هل هناك حب من النظرة الأولى؟

هل صحيح أن هناك حبا من نظرة أولى؟ وهل صحيح أن هناك كيمياء معينة تتدفق في الدماء حين التقاء رجل وامرأة فيحصل انجذاب وتقارب؟ وهل صحيح أن المتقاربين يفرز أجسادهم هرمونات معينة فيحبون أن يسترسلوا في الحديث إلى ما لا نهاية؟ فوقت الحب ليس له نهاية ولا يحس به العشاق، ولحظات الانتظار في الفروع الأمنية وفي أقبية سجون التعذيب كأنها الدهر كله، وهذا يوصلنا إلى أمر عجيب أن الإحساس بالزمن ليس دورة عقارب الساعة بل حالة النفس بين الترقب والانتظار والاندماج والانسجام. وجاء في القرآن تعبير «إذ تفيضون فيه»!!
«وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه، وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين».
أما الحب من النظرة الأولية فهو أكيد ويشعر به الكثيرون ولكن لا يعترفون به، وأما كيمياء الحب فهي أكيدة، ولكن الناس لا يقولونها صراحة. ومؤشرات الاندماج اثنان؛ عدم الحاجة لثالث في الحديث، وألا يخجل القرين من قرينه حين يكون بجنبه في مواجهة الناس.
وحسب تحقيقات آكرمان تتدفق مادة phenylethylamine إلى العقل ويشار إليها اختصارا بـ PEA، عندما يلتقي شخصان ويعجبان ببعضهما .
وهذه المادة التي يفرزها العقل تزيد نشاط العقل إلى درجة عالية، حيث تساعد على زيادة سرعة نقل المعلومات بين الخلايا العصبية بشكل كبير، مما يحدث شعورا بالانتعاش والإثارة والسعادة والطاقة العالية. ويفسر قدرة المحبين على المحادثات الطويلة في آناء الليل، وهم مغمورون في السعادة وبمادة «البيا»، التي ربما بدونها ستكون هذه المحادثات مملة ومدعاة للنعاس.
وقد توصل العالمان الأمريكيان Michael Liebowitz وDonald Klein في المؤسسة النفسية في ولاية نيويورك إلى اكتشاف عمل هذه المادة، واكتشفا أيضا أن بعض الناس يدمن على تدفق هذه المادة، ما يجعلهم عرضة للوقوع في قصص الحب، الواحدة تلو الأخرى، وسموهم «مدمني الإعجاب». واعتبرا هذا نوعا من الخلل النفسي، فأعطيا بعض مرضاهم مادة تخفف من تدفق «البيا» في الدماغ ووجدا أن أصحابها بدأوا يميلون إلى شركاء مناسبين أكثر لهم ويبنون العلاقات تدريجيا. واكتشاف التفاعلات الكيماوية التي تحدث خلال مراحل الحب الأولى يجعل كثيرا من علماء النفس وإخصائيي العلاقات العاطفية يحذرون الناس من فهمهم المبسط للحب، وخاصة أن نسبة الطلاق في شمال أمريكا زادت إلى حد70 في المائة من الزيجات.
فقبل فترة كانت عالمة نفسية في برنامج تلفزيوني أمريكي تصرخ في وجه الحاضرين وتقول لهم إن الحب الولهان في مراحله الأولى نوع من المخدر، وأن انخفاض معدلات هذه التفاعلات الكيماوية في الدماغ لا تعني نهاية الحب، وإنما تعني أن المحب وصل إلى مرحلة أكثر توازنا، وكانت تقول للحاضرين، «أنتم تتصرفون تحت تأثير مخدر كيماوي عندما تتخذون قرارات في بداية الحب، وتظنون أن الحب انتهى عندما يزول مفعول المخدر».
قد تساعد معرفتنا لهذه التفاعلات الكيماوية في فهمنا لطبيعة الحب. فعندما يتعرض الإنسان للخطر، حسب أبحاث العلماء، فإن الدماغ يفرز مادة «البيا»، وهذا يشرح أيضا قوة قصص الحب الرومانسية خلال الحروب والأزمات. فالناس، حسب تقرير آكرمان، أكثر عرضة للوقوع في الحب عندما يكونون في حالة خطر. والحب يزدهر في الأماكن الغريبة والبعيدة، حيث تكون جميع الحواس في تركيز قوي بحدة، وربما لهذا يحب الناس قضاء شهر العسل في مكان بعيد غريب عن مكان عيشهم.
ولكن ماذا بعد شهر العسل؟ وماذا يحدث بعد أن تزوج الأمير من سندريلا وعاشا عيشة هنية؟ نعم، ماذا يحدث بعد أن يخف تدفق مادة «البيا» في الدماغ؟ أظن أنه هنا يكمن التحدي الحقيقي للحب. ولكن من الجيد أن نعرف أيضا كيمياء الحب حتى لا نبقى ضحايا لبحرها الهائج من التفاعلات الكيماوية والهرمونية، وحتى نصل إلى جزيرة الحب الحقيقي وتظهر قوته الفعلية والإنسانية بعد اختفاء كل «مخدرات الحب».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي