إدارة المخاطر تمنحها قدرا كبيرا من الثقة والتأثير

إدارة المخاطر تمنحها قدرا كبيرا من الثقة والتأثير
إدارة المخاطر تمنحها قدرا كبيرا من الثقة والتأثير
إدارة المخاطر تمنحها قدرا كبيرا من الثقة والتأثير
إدارة المخاطر تمنحها قدرا كبيرا من الثقة والتأثير

الواقع هو أن عام 2008 أصاب الاقتصاد العالمي بكثير من الجروح، حيث انتهى بصورة مفاجئة عقد من النمو الاقتصادي العالمي. والمعروف أنه تحدث التحولات الكبرى على نطاق قطاع الخدمات المالية، على الدوام من خلال الانهيار وتخفيض قيم الموجودات، والتدخل الحكومي الذي لا بد منه. ولعل أبرز مشاهد الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم في الوقت الراهن هو جفاف مصادر تدفق الائتمان والتمويل اللذين يعملان على تغذية النشاطات، والفعاليات الاقتصادية. ومر القطاع العقاري بطفرة غير عادية من النشاط، إلا أنه عاد وتحول إلى حالة من الانتكاس الشديد. أما أسعار الطاقة فوصلت إلى ذروة غير مسبوقة على مر التاريخ، ثم عادت لتشهد هي الأخرى حالة من التراجع الشديد. وأصيبت حركة العملات ومعدلات الفائدة على النطاق العالمي بحالة شديدة من الهياج والاضطراب, فإلى تفاصيل الدراسة التي أعدها للنشر د. فهد الشثري..
#2#
* الشريعة الإسلامية تقيد من حرية المؤسسات المالية الإسلامية في الدخول في عمليات ائتمانية معقدة كالمشتقات المالية التي أدت إلى شلل نظيراتها من المؤسسات المالية التقليدية لاحتوائها على الغرر والربا الذي تحرمه الشريعة الإسلامية الغراء. لكن هذا لا يعني أن نشاط المؤسسات المالية الإسلامية أقل مخاطرة من حيث طبيعته، بل إن للمؤسسات المالية الإسلامية حزمة من المخاطر التي ترتبط بنشاطها دون غيرها من المؤسسات المالية التقليدية.
على سبيل المثال، هناك تركيز كبير لاستثمارات المؤسسات المالية الإسلامية في قطاع العقارات المحلي، وفي الغالب تتخذ تلك الاستثمارات شكلاً يماثل الملكية الخاصة المباشرة للأصول العقارية. وهذا بدوره يقلل من سيولة المؤسسات المالية الإسلامية ويجعلها عرضة لمخاطر أكبر في حال تعثر سداد المستثمرين في تلك العقارات لالتزاماتهم. أيضاً تتميز المؤسسات المالية الإسلامية بنسبة عالية من الأصول طويلة الأجل بينما تفتقر إلى الأدوات المالية القصيرة الأجل التي تمكنها من إدارة السيولة لديها بشكل فعال ومشابه للمؤسسات المالية التقليدية. إضافة إلى ذلك، تعتمد المؤسسات المالية الإسلامية بشكل كبير على ولاء عملائها المودعين لديها بالنظر إلى التزامها بتعاليم الشريعة الإسلامية الغراء، وأي شيء يمكن أن يغير تلك القناعات لدى عملاء المؤسسات المالية الإسلامية سوف يؤدي بالتالي إلى مخاطر عزوف كبيرة عن مؤسسات مالية بعينها لعدم الثقة بها.
ومن المخاطر التي تتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية تعقد وصعوبة فهم العمليات المصرفية لها بما يؤدي إلى زيادة مخاطر التشغيل للمؤسسات المالية الإسلامية من ناحية، ومن ناحية أخرى زيادة عدم التأكد المقترن بالالتزام بتعاليم وقواعد الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بتلك المعاملات؛ ما يجعل المصرف عرضة لخطر فقدان الثقة في معاملات المصرف.
هذه المخاطر تميز النشاط المصرفي الإسلامي عن الأنشطة المصرفية التقليدية وتجعل من الضرورة بمكان وضع تصور مختلف لعمليات إدارة المخاطر في المؤسسات المالية الإسلامية بدلاً من الإعتماد على النموذج التقليدي المتلعق بالمؤسسات المالية التقليدية الذي لا يتناسب مع طبيعة نشاط المصرفية الإسلامية.
وإدارة المخاطر لم تكن على أجندة اهتمامات المصرفية الإسلامية خلال السنوات الماضية، حيث انصب تركيزها على النمو والإبداع في أدوات المال الإسلامي لأجل المنافسة مع المؤسسات المالية التقليدية؛ لذلك ليس من الغريب أن تتجاوز الأصول المالية للمؤسسات المالية الإسلامية الـ 600 مليار دولار أمريكي وبمعدل نمو 10 في المئة سنوياً خلال العشر سنوات الماضية، كما أن هناك فرصا استثمارية كبرى غير مستغلة بعد في قطاع المالية الإسلامية تقدرها ستاندارد أن بورز بـ 4 تريليونات دولار أمريكي.
وتطوير إدارة المخاطر في المؤسسات المالية الإسلامية لا يعد أولوية أو اهتماماً خاصاً بها وحدها ولكنه أيضاً يهم المؤسسات المالية التقليدية. حيث إن وجود مؤسسات مالية إسلامية قوية سيقلل من المخاطر المتعلقة بالنظام المالي ككل؛ ما سينعكس بدوره على المؤسسات المالية التقليدية. لذلك، فإنه من المهم أن تتضافر جهود جميع المؤسسات المالية لحث المؤسسات المالية الإسلامية على تطوير نماذج إدارة للمخاطر لديها إذا أرادت فعلاً لعب دور أكبر على مستوى النظام المالي العالمي. خصوصاً في هذا الوقت بالذات الذي يتمتع فيه القطاع المالي الإسلامي بالانتعاش والنمو، حيث سيكون من الصعب جداً إصلاح ذلك الوضع في حال تعرض القطاع لأزمة أو تراجع حاد في نشاطه.
فالمودعون في المؤسسات المالية الإسلامية والمستثمرون فيها مجبرون على قبول عوائد مالية أقل، وأحياناً تحمل بعض الخسائر عندما تتراجع ربحية أصول البنك.
واقعياً، قد تضطر المؤسسات المالية الإسلامية إلى تحمل خسائر أكبر مما يفترض لهم أن تتحمله لكي تحافظ على علاقتها بعملائها ولكي تتمكن من المنافسة مع المؤسسات المالية التقليدية.
وعلى البنوك الإسلامية أن تقدم المرابحة في شكل استثمار في إدارة الأصول مع تقديم صورة واضحة لعملائها عن إنجازات استثماراتهم وتشجيعهم على قبول المخاطر المرافقة لها.
كما أن هناك عجزا في سوق أدوات النقد الاستثماري الموافق للشريعة الإسلامية؛ لذلك، فإن هناك تركيزا كبيرا للنقد والأصول الطويلة الأجل في ميزانيات المؤسسات المالية الإسلامية؛ ما يوجد فجوة كبيرة في السيولة. إضافة إلى ذلك، فقد تجد المؤسسات المالية صعوبة كبيرة في تقديم أصول متغيرة الفائدة لتوازن التزاماتها من الأصول ذات الفائدة المعومة، كما أن المؤسسات المالية تفتقد أدوات التحوط لأسعار الفائدة المتوفرة لمثيلاتها من البنوك التقليدية.
وتحاول البنوك المركزية تقديم عمليات إعادة شراء متوافقة مع الشريعة الإسلامية لتوفر للقطاع سيولة ومرونة أكبر. ولحين توفر هذه الأداة الاستثمارية يجب على البنوك مراقبة السيولة ونسبة الأصول إلى الخصوم ومخاطر أسعار الفائدة بشكل مركز.
ويتميز قطاع المصرفية الإسلامية بتركيز عال لأصوله في القطاع العقاري، وليس من السهولة تحديد وبشكل كمي دقيق حجم المخاطر المتعلقة بذلك. وفي الواقع، الكثير من المنتجات الإسلامية ترتكز أساساً على الأصول العقارية لكنها في نفس الوقت تعرض البنك لمخاطر الطرف الآخر المقابل في العملية الاستثمارية وعلى البنوك أن تكون واضحة وصريحة - لمصلحتها الأساسية ولمصلحة حملة الأسهم فيها – عن الطبيعة الدقيقة للمخاطر المتعلقة باستثماراتهم. والمزيد من الشفافية والوضوح في الإفصاح ستؤدي إلى مزيد من الثقة في القطاع.
فبعض المنتجات الإسلامية تؤدي إلى تعريض البنوك الإسلامية لمخاطر قانونية. على سبيل المثال، تمثل البنوك دور المتعاقد في عقود المقاولات كما أنها تقوم بتقديم المشروع إلى مقاولين من الباطن؛ ما يجعلهم عرضة إلى مطالبات قانونية إذا لم يقم مقاول الباطن بإنجاز المهام المتعاقد عليها.
بالإضافة إلى تدابير قياس وتقدير مخاطر العمليات الاستثمارية وبنية الإفصاح في التقارير المالية، على البنوك الإسلامية الانتباه إلى الجوانب القانونية لتحمي نفسها في حال المنازعات المالية مع أطراف أخرى.
وهناك مسؤولية قانونية على البنك الإسلامي للتأكد من مطابقة منتجاتها وخدماتها للشريعة الإسلامية والافتقار إلى معايير موحدة لتشريع المنتجات الإسلامية، وهذا يعني أن الالتزام بمطابقة المنتجات والخدمات الإسلامية ليس بالسهولة بمكان. وإذا ما تمت مساءلة البنك أو أي من خدماته عن التزامهم بالشريعة الإسلامية فإن سمعة البنك سوف تتأثر بشكل كبير.
قد لا يبدو أن هذا الخطر منطقي بالنظر إلى أن علماء الاقتصاد الإسلامي لا يطبقون الأحكام بشكل رجعي على المنتجات السابقة. لكن على الرغم من ذلك، فإن المنتجات الإسلامية أصبحت أكثر تعقيداً ومخاطر التزامها بالشريعة أصبحت أكبر.
وتطبيق بنية بازل 2 للبنوك الإسلامية ليس مباشراً. هناك إجماع واسع بين مؤسسات التشريع المالي على كيفية مواجهة هذا التحدي لكن مزيداً من التفصيل يتطلب لحل هذه المشكلة بشكل جذري.
كما أن رأس المال النظامي يساعد على تعزيز ثقة الأطراف الأخرى المتعاملة مع البنك الإسلامي. لكن المشكلة الآن أن البنوك الإسلامية تعمل تحت مظلة أنظمة مختلفة؛ ما يصعب عملية التعامل معها ويزيد من تكلفة الحصول على المعلومات بشأن كل نظام على حدة.
لدى البنوك الإسلامية مزيج مخاطر متميز عن البنوك التقليدية بسبب حاجتها الماسة إلى جعل منتجاتها متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
الاختلافات والتعقيد تزيد من ضبابية الصورة بشأن المخاطر الحقيقية التي تنطوي عليها أنشطة البنوك الإسلامية سواءً على مستوى العمليات المصرفية أو على مستوى المحافظ المالية التي تديرها أو على مستوى المنشأة ككل.
العمل المصرفي بالنسبة للبنوك الإسلامية ليس من السهولة بمكان بالنظر إلى اختلاف هيكل مخاطر العمليات بشكل كبير عن البنوك التقليدية وبسبب قصر التجربة التاريخية لهذه البنوك . وهذا المثال على تمويل فندق يمكن أن يوضح الصورة بشكل أكثر جلاءً: قامت مجموعة من البنوك التقليدية بقيادة عملية البحث عن تمويل لبناء الفندق وتمت دعوة كنسورتيوم إسلامي لتقديم تمويل عملية الإنشاء التي رفضت من لجنة الرقابة الشرعية بالمصرف على قاعدة أن الفندق يحتوي على ملهى ليلي وحانة خمور. حاولت المصارف الإسلامية المشكلة في الكونسورتيوم الحصول على موافقة على القيام بعملية التمويل من قبل اللجان الشرعية التابعة لكل بنك مشيرين إلى أن الفندق لم يمارس عمله بعد وقاموا بعرض تمويل الطوابق التي تعلو الملهى الليلي والحانة، لكن اللجان الشرعية أشارت إلى أن غرف الفندق هي الأخرى سوف تحتوي على حانة مصغرة وخمور.
فقد جادل المصرفيون الإسلاميون على أن دخل الفندق من الخمور لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من إجمالي دخله ومن ثم لا يجب أن يلعب دوراً كبيراً في تحليل أو تحريم عملية التمويل لإنشاء كامل الفندق واتفقت اللجان الشرعية معهم في ذلك. لكن لسوء الحظ، أخذت هذه العملية ستة أشهر قبل الحصول على موافقة اللجنة الشرعية وحينها كانت البنوك التقليدية قد ذهبت إلى مصادر أخرى للتمويل.
هذا التوتر والصراع يحدث بشكل دائم في العمل المصرفي الإسلامي في كل مرة تلتقي فيها فرصة تجارية جيدة مع الحاجة إلى التأكد من الالتزام بالشريعة الإسلامية ومما يجعل المرء في حيرة ما بين الالتزام بشكل العملية وروح التشريع. على سبيل المثال في عملية المرابحة يتم ربط هامش الربح بالنسبة للبنك الممول عن طريق الاتفاق على بيع الأصل بسعر أعلى مما تم شراؤه به وهذه العملية في شكلها ملتزمة بأحكام الشريعة ولكنها لا تتفق مع روح التشريع الإسلامي لأنها قامت على أساس تبادل القيمة الاقتصادية؛ ما يجعل من الصعوبة تفريق هذه العملية عن مثيلاتها في البنوك التقليدية. هذه الاختلافات والتعقيدات تجعل الصورة أكثر ضبابية بشأن المخاطر الحقيقية المتعلقة بالمصارف الإسلامية سواءً على مستوى العمليات أو على مستوى الاستثمار أو على مستوى المنشأة ككل.
#3#
إعادة تحديد مسؤولية المخاطر التجارية
تحصل البنوك الإسلامية عادة على غالبية تمويلها من استثمارات المرابحة والوكالة وهذه تبدو للوهلة الأولى وكأنها توفر للبنك الإسلامي ميزة في مقابل الخسائر. وخلال أوقات الانتعاش يتوقع أصحاب الحسابات عائداً أعلى من الذي تقدمه البنوك التقليدية لمودعيهم بسبب أن البنوك الإسلامية تستخدم الأموال المودعة في حسابات الاستثمار لديها لتمويل استثمارات تنطوي على مخاطر أكثر من مثيلاتها في البنوك التقليدية، وعلى العكس من ذلك فإن مالكي الحسابات لدى البنوك الإسلامية يقبلون معدلات عائد أقل من تلك التي تقدمها البنوك التقليدية في حال حققت أصول البنك عائد أقل من المعتاد وبالتالي يستطيع البنوك تحمل خسائر أقل. وتعمل البنوك الإسلامية على بناء نوعين من الاحتياطيات لحماية أصول مودعيهم الأول احتياطي موازي الأرباح للتأكد من قدرتهم على دفع أرباح لعملائهم والثاني يستخدم لموازنة الخسائر.
وفي الواقع وحتى عندما تستهلك تلك الاحتياطيات فإن البنوك الإسلامية لا تعمد إلى استقطاع الخسائر من عوائد عملائها خوفاً من أن يأخذوا أعمالهم إلى منافسين آخرين، ومن هنا يمكن فهم المقصود بمصطلح إعادة تحديد مسؤولية المخاطر التجارية. علاوة على ذلك فإن البنوك الإسلامية تتردد في استخدام أموال عملائها لتغطية خسائرها على أساس منطقي مفاده أن العملاء المحبطين سيقومون بسحب أموالهم؛ ما يسبب حالة تسرب في موجودات وودائع البنك؛ لذلك، فإن المرابحة والوكالة لا تقدم إلا غطاءً شكلياً نظرياً للمخاطر.
ومن هذا المنطلق أدركت بعض المؤسسات التشريعية المالية كمصرف البحرين المركزي هذا الخطر وألزموا البنوك بالاحتفاظ بجزء من رأسمالهم في مقابل الأصول التي استثمرت فيها عمليات المرابحة والوكالة. وحسب قوانين المصرف المركزي البحريني يجب أن يضمن 30 في المئة من مخاطر الأصول المرجحة لحسابات الاستثمار في المقام لحساب رأس المال.
والمشكلة هنا أن البنوك الإسلامية ترغب في أن تظهر عقودهم الاستثمارية بشكل مشابه لحسابات الادخار على الرغم من الاختلاف في طبيعة كل من الاثنين. والصحيح أن على البنوك أن تظهر عمليات المرابحة والوكالة كعمليات إدارة للأصول (تحت مسمى آخر) وهو ما يختلف كلياً عن حسابات الادخار سواءً من حيث الإفصاح أو من حيث طبيعة المخاطر ومن ثم الالتزامات القانونية المترتبة عليه. وعلى هذا الأساس فعلى البنوك الإسلامية أن تتبنى قواعد لإدارة أعمالها ولممارسات الإفصاح مشابهه إلى حد كبير لتلك المطبقة في الصناديق الاستثمارية.

مخاطر السيولة
البنوك الإسلامية حساسة جداً لتغيير موضع المخاطر التجارية بسبب أن لديهم قدرة محدودة جداً للحصول على تمويل قصير الأجل مثل المتوفر للبنوك التقليدية.
بشكل عام علماء الشريعة يصرون على أن كل عمليات البنك الإسلامي يجب ربطها بأصل ملموس لا أن يكون أصلاً مالياً كعقود إعادة الشراء أو شهادات الإيداع. ونتيجة لذلك، هناك فجوة كبيرة يصعب ملؤها بين النقد والسندات الطويلة الأجل؛ لذلك، فإن الطبيعة التي تميز التمويل الإسلامي المعتمد على الأصول الحقيقية الملموسة وعلى منتجات وأدوات الإقراض المتخصصة يساهم في زيادة فجوة السيولة بسبب أن الخروج من هذه العمليات لا يتم الاتفاق عليه بشكل مقدم.
لكن ماليزيا تعد استثناءً من ذلك، حيث يأتي الفقهاء هناك من المذهب الشافعي والذين يحللون بعض عمليات السوق النقدية. على سبيل المثال، العلماء الماليزيون ينظرون إلى اتفاقيات إعادة الشراء على أنها وعد لشراء أصل متوافق مع الشريعة الإسلامية؛ ما يجعل هذه العملية مباحة. بعض الدول حاولت إطلاق عقود عمليات الشراء الخاصة بهم مع مطابقتها لنظرة علمائهم لأحكام الشريعة الإسلامية. والبحرين والسعودية تحاولان إطلاق اتفاقية إعادة شراء إسلامية لكن كليهما واجها عقبات بسبب عدم قدرة هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والتي يعتد برأيها هناك في شأن التمويل الإسلامي على الحصول على إجماع بهذا الشأن. وحتى يتوفر للبنوك الإسلامية وسائل التمويل القصيرة الأجل فستبقى عرضة لجري المودعين وستكون أقل مقاومة من البنوك التقليدية في هذا الشأن.
من المشاكل الأخرى التي تواجهها البنوك الإسلامية والمتعلقة بهذا الشأن عدم المقابلة بين الأصول والخصوم إذ يتوفر للبنوك التقليدية وسائل متعددة من الأصول ذات معدلات الفائدة المعومة والتي تمكنها من موازنة التزاماتها ذات معدلات العائد المعومة. ونتيجة لذلك، وعندما تتغير أسعار الفائدة تكون البنوك التقليدية أقل عرضة للنتائج السلبية الناتجة من تلك التغيرات لأن ما تخسره في جانب ستعوضه في جانب آخر، إضافة إلى ذلك يتوفر لدى البنوك التقليدية المشتقات المالية التي تمكنها من التخلص من المخاطر وتحويلها إلى أشخاص أو مؤسسات مالية أخرى مستعدة لتحملها؛ ما يقلل من آثار التغيرات المختلفة عليها. أما بالنسبة للبنوك الإسلامية فالخيارات محدودة بالنسبة لها، حيث تدفع معدل فائدة «عائد متغير على التزاماتها يرتبط بمعدل استرشادي معوم بينما تحصل على معدل فائدة» عائد ثابت على أصولها الاستثمارية. وعندما تزداد الفجوة بين الاثنين (الالتزامات والأصول) فمن الصعوبة بمكان على البنك الإسلامية التحكم في ذلك بسبب أن المشتقات المالية غير جائزة بحسب رأي علماء الشريعة.

مخاطر الاستثمار العقاري
من المعتاد ملاحظة تركز كبير لاستثمارات البنوك الإسلامية في القطاع العقاري – حيث إن توسعهم الجغرافي محدود مع محدودية الأصول التي يقبلها البنك الإسلامي – والتحوط غير متاح وفي نفس الوقت عملية تحويل المخاطر من خلال التصكيك صعبة التحقق.
في الواقع هناك قلق واضح لدرجة تعرض البنوك الإسلامية للقطاع العقاري من خلال عقود المشاركة والاستصناع. وزاد من ذلك القلق الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته دول الخليج والذي جعل من الطبيعي أن تجد أن نصف أصول بعض البنوك الإسلامية يتركز في القطاع العقاري.
لكن على عكس البنوك التقليدية، فإن انكشاف البنوك الإسلامية على القطاع العقاري لا يأتي في شكل قروض وإنما يأخذ شكل عقد مشاركة الأرباح بما يعني أن البنوك الإسلامية تضع أموالها موضع المخاطرة المباشرة مثلها في ذلك مثل شركات الملكية الخاصة مع اختلافها في عدم دخولها بشكل مباشر في عملية الإدارة لعملية الاستثمار محل التعاقد؛ لذلك، فإن مخاطر انكشاف البنك الإسلامي تعتمد بدرجة كبيرة على المهارة والأمانة للشريك الداخل في الاستثمار معه.

مخاطر العمليات
تحتوي منتجات البنوك الإسلامية على العديد من العقود المنفصلة؛ ما يزيد من المخاطر القانونية المتعلقة بها.
على سبيل المثال في عمليات المرابحة على البنك أن يشتري الأصل محل التعاقد ثم بيعه بعقد مختلف يتضمن شروط دفع مختلفة. وكل خطوة تأخذ بعض الوقت وتتضمن عملية تعاقد جديدة؛ ما يزيد من احتمالية عدم الاتفاق والتعقيد. في عمليات الاستصناع على سبيل المثال عندما يتم تمويل مشروع مقاولات يفترض البنك الإسلامي دور المتعاقد لكن عليه أن يمنح العقد من الباطن لطرف ثالث. وإذا فشل مقاول الباطن في إنجاز أعماله يتحمل البنك الإسلامي المسؤولية القانونية تجاه الطرف المتعاقد معه.
تواجه البنوك الإسلامية أيضاً مخاطر العمليات المتعلقة بإنجاز الأعمال الإدارية الخاصة به وهي أعمال لا تختلف في طبيعتها عن الأعمال التي تقوم بها البنوك التقليدية لكنها تنطوي على تعقيدات أكثر بسبب تعدد العقود المرتبط بها البنك الإسلامي والتي يصعب جمعها تحت إطار نظام آلي موحد يقوم بالتقرير بشكل آلي عن المخاطر المتعلقة بها.
#4#
مخاطر السمعة والثقة
بشكل نظري على اللجنة الشرعية للبنك الإسلامي التأكد من أن كل عمليات البنك وأدواته الاستثمارية مطابقة للشريعة الإسلامية، وهذا ما يتوقعه على الأقل عملاء البنك، لكن فهم الشريعة يختلف من مدرسة ومدرسة إسلامية أخرى ومن عالم وعالم؛ لذلك، فقد يجد البنك الإسلامي نفسه في وضع يخسر في الكثير من الفرص الاستثمارية بسبب عدم إقرارها من اللجنة الشرعية للبنك أو بسبب أن إقرارها من قبلهم أخذ فترة طويلة من الزمن لحين توضيح الصورة لهم بشكل كامل فيما يتعلق بالعملية. وقد تتعرض سمعة البنك للتدمير في حال سعى البنك إلى الحصول على عملية تجارية استثمارية ولم تقرها اللجنة الشرعية للبنك، وبالتالي فقد يتعرض البنك لمخاطر الهروب من قبل عملائه؛ ما سيعرضه لمشاكل كبيرة في السيولة.
وبشكل مشابه يمكن أن تتعرض سمعة أداة من أدوات الاستثمار الإسلامي للتدمير ومن ثم فقدان الثقة من قبل المستثمرين كما حدث لسوق الصكوك الإسلامية عندما دار نقاش حول شرعية تلك الصكوك من حيث إن عملية إعادة شراء الأصل في نهاية العقد في عملية المشاركة والمرابحة يتم بتحديد السعر بشكل مسبق وهو ما دعا الشيخ تقي عثماني رئيس هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية إلى التشكيك في شرعية الصكوك المصدرة بهذه الطريقة على قاعدة أن سعر الشراء يجب أن يكون سعر السوق في وقت تسليم الأصل.

إدارة رأس المال وبازل 2:
ليس من السهل تطبيق نموذج بازل 2 على البنوك الإسلامية لعدة أسباب منها نعددها فيما يلي:
أولاً البنوك الإسلامية تستطيع الحصول على التمويل من خلال عمليات المرابحة وليس من السهل معرفة نسب الملكية الخاصة بالبنك أو من يتحمل المخاطر، هل هم أصحاب الحسابات أم البنك نفسه؟
بعض البنوك الإسلامية تجادل بأن التمويل الناتج من مثل تلك العمليات يجب اعتباره حقوقا ملكية لأنها تستند على عقد تحمل الخسائر، لكن حساسية البنوك الإسلامية لمخاطر السيولة تدفع البنوك لتحمل خسائر نيابة عن عملائهم خوفاً من فقد سمعة البنك.
ثانياً العائق المتعلق بحقيقة أن مخاطر البنوك الإسلامية لا تنعكس بشكل واضح في بازل 2 حيث إن مخاطر العمليات والائتمان تقاس حسب القاعدة الأولى لكن المخاطر الأخرى التي تهم البنوك الإسلامية مثل مخاطر السيولة ومخاطر التركيز وفقدان الثقة كلها تقاس حسب القاعدة الثانية. وهنا فعلى كل بنك أن يحدد الطريقة التي سيدير بها أصوله ويوزعها على الأنشطة ذات المخاطر المختلفة اعتماداً على المراجعة القانونية لفعالية الطريقة المتبعة.
ومن هذا المنطلق فإن هناك إجماعاً بين المؤسسات التشريعية الإسلامية حول كيفية تقييم مخاطرها فيما يتعلق بكفاية رأس المال. مجلس معايير المحاسبة الإسلامية قام بتطوير نموذج استرشادي لبازل 2 مما يقدم للصناعة بنية قوية لتطوير تشريعات وطنية لكفاية رأس المال. لكن لا يزال معظم المشرعين الوطنيين سيجدون تطوير هذه التشريعات صعب نوعاً ما. أيضاً سيكون من الصعب على البنوك نفسها تقديم أرقام دقيقة خصوصاً فيما يتعلق بالمخاطر المتعلقة بالقاعدة الثانية من بازل 2.
وحتى بالنسبة للمخاطر التقليدية مثل مخاطر السوق والائتمان فإنها تمثل تحديات بالنسبة للبنوك الإسلامية. إذ إن كليهما يتطلبان معلومات تاريخية لا يوفرها قطاع المصرفية الإسلامية بشكل كاف نظراً لحداثته بالمقارنة مع ما توفره المصرفية التقليدية. ومثال ذلك أن البنوك الإسلامية التي تريد أن توظف طرقا متقدمة لتقييم مخاطر الائتمان وفقاً لمنظومة عمل بازل 2 تحتاج إلى حساب احتمالات الإفلاس لكل الجهات المرتبطة بها ائتمانياً. وهذه الحسابات تعتمد بشكل كبير على سنوات من البيانات لهؤلاء العملاء لا تتوفر بسهولة للبنوك الإسلامية. وفي ظل غياب مثل هذه المعلومات المهمة لحساب احتمالات الإفلاس للمتعاملين مع البنك الإسلامي، يلجأ الممارسون في هذه البنوك إلى استخدام البيانات المتوافرة عن البنوك التقليدية كتقدير لهذه المخاطر. لكن المشكلة تكمن في أن المنتجات المالية الإسلامية لها طبيعة مخاطر إفلاس خاصة تختلف عن منتجات البنوك التقليدية؛ ما يجعل من الصعب الاعتماد على مثل ذلك التقدير.
هذه القضايا تصبح أكثر جلاءً ووضوحاً بالنسبة للبنوك التقليدية التي تقدم الخدمات المالية الإسلامية، بسبب أن متطلبات رأس المال لديهم تشرع من قبل مشرع مصرفي غير إسلامي؛ ما يجعل من الصعوبة إلمامه بالتعقيدات التي ينطوي عليها مثل هذا النشاط.
وكما أشرنا فإن المشرعين الوطنيين يعملون بناء على الإرشادات المتعلقة ببازل 2 التي أصدرها مجلس معايير المحاسبة الإسلامية وتقييم الخيارات المتاحة لهم لتبني تلك الإرشادات. نظرياً، فإن تلك الخيارات محدودة لأن بازل 2 يفترض أن تكون معياراً عالمياً موحداً لكل البنوك للتعامل مع المخاطر، بغض النظر عن مجالات نشاطهم. وعملياً، فإن الأزمة المالية يمكن أن تؤدي إلى تغييرات جذرية كبيرة فيما يتعلق بمعايير رأس المال خلال السنوات القادمة؛ ما يحتم على المؤسسات المالية التشريعية الإسلامية أن تلعب دور القائد في وضع هذه النظم والقواعد الجديدة .

الأكثر قراءة