«الفقر» أبو الخبائث !
إذا كانت «الخمر» أم الخبائث فلا شك في أن «الفقر» أبوها!
وإذا كان تعاطي المخدرات يقود الفرد إلى ارتكاب أبشع الجرائم دون أي إدراك أو تخطيط, فالفقر يقوده إلى ارتكابها وهو بكامل عقله وبعد تخطيط ودراسة أيضاً.
كثير من الجرائم المفزعة التي تطالعنا بها وسائل الإعلام يومياً متعلقة بشكل أو بآخر بالفقر.. إنه صانع المجرمين الأشهر والأقدر على هدم جميع الحصون الأخلاقية بكل سهولة, ورحم الله الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الذي قال: «إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك»!
قبل أيام وخلال الحفل التكريمي لمتقاعدي ومتقاعدات وزارة الشؤون الاجتماعية نفى معالي الوزير الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين وجود (3) ملايين فقير في المملكة وقال إنه حسب الإحصائيات لدى الوزارة يبلغ عدد مستفيدي الضمان الاجتماعي (600 ) ألف حالة. وبغض النظر عن الجدل الدائر حول هذا التصريح, الذي يربط من خلاله معالي الوزير بين الفقر والتسجيل في كشوفات الضمان الاجتماعي, وبافتراض أن كل حالة مسجلة في الضمان تمثل أسرة مكونة من أربعة أشخاص على أقل تقدير, يمكننا تصور الوضع.
إنني أقرأ بألم كغيري من مواطني هذا البلد الذين يعشقون ترابه أخبار الحوادث والجرائم التي تنشرها صحفنا كل يوم, وأستطيع أن أجزم لكم بأن الفقر يقف خلف معظمها حتى وإن كان لا يظهر بوجهه البشع في تفاصيل كل خبر, فرائحته أقوى من أن تحجبها السطور والصفحات بين طياتها.
أخيرا ألقت شرطة الجوف القبض على مواطن تجاوز الستين من عمره بعد أن أقدم على سلب مبلغ 14 ألف ريال من شقيقه وحرق سيارته في أحد الطرق السريعة بسبب خلاف على الإرث.. حسناً.. هل تعتقدون أن هذا الشيخ المسن كان سيقدم على عمل كهذا لو أنه ميسور الحال؟!.. فتشوا عن الفقر وستعرفون الإجابة!
أيضاً بالأمس القريب كشف تقرير أصدرته هيئة الرقابة والتحقيق في منطقة حائل عن 400 قضية تزوير ورشوة وتزييف واختلاسات ومخالفات إدارية ومالية في الأجهزة الحكومية خلال عام واحد فقط.. هل تشمون مثلما أشم رائحة الفقر بين تفاصيل هذا الخبر؟! إن الأخبار التي يندس خلف كلماتها هذا الكائن اللعين أكثر بمئات المرات من أن تحصى في هذه المساحة, و لو لا الجهود التي تبذلها الدولة والجمعيات الخيرية لتعطيل بعض قنابل الفقر الموقوتة لما استطعنا أن نحصي آثارها في مدينة واحدة فقط من مدننا.. ولذلك علينا أن نؤمن تماماً بحاجتنا الماسة إلى الأفكار والبرامج الحقيقية والفاعلة التي تتكاتف فيها كل الجهات المعنية لمكافحة «أبو الخبائث» وأن نؤمن أيضاً بأن مكافحة الفقر هي أفضل وسيلة ممكنة لمكافحة الجريمة.