وريثة «راسبوتين» الخليجية !
عندما تسيطر «الخرافة» على مجتمع ما في عصرنا الحالي، فذلك يعني أنه مجتمع انزلق طواعية من المرحلة الزمنية التي يعيش فيها إلى مرحلة زمنية قديمة قدم الإنسان نفسه, فالخرافة أنتجها الإنسان الأول عندما عجز عن فهم الظواهر الطبيعية من حوله, ذلك لأنه كان بحاجة شديدة لحقنة مسكنة للآلام الروحية التي تبعثها أسئلة لا يمكنه إيجاد أجوبة منطقية لها..
وعلى الرغم من أن الإنسان صنع الخرافة كـ «مخدر روحي» إلا أنها استمرت بعده لتصنع تاريخ أحفاده, ولا يمكن لأحد اليوم أن يتجاهل الدور الذي لعبته الخرافة والأسطورة في قلب حياة شعوب بأكملها وتأسيس حضارات والإطاحة بأخرى في مسلسل طويل لن ينتهي إلا بخروج آخر إنسان من هذا العالم.
من ناحية أخرى جاءت الأديان السماوية محاربة ً للخرافة بهدف إنقاذ الإنسان من مخالب صنيعة جده, لكن المعركة بين الأديان والعلم من جهة والخرافة والشعوذة من جهة أخرى مازالت مستمرة وستظل كذلك طالما أن هناك ضعفاً بشرياً في أعماق كل إنسان قد يصحو فجأة بحثاً عن «العلاج المسكّن» العتيق, وطالما أن هناك إنساناً آخر يعمل بجد للاستفادة من هذا الإرث الإنساني عبر تسخير الخرافة لخدمته، وهو ما يمكن أن نلاحظه بشكل جلي في حالة السحرة والمشعوذين ومدعي العلاج بالروحانيات والخلطات الخارقة وغيرها.
قبل فترة قادتني المصادفة لمشاهدة لقاء تلفزيوني على إحدى الفضائيات الخليجية أجراه مذيع لا أتذكر اسمه الآن مع شابة كويتية ثلاثينية ليست نجمة فنية ولا باحثة ولا أديبة ولا وزيرة ولا أي شيء مهم.. كل ما في الأمر أنها «حالمة».. وأرجو ألا يستغرب أحد من هذا، فالشابة المعنية أكدت أنها حلمت أكثر من مرة في نومها بحلم أزعجها لتكتشف في نهاية المطاف أنه حلم سيقلب تاريخ المنطقة رأساً على عقب، وهو ما دعاها إلى الاتصال بوسائل الإعلام لإيصال اكتشافها الخطير للناس, وبدلاً من أن تنصحها القناة الفضائية بمراجعة طبيب نفسي أو حتى شد الغطاء عليها جيداً أثناء النوم قررت استضافتها في لقاء طويل تحدثت فيه عن حلمها الخطير بحماس تُحسد عليه.
وقد أكدت الحالمة الثلاثينية «العزباء» في اللقاء الحافل بالفانتازيا، أن هناك هاتفاً لازمها في المنام خلال الفترة الماضية يخبرها بأنها ستلد قائداً أسطورياً يغير تاريخ الأمة العربية بأكملها، مضيفة أنها شاهدت في منامها أيضاً صوراً شخصية متفرقة له, وعلقت على ذلك بأنه سيكون شديد الشبه بالصحابي الجليل خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ ولا أعلم حتى الآن كيف توصلت إلى اكتشاف هذا الشبه, لكن الزبدة التي خرج بها المشاهدون من اللقاء تتمثل في كون الشابة تبحث لولدها المستقبلي عن أب من الشخصيات القيادية في بلدها حتى لا يذهب هذا المجد للأغراب!
حسناً.. دعوني أخبركم بأنني لا أشك في أن هذه الشابة شاهدت فعلاً الهلوسات التي روتها, ونظراً لأنها وجدت في الخرافات الشعبية ما يدعم هلوساتها فقد صدقتها وآمنت بها وهي على استعداد للدفاع عنها حتى النهاية, لأنها باختصار تحت تخدير الخرافة, ومن الصعب انتزاعها من هذه الحالة, هذا بجانب أن هناك الكثير من معارفها المؤمنين بصدق حلمها وهم مثلها يستظلون بنفس مظلة خرافتها .
والحقيقة أن حلم هذه الفتاة ذكرني بحلم الروسي «غريغوري راسبوتين» الذي ترك بصمة لا تنسى في تاريخ روسيا القيصرية, فقد بدأت رحلته مع المجد السياسي بعد أن زارته السيدة مريم العذراء في إحدى المناسبات –بحسب ما ادعى ـ وحثته على الذهاب إلى سان بطرسبرغ لمساعدة العائلة الملكية!
ورغم أن بين رحيل راسبوتين عن هذا العالم واللقاء التلفزيوني الخاص بالشابة والدة البطل المستقبلي نحو قرن كامل من الزمن, إلا أن ذلك لا يمنع من وصفها بـ «وريثة راسبوتين الخليجية».. فحبل الخرافة بينهما ممدود, ولا شك في أنها ستسلمه لغيرها من بعدها وكل «راسبوتين» وأنتم طيبون!