرة الإيجابية للاقتصاد من قبل قطاع الأعمال".
والمؤمل أن يسهم هذا التحسن إضافة إلى توقعات النمو السريع في الدول الصاعدة في خلق دينامكية جديدة تعمل على تغيير الوضع إلى الأفضل.
إلا أن نهاية الانحدار أو الاقتراب من هذه النهاية ليس معناه بالضرورة استئناف النمو بخطوات متسارعة. فقد واجه العالم أزمتين اقتصادية ومالية. فلو حلت الأزمة المالية وتحسنت أوضاع البنوك فإن الفرد العادي في الدول الصناعية لن يعاود السلوك الاستهلاكي السابق نفسه. فالمستهلك الأمريكي على سبيل المثال كان يصرف أكثر من دخله ويراكم الديون. وقد أسهم هذا السلوك في تحريك الاقتصاد العالمي وزيادة نموه. هذا الوضع يصعب الرجوع إليه خصوصاً أن انخفاض أسعار الفائدة صاحبته قيود إضافية على الإقراض مما جعل تكاليف الاقتراض أعلى من السابق.
الاستنتاجات والتوصيات
1 - سواء استأنف الاقتصاد العالمي نموه أو تباطأ انحداره أو قارب الوصول إلى قاع هذا الانحدار فإن على دول مجلس التعاون أن تستمر في سياساتها الهادفة إلى دعم قطاع البنوك بما في ذلك ضخ مزيد من السيولة وإبقاء أسعار الفائدة منخفضة والإبقاء على قنوات التمويل الميسرة حتى يمكن توفير التمويل اللازم لمشاريع التنمية القائمة والمخطط لها.
فالبنوك الأجنبية مازالت أوضاعها لا تسمح لها بالمشاركة في تمويل هذه المشاريع.
2 - رغم أن معظم الدول الصاعدة خصوصاً الصين والهند والبرازيل تواجه انخفاضاً في أسعار المواد يراوح حالياً بين 3 في المائة إلى 4 في المائة (بالسالب) رغم ارتفاع أسعار البترول إلا أن على دول المجلس أن تتوقع موجة جديدة من صعود هذه الأسعار خصوصاً المواد الأولية. والسبب أن دول مجلس التعاون غير منتجة للمواد الأولية. لذا فإن أي تحسن في النشاط الاقتصادي سيزيد من أسعارها لسببين الأول هو زيادة الطلب الحقيقي والثاني هو زيادة الطلب الناتج عن المتاجرة بها نتيجة لانخفاض الثقة بالعملات الرئيسية.
3 - قبل أن يدور الحديث عن استئناف معدلات النمو لاحظنا أن أسعار المواد الغذائية بدأت ترتفع. فقد ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية إلى مستوياتها في عام 2007/2008. بل إن أسعار فول الصويا والذرة والقمح قد ارتفعت منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي بمعدل 50 في المائة. ويعود السبب في ذلك إلى زيادة الطلب الصيني والتأثير السلبي لموجة الجفاف في أمريكا اللاتينية ونقص التمويل الزراعي للمزارعين في مناطق أخرى نتيجة الأزمة المالية. ولذا فإن على دول المجلس مراجعة برامجها الوطنية الهادفة لتوفير الغذاء بهدف تكثيف وتسريع الجهود في هذا الجانب حتى لا تفاجأ بتطورات السوق.
4 - أثبتت دول المجلس صحة توجهاتها الاقتصادية فيما يخص إصرارها على تنفيذ برامج زيادة طاقاتها الإنتاجية من البترول استعداداً لمواجهة الزيادات المحتملة في الطلب عليه. فهي حالياً تعتبر إلى حد كبير الدول المنتجة الوحيدة التي لديها طاقة إنتاجية قابلة للاستغلال في حالة زيادة الطلب.
كما أن ذلك يظهر مدى التزامها بصحة وسلامة الاقتصاد العالمي عن طريق توفير الوقود اللازم لدوران عجلته وأنها شريك يمكن الاعتماد عليه.