دوافع الانتحار

أليس عجيبا أن المنتحرين في العادة لا تنقصهم شهرة ومال وعشاق كما حدث مع مارلين مونرو، أو كريستينا أوناسيس، فالأولى كانت محظية كيندي، والثانية تهافت عليها الرجال أشد من تهافت الفراش على النار، ولا غرابة فهي سيدة أساطيل نقل البترول. مع كل المال والسؤدد ينتحرون .. «ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور».
إذن لماذا ينتحرون؟
لقد تعددت دوافع الانتحار بقدر تعدد الثقافات، في تقدير الانتحار من احتقاره، فهي في الثقافة اليابانية إعادة الاعتبار لذات مهزومة، كما فعل الكثير مع استسلام اليابان في الحرب الكونية!
أما فيلسوف التنوير الألماني إيمانويل كانط فاعتبر أن من يقدم عليه جبانا، فوجب للإنسان أن يتحمل مصيره وقدره بشجاعة، فليس الموت ولا الحياة في يده فيأخذها أو يمنحها، بل إنها في يد من خلقها بارئ النسم من العدم.
والانتحار في الديانات عموما أمر مرفوض، لأن الحياة ملك للرب الديان، الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى، فهو من يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
مع هذا فقد انتحر هتلر الفوهرر الألماني حين رأى أن لا فائدة من الحياة، بعد انهيار أحلام الرايخ الثالث، كذلك انتحر غوبلز وزير الدعاية النازي، الذي لم ير من فائدة تذكر، بعد تهدم الأحلام على صخرة الحرب الكئيبة.
ولم ينتحر غوبلز لوحده، بل انتحرت معه زوجته طائعة مختارة، وبناته الست بين استسلام ومقاومة، فسقاهم والدهم سم السيانيد؛ فماتت البنات الست في ست دقائق.
كذلك انتحر آل غور اليهودي رئيس الطيران الإسرائيلي، الذي كان خلف كارثة حزيران (يونيو) عام 1967م، والتي قادت إلى هزيمة العرب المجلجلة، انتحر بطلقة في الرأس، حين علم أنه مصاب بالسرطان، وهو في طريقه إلى الموت البطيء مع تفاقم الآلام.
وسبحانه «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور. الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت».
وحسب علم النفس التحليلي؛ فيبدو أن الإنسان يحكمه قطبان من الغرائز الليبيدوس Libidos المرتبط بشهوة الحياة والغريزة الجنسية ومتعة الحياة الدنيا وزينتها.
والتانتوس Tantos المرتبط بغريزة الموت، وبينهما يسبح الإنسان؛ فإذا توفرت الظروف النفسية الكئيبة قادته لجة التانتوس إلى الانتحار الكئيب، حين لا يبقى في الحياة طعم ومعنى ومبرر، فيقدم استقالته من الحياة!!
ومن أعجب جدليات الموت والحياة أن الشباب يقدمون على الموت ويتردد كبار السن؟
ربما لطبيعة زخم الحياة في أبدانهم وتدفقها في عروقهم، فلا يصدقون أن الموت سينالهم ولا يهابونه.
ومن أعجب المتناقضات أن الشاب المقتدر على السفر يكون خاوي الجيب فلا يستطيع، وأن كبير السن ممتلئ الجيب يستطيع فلا يقدر.
كذلك كانت أقدار الموت والحياة، ومن يموت في ساحات المعارك عادة هم الشباب المملوءون حياة، وكل الحياة أمامهم فيودعونها والحياة تبكي عليهم..
فما أعجب أمرك يا حياة! وما أعجب قضاءك يا موت!
ويحضرني قصة شاب أمسكت به مخابرات بلد؛ فتعذب العذاب الشديد بسبب رآه بسيطا بينما هم رأوه كبيرا، حين زار عمه الهارب إلى بلد مجاور، وصدفت خدمة هذا العسكري على الحدود فانسل واجتمع مع عمه الهارب، فلما علم والده أمسك به إلى الأمن ليعترف حرصا على عدم التعرض له، فكان كمن يضع قطعة لحم طرية في فك تمساح، فدخل الشاب التحقيق والتعذيب والسجن ثلاث سنوات، فلما خرج كان نصف مجنون، ثم إنه في ليلة ليلاء ألقى بنفسه واقفا في بئر ارتوازية، فمات غريقا محطما مختنقا، فلم يمكن لأبيه أن ينتشله إلا بحفر بئر موازية أخرى ثم سحبه من الثانية بنفق جانبي.
وهذه القصة تروي الظلمات السياسية وأثرها في الانتحار..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي