الإبداع والتجديد أساس النجاح والمنافسة للشركات
السؤال: ألاحظ اختفاء بعض الشركات المحلية التي كنا نعرفها من السوق فجأة..
وسؤالي أو أسئلتي هي :
- ما سر نجاح وبقاء أو اختفاء الشركات من السوق ؟
- وما سر بقاء أفضل الشركات العالمية الناجحة هل هو قدرتها على المنافسة أو أسلوب الإبداع الذي تطبقه؟
- هل الإبداع ضروري لكل الشركات الصغيرة والكبيرة ؟!
- هل هناك عوائق لعملية الإبداع والتجديد في شركاتنا المحلية؟
جواهر ص. ع
مستثمرة جديدة
الإجابة: أختي العزيزة: أسئلتك مهمة وعديدة ولعلني أجيب عنها على مرحلتين، أو أكثر .
في البداية أقول إن نجاح الشركات العالمية والمحلية يقف وراءه عدة أسباب يأتي في طليعتها الإبداع والتجديد، والجودة في الخدمات والمنتجات، والتحسين المستمر للمحافظة على بقائها وقدرتها على المنافسة.
وفي تقديري يعتبر الإبداع والتجديد عاملا مهما ورئيسيا بل حاسما في المنافسة للشركات وقدرتها على الاستمرار في السوق ،والدليل على ذلك بقاء شركات مبدعة مثل مايكروسوفت وتويوتا وجنرال إليكترك وسوني وسامسونج ونوكيا وغيرها من الشركات العالمية المجددة في منتجاتها وتقنياتها وأساليب أعمالها.
الإبداع موهبة إنسانية
الإبداع في تقديري موهبة وقيمة وخصيصة إنسانية تعتمد على ذكاء ودافعية الأفراد ومواهبهم، وليس كل فرد معني بها، ولهذا يحتاج إلى اهتمام وعناية وإخلاص في المجالات كافة، والأعمال والتجارة أحدها.
مفهوم الإبداع والإبتكار Creativity & Innovation
يعرف الإبداع Creativity بأنه تقديم شيء جديد أو استخدام أساليب أو أفكار أو تقنيات جديدة، كما أنه يهتم بالأفكار الجديدة والمفيدة والمتصلة بحل مشكلات معينة أو تجميع وإعادة تركيب الأنماط المعروفة من المعرفة في أشكال فريدة.
والإبداع مصطلح يبرز في الفن والأدب أكثر من غيره ، لكن الإبداع بصفته تقديم الجديد في الشكل أو المضمون أو الأساليب والتقنيات يستخدم في حقول المعرفة الأخرى كالإدارة والأعمال والصحافة والإعلام وغيرها. أما الابتكار Innovation فيعني تحويل الأفكار الإبداعية والتطويرية إلى تطبيق عملي كتطبيق الأساليب والتقنيات الإدارية والتقنية والبرامج والمنتجات .
ويرى بعض الباحثين أن « الإبداع ليس إلا رؤية الفرد لظاهرة ما بطريقة جديدة « لذلك يمكن القول إن الإبداع يتطلب القدرة على الإحساس بوجود مشكلة تتطلب المعالجة ومن ثم القدرة على التفكير بشكل مختلف ومبدع ومن ثم إيجاد الحل المناسب.
مستويات الإبداع
كل إنسان منا لديه نسبة من الإبداع في شخصيته، وتختلف هذه النسب حسب الذكاء والاهتمام والدافعية والميول والتوجيه والتشجيع والتحفيز والبيئة .
وقد أظهرت دراسات وبحوث الإبداع الحديثة مستويات عديدة منها:
1/ الإبداع على المستوى الفردي :بحيث يكون لدى العاملين دافعية إبداعية خلاقة لتطوير العمل وذلك من خلال خصائص فطرية يتمتعون بها كالذكاء والموهبة أو من خلال خصائص مكتسبة كحل المشكلات مثلا ،وهذه الخصائص يدعمها التدرب عليها وينميها ويساعد على ذلك ذكاء الفرد وموهبته.
2/ الإبداع على مستوى الجماعات: بحيث تكون هناك جماعات محددة في العمل تتعاون فيما بينها لتطبيق الأفكار التي يحملونها وتغيير الشيء نحو الأفضل كجماعة فنية في قسم الإنتاج مثلا.
3/ الإبداع على مستوى المنظمات: فهناك منظمات متميزة في مستوى أدائها وعملها وغالبا ما يكون عمل هذه المنظمات نموذجيا ومثاليا للمنظمات الأخرى ،وحتى تصل المنظمات إلى الإبداع لا بد من وجود إبداع فردي وجماعي.
الإبداع على مستوى المنظمات
تشير دراسات إلى أن الإبداع على مستوى المنظمات يتمثل في جانبين هما:
1- الإبداع الفني: بحيث يتعلق بالمنتج سواء السلع أو الخدمات ،ويتعلق بتكنولوجيا الإنتاج أي بنشاطات المنظمة الأساسية التي ينتج عنها السلع أو الخدمات.
2- الإبداع الإداري: ويتعلق بشكل مباشر بالهيكل التنظيمي والعملية الإدارية في المنظمة، وبشكل غير مباشر بنشاطات المنظمة الأساسية.
مستويات الحلول الإبداعية للمشكلات
يعنى الإبداع في حل المشكلات وتقديم بدائل جديدة تساهم في تحسين الأداء والخدمات والإنتاجية. وتعتبر الطريقة الروسية لنظرية الحل الإبداعي للمشكلات المعروفة باسم TRIZ والتي طورها المهندس الروسي ج. التشولرALtshuller G. في عام 1946 من أهم الطرق العالمية وتستخدم في عديد من الشركات المتقدمه في العالم، حيث صنف التشولر الحل الإبداعي للمشكلات بعد دراسة نحو 40 ألف براءة اختراع إلى خمسة مستويات هي:
- المستوى الأول: حلول روتينية تستخدم فيها الطرق المعروفة داخل الاختصاص ولا تحتاج إلى اكتشاف وتغطي 32 في المائة من إجمالي الحدود.
- المستوى الثاني: تحسين بسيط في النظام الحالي ، مشكلات تحل بالطرق المعروفة ولكن على نطاق واسع من الاختصاص داخل نطاق الصناعة وتحتاج إلى شيء من القبول وهذا المستوى يغطي 45 في المائة من إجمالي الحلول.
- المستوى الثالث تحسين أساسي في النظام الحالي ويحتاج إلى طرق معروفة في خارج نطاق قطاع الصناعة وتحتاج إلى حل المتناقضات أو الفجوات، وهذا المستوى يغطي 18 في المائة من إجمالي الحلول.
- المستوى الرابع وهو خلق جيل جديد للنظام الحالي واستخدام مبادئ أداء جديدة للنظام الحالي وهذا النوع من الحلول يحدث في مجالات العلوم أكثر منه في مجالات التكنولوجيا ويغطي نحو 4 في المائة من إجمالي الحلول.
- المستوى الخامس وهو يمثل الاكتشافات العلمية الجديدة أو ابتكار جوهري لنظام جديد تماما وهذا المستوى يغطي فقط 1 في المائة من إجمالي الحلول.
الإبداع الإداري والتنظيمي
نوع من الإبداع المركز في مجال الإدارة أو الإبداع التنظيمي ويعني تقديم شيء جديد أو قيمة مضافة سواء في الفكر الإداري أو الأساليب والتقنيات أو تحويل الأفكار الإدارية إلى منتجات أو خدمات جديدة تضيف قيمة ومعنى أو تكون قابلة للتطبيق وفي خدمة المستفيدين، سواء تقديم خدمات متميزة وجديدة ترضي العملاء والمستفيدين، وتسعدهم في وقت تقديمها أو نوعيتها، أو سلع أو منتجات جديدة كالمنتجات الصناعية كما نراها في برامج الكمبيوتر أو أنواع الجوالات أو السيارات أو العطور أو أنواع الأطعمة والحلوى أو الملابس ومقتنيات البشر.
والإبداع الإداري والتنظيمي لا يمس الأساليب والمنتجات والتقنيات وإنما يتناول الأساليب الإدارية والتنظيمية لأن الإبداع الحقيقي يمر بمراحل متكاملة تبدأ من أسلوب الإدارة والأنظمة إلى الاستراتيجيات والسياسات والإجراءات ثم الخدمات والمنتجات والأساليب والتقنيات والسلوك التعاملي مع العاملين والعملاء المستفيدين.
الإبداع في المنتجات والخدمات
الإبداع الإداري والتنظيمي ينعكس على تقديم الجديد في الخدمات والمنتجات وأسلوب أو طريقة الشركة أو الجهاز في تقديم خدماتها ومنتجاتها وعمليات الإنتاج أو أسلوب التعامل مع المستفيدين ونظم العمل وسرعة تقديم الخدمة ومتابعة ما بعد الخدمة أي جودة الخدمة والمنتج ومتابعة تقديم خدمات ما بعد الخدمة أو البيع، ويمكن النظر إلى أساليب البيع والخصم على الأسعار أو تسهيل تقديم الأقساط كما لدى بعض شركات السيارات، أو تطوير منتجات جديدة مثل سيارات لكزس أو أجهزة الوكمان Wakman من شركة سوني أو منتجات برامج شركة ميكروسوفت Microsofit أو جوالات نوكيا المتعددة والمتنوعة أو أساليب محطات الأخبار وسرعتها كمحطة السي إن إن CNN أو فوكس نيوز FoxNews أو العربية والجزيرة. والصحافة مثل صحيفة «الاقتصادية» وصحيفة «الوطن». كما نجد في بعض منتجات شركات الألبان والعصائر السعودية مؤشرات إبداع جديدة استطاعت من خلالها المحافظة على حصتها في السوق السعودية والخليجية مثل شركات الصافي والمراعي ونادك.
الإبداع أساس للمنافسة
إن الإبداع والتجديد في شركات الأعمال يمثل اليوم أحد أهم الأسس البنائية للمزايا التنافسية والجودة على المدى الطويل، ويمكن النظر إلى المنافسة كعملية موجهة بواسطة التجديد والإبداع،على الرغم من أن كل عمليات الإبداع لا يتحقق لها النجاح، لكن العمليات التي تحقق النجاح يمكن أن تشكل مصدرا رئيسيا للمزايا التنافسية،لأنها تمنح المنظمة شيئا متفردا وشيئا يفتقر إليه منافسوها يسمح بالتفرد للمنظمة بتمييز نفسها ويشعرها باختلافها عن غيرها، فضلا عن فرض أسعار عالية لمنتجاتها أو خفض بعض تكاليف منتجاتها بنسبة كبيرة مقارنة بمنافسيها، استنادا إلى إبداعها وتجديدها. ويسعى المنافسون عادة إلى محاكاة عمليات التحديث الناجح لدى بعض الشركات.
نقلات إبداعية في فكر الإدارة والأعمال
شهد عصرنا الحديث عديدا من الإبداعات والتجديد في مجال الإدارة والأعمال والمنتجات، ولعل ما شهدته الإدارة في مجال التطوير في الرؤية والنظرة والنظريات الجديدة منذ نهاية السبعينيات حتى الآن يعتبر سلسلة من الإبداع والتجديد مثل تطبيق حلقات الجودة Quality Circle وما بعدها من تطور في مفهوم إدارة الجودة الشاملة TQM منذ نجاحها في اليابان وانتقال الاستفادة منها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وتطبيقاتها المتعدده واكتساحها مجالات الإدارة والأعمال وتركيزها على جودة المنتجات والخدمات وتحسينها المستمر يعتبر بحق من أهم عناصر الإبداع والتجديد في إيجاد الحلول الإدارية والتقنية للمشكلات في الإدارة والأعمال.
كما أن ظهور مفهوم إعادة هندسة العمليات Business Process Reeingineering في مطلع التسعينيات على يد كل من مايكل هامرMiceal Hammer (توفي أواخر عام 2008) وتشامبي Chamby والذي يعد نقلة نوعية في الإبداع والتجديد الإداري في الشركات والمؤسسات ، حيث تعتبر إعادة هندسة العمليات ثورة إدارية إبداعية حولت الإدارة إلى مفهوم العملياتProcess بدلا من مفهوم المهام والوظائفTasks ، الذي كان مسيطرا منذ المدرسة العلمية للإدارة التي طورها تايلور منذ بداية القرن العشرين.
إن منهج العمليات في الإدارة الأعمال الجديد لهامر وتشامبي والتطورات التي شهدها في إدارة العملياتProcess Management يعتبر ثورة إدارية إبداعية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى إيجابي حيث أحدث تغيرات جذرية وتحولات أساسية في مفهوم الإدارة وتقنية المعلومات وفتح المجال إمام تغيرات جذرية في بيئة الأعمال وقلبها رأسا على عقب واكتسحت هذه الثورة الإدارية كل أنحاء العالم في مجال الإدارة والأعمال ، وهذا في تقديري يعتبر نموذجا للإبداع والتجديد في الإدارة والأعمال – بل ربما يكون أهم الإبداعات الإدارية خلال الخمسين سنة الماضية.
كما أن ظهور مفهوم توكيد الجودة Quality Assurence و إدارة نظم الجودة الايزو 9000:2000 تطورات إبداعية في مجال الإدارة والمنتجات الصناعية والخدمات، حيث تم الاهتمام بتطوير وضمان جودة المخرجات الصناعية والخدمات بجميع أنواعها، وظهرت شهادات منح الايزو لضمان جودة الخدمات والمنتجات وهذا يعتبر حلقة في سلسلة حلقات إبداعية ساهمت في تطوير مفاهيم الإدارة والأعمال. ولا شك أن تزامن التطور التقني وظهور الحاسب الشخصي وبرامج ميكروسوفت وغيرها من البرامج منذ مطلع الثمانينيات ساهم هو الآخر في تطوير مفهوم الإبداع والتطوير في تقنية المعلومات وتطبيقاتها الإدارية والصناعية، ولعل مفهوم إدارة نظم المعلومات MIS وثق الصلة بين الإدارة والتقنية والنظم سواء في مجال الإدارة والتدريب أو الاستشارات وتقنية المعلومات.
أفضل 15 شركة مبدعة
في العالم
هناك عديد من الشركات العالمية المبدعة في خدماتها ومنتجاتها، سواء كانت شركات سيارات أو شركات تقنية أو فنادق أو شركات خدمات أو مصانع أو طيران وسفر وسياحة وغيرها، وفي قائمة مجلة «بيزنس ويك» الأمريكية BUSINESSWEEK عرضت نحو 100 شركة مبدعة خلال عام 2006، ونختار أول خمس عشرة شركة منها للتوضيح كما في الجدول رقم (1).
معوقات الإبداع
في المنظمات
الإبداع والتجديد نوع من عمليات التطوير والتغيير يلقى مقاومة ومعارضة أحيانا لعدة أسباب، مثل:
1- رغبة قيادة المنظمة بعدم التطوير والإبداع والتغيير إيمانا بقاعدة «إذا لم تتعطل لا تصلحها» وهذا هو منهجية وأسلوب الشركات والمنظمات التقليدية «لا تحرك ساكنا» وهي فلسفة لها أنصار كثر في العالم الثالث.
2- الرغبة في المحافظة على أساليب وطرق الأداء المعروفة، حيث إن الإبداع في المنظمة يستلزم في بدايته نفقات إضافية ليست المنظمة مستعدة لأن تتحملها.
3- ثبوت الهيكل البيروقراطي مدة طويلة وترسخ الثقافة البيروقراطية وما يصاحب ذلك من رغبة أصحاب السلطة في المحافظة عليها وعلى طاعة وولاء المرؤوسين لهم أو رغبة أصحاب الامتيازات في المحافظة على امتيازاتهم.
4- القناعة بما تقدمه الشركة أو الجهاز من منتجات أو خدمات الجهاز ورضاء المسؤولين عنها.
5- عدم وجود منافسين لمنتجات أو خدمات الشركة أو المؤسسة يجبرونهم على التطوير والإبداع في العمل.
يقول أحد مديري شركات الحلاوة:
«حلاوتنا الطحينية ما مثلها (شين) ولا ينافسنا أحد!».
وسوف نتحدث في الحلقة القادمة عن سر بقاء وخروج بعض الشركات المحلية والعالمية من السوق.