البنوك العالمية تبدأ تجنيب مخصصات للتحوط من انكشافها على صكوك خليجية متعثرة
بينت أزمة الانقباض الائتماني أن المالية الإسلامية ليست من النوع الذي لا يُقهر، ولا هي حتى محصنة ضد الصدمات الخارجية. فهي تعمل على كوكب الأرض نفسه، وتستثمر في الأسواق نفسها، وتقوم على الموجودات الكامنة نفسها.
أبلغت ''الاقتصادية'' مصادر مطلعة أن البنوك العالمية بدأت في تجنيب مخصصات للتحوط من الخسائر المحتملة من جراء الانكشاف على صكوك متعثرة في الخليج وآسيا وأمريكا، ولا سيما تلك الشركات التي أعلنت إفلاسها أو تلك التي تمر بإعادة هيكلة, وبذلك تسجل سوق السندات الإسلامية سابقة جديدة في سجلها، نظرا لأن هذه الصناعة لم تشهد خلال تاريخها تجنيب مثل هذه المخصصات بهذا الحجم.
تأتي تلك الاحتياطات بعد أن أصبحت الصورة غير واضحة بشأن مصير بعض الصكوك المتعثرة، وعليه قامت البنوك بأخذ مخصصات ''احترازية'' لتغطية خسائر محتملة من جراء الانكشاف على هذه الصكوك. ورجحت مصادر بلوغ حجم تغطية مخصصات هذه الصكوك 100 في المائة، بعد أن ازدادت حالة الصكوك التي تعثرت بشكل قانوني وفني إلى تسع.
وقال كريستوفر والش، الشريك لدى Clifford Chance للمحاماة: ''إذا كان سؤالك هل بإمكان البنوك وضع مخصصات للصكوك المتعثرة، مثلها مثل الديون المشكوك في تحصيلها أو مثل السندات التقليدية الصادرة من جهات متعثرة، فالإجابة عن ذلك هي: نعم''.
وفي تعليقه على قيام البنوك بوضع مخصصات للصكوك المتعثرة، قال لـ ''الاقتصادية'' ريموند هيل رئيس دائرة الأسواق الناشئة في Fitch: سيكون من الطبيعي أنه إذا قامت البنوك بوضع مخصصات كافية للانكشافات المشكوك فيها.
ولم يبد محيي الدين قرنفل، العضو المنتدب في شركة الجبرا كابيتال، قلقه من انكشاف البنوك الخليجية على الصكوك المتعثرة، مشددا أن هذه البنوك ستحظى ومن دون شك بدعم دولها لمواجهة مصاعب انكشافها على هذه الصكوك. وأضاف: ''وفي حالة اضطرت هذه البنوك إلى تسجيل خسائر معينة (يقصد من الصكوك)، فإن هذه البنوك عندها الرأسمال الكافي لاستيعاب هذه الخسارة، فضلا عن قدرتهم على الحصول على دعم في حالة وجود حاجة إليه. وذكر محيي الدين أن دول المنطقة تحاول حماية بنوكها وتبذل قصارى جهدها لاحتواء رقعة حالات التعثر.
وأكد ظافر صالح القحطاني الرئيس التنفيذي لشركة دراهم كابيتال، أن جميع تلك المؤسسات المالية (المنكشفة على الصكوك المتعثرة) أخذت مخصصات. وفي مثل هذه الحالات تقوم هذه البنوك ''باقتطاع مبلغ معين من الأرباح المستقبلية، وتظهر في الميزانية مخصص 100 في المائة للمديونية الفلانية, وفي حال استرجعت تلك الخسائر ''المحتملة'' ، يقوم البنك بعكس ذلك المخصص وإدخاله حساب الأرباح''.
وقال روبرت مايكل رئيس اللجنة الفرعية للشريعة الإسلامية في نقابة المحامين في مدينة نيويورك، ''إن كثيراً من هذا الصكوك يتم تداولها دون قيمتها الاسمية، ويبدو أن من المرجح تماماً أن بعض الجهات والبنوك المستثمرة في الصكوك اختارت، أو أنها اضطرت (بضغط من المدققين والأجهزة التنظيمية) إلى تخفيض قيمة الموجودات في قيودها الدفترية، وبالتالي تكون في وضع تسجل فيه خسارة، ويستخدم ذلك كتخفيض ضريبي، في مقابل الأرباح والدخل على الموجودات الأخرى . لكننا لن نعلم ذلك إلا حين تنشر هذه الجهات (هذا إن فعلت) تقارير بياناتها المالية''.
معلوم أن المخصص عبارة عن حجز مبلغ من الأرباح مقابل المديونية. وإذا استردت هذه المديونية، ترجع هذه المخصصات إلى الأرباح سواء السنة الحالية أو السنة المقبلة.
9 حالات تعثر
في الوقت ذاته، سجلت صناعة الصكوك أخيرا الحالة رقم 6 في أعداد الصكوك التي تأكد تعثرها. وجاءت هذه المرة من باكستان وبالتحديد من شركة New Allied Electronics Industries التي قامت وكالة التصنيف JCR-VIS الباكستانية بتخفيض تصنيف صكوكها (تبلغ قيمتها 16.4 مليون دولار) إلى D، بحسب موقع Zawya الاقتصادي. وبذلك تصطف الشركة الباكستانية إلى جوار الجهات التي تأكد تعثر صكوكها مثل: شركة النفط والغاز الأمريكية المفلسة ''إيست كاميرون'' (قيمة إصدارها 165.6 مليون دولار) وشركة دار الاستثمار الكويتية (قيمة إصدارها 100 مليون دولار) وكذلك ثلاث شركات من ماليزيا (أوكسبريدج- هارتابلوس- أنجرس) والتي تبلغ قيمة إصداراتها مجتمعة نحو عشرة ملايين دولار. في حين بقيت أعداد الصكوك، التي هناك شبه إجماع على تعثرها فنيا، على ما هي عليه, وهي: صكوك نخيل (قيمتها 3.5 مليار دولار) وصكوك ''بيت الاستثمار العالمي'' (قيمتها 69.5 مليون دولار) وصكوك شركة سعد للتجارة والمقاولات والخدمات المالية (قيمتها 650 مليون دولار).
انكشاف ماليزي على صكوك خليجية
يبدو أن فقاعة الائتمان التي انفجرت في منطقة الشرق الأوسط كان لها أثر سلبي في الصناعة المصرفية في شرق آسيا. وذلك بعد تقديرات وسائل الإعلام الماليزية أن بنك RHB Capital BHD الذي يعد رابع أكبر مجموعة مصرفية في ماليزيا، قد يمنى بخسارة ربعية قدرت بـ 16 في المائة من الربح الصافي من جراء انكشافه على صكوك دار الاستثمار الكويتية، ولا سيما أن البنك مكتتب بما قيمته25 مليون دولار أمريكي. وقد أظهر فحص لسجلات بنك RHB الخاصة بالربع الأول من السنة المالية المنتهي بتاريخ 31 آذار (مارس) 2009, أن البنك لم يقيد أي تخفيضات في قيمة الأصول بسبب العجز عن السداد. ومن غير المعروف متى سيقوم البنك بتسجيل الخسائر في دفاتره، بحسب تقرير صحيفة ''ذا إيدج'' الماليزية.
وبحسب Zawya Dow Jones، فقد تم أخيرا إنشاء لجنة من تسعة أعضاء، تضم بنوكا خليجية وأوروبية، لتسهيل محادثات إعادة هيكلة الدين بين شركة دار الاستثمار ودائنيها.
بنوك عالمية منكشفة على صكوك سعودية
أظهر مشروع قرار حصلت عليه ''رويترز'' في الأسبوع الماضي أن حملة سندات إسلامية تبلغ قيمتها 650 مليون دولار أصدرتها مجموعة سعد السعودية المتعثرة يعتزمون تشكيل لجنة لتتولى تمثيلهم خلال اجتماعات الدائنين. وينص القرار على أن تتولى اللجنة إجراء المفاوضات مع الهيئات الممثلة لحملة الصكوك والتي تشمل شركة سيتي كورب ترستي و''أي أطراف أخرى ذات صلة.'' وأرسلت الوثيقة التي أعدتها شركة ماير براون إنترناشيونال إلى عدد كبير من البنوك ومديري الصناديق عبر البريد الإلكتروني إلا أنه لم يتضح ما إذا كان جميع البنوك الـ 15 هي حملة لهذه الصكوك
وقال محيي الدين ''لا توجد وسيلة للتأكد مما إذا كانت هذه البنوك حامله لصكوك مجموعة سعد من عدمها، حيث من الممكن أن تكون هذه البنوك ممثلة لعملاء اشتروا هذه الصكوك بالنيابة عنهم''. ويتضح من قائمة البنوك المنكشفة على صكوك سعد وجود أسماء كبرى من أمريكا الشمالية كبنك جولدمان ساكس و BlackRock وبنك Montreal الكندي وبنك Credit Agricole الفرنسي, فضلا عن عملاق الصيرفة الماليزية CIMB.
ووفقا لبنك BNP Paribas فقد استحوذ الأوروبيون على ما نسبته 46 في المائة من صكوك ''سعد'', ما يعني أن النسبة المتبقية توزعت على الخليجيين والآسيويين. ولم تنف أو تؤكد الشركة التي هيكلت صكوك سعد (وهي Norton Rose للاستشارات القانونية) قيام البنوك بتجنيب مخصصات لهذه الصكوك, حيث اكتفت بالقول في رسالتها الإلكترونية لـ ''الاقتصادية'' بأنها غير قادرة على الإدلاء بأي تصريحات.
يعلق القحطاني، خبير في المصرفية الاستثمارية، على انكشاف بيوت المال العالمية على صكوك سعد بقوله ''إنني متأكد من أن جميع تلك البنوك أخذت مخصصات منذ فترة، وذلك عن طريق إدارة المخاطر الائتمانية في تلك البنوك, ومن سوء التقدير والإهمال منها عدم أخذ أي مخصص''. وعن أعداد المؤسسات المالية العالمية المكتتبة في الصكوك المتعثرة بشكل عام، يقول القحطاني ''من الطبيعي أن البنوك بجانب المكاتب العائلية والصناديق السيادية ومديري الأصول هي أكثر من تشتري الصكوك وذلك لعدم وجود سوق ثانوية, حيث يتم الشراء لخزانتها أو تشتريها وتخصصها لصناديق الصكوك التي لديها وكذلك لبعض المحافظ المدارة من قبلها''.
وفي سؤال عن مقدار المخصصات الخاصة بالصكوك المتعثرة ولاسيما المسعرة بالدولار، قال روبرت مايكل، مؤسس شركة Robert E. Michael & Associates للمحاماة، :''من المرجح أن تكون الخسائر كبيرة, ولكن إذا ما كان أي بنك سيعتبر أن هذه الخسائر ''فادحة'' فإن هذا يتوقف على مقدار الصكوك الموجودة في حوزته ومقدار رأسمال البنك. بالنسبة إلى بنك في مركز جولدمان ساكس أو كريديت أجريكول، فإنه بصرف النظر عن مقدار الخسارة الفعلية، فإنها ستكون أدنى بكثير من أن تعد أمراً مؤلماً بالنسبة إليهما.
وكان مصدر مطلع قد ذكر لـ ''رويترز'' في الأسبوع الماضي أن مستثمرين من شركة جولدن بلت 1 الإسلامية للصكوك، الصادرة من مجموعة سعد، شاركوا حتى الآن في اجتماعين في مكتب شركة Norton Rose في لندن لمناقشة مسألة الصكوك. ومن الشائع أن يقوم حاملة السندات بتشكيل لجنة للدفاع عن موقفهم قبل عملية إعادة هيكلة الديون.
وعلق لـ ''الاقتصادية'' مصدر على اطلاع بمثل هذه الاجتماعات أن معظم حملة الصكوك الذين سيصوتون على اللجنة التي ستمثل مصالحهم يرغبون في معرفة كيف يستطيعون تخفيف حدة الخسارة وليست الحماية من الخسارة لأنه مناف لمبدأ المشاركة في الربح والخسارة, وكذلك معرفة ما إذا كان تعثر هذه الصكوك فنيا ، أو أن الصك دخل النوع الثاني من التعثر الذي يطلق عليه ''مخالفات في خدمة المديونية المستحقة'' ، وفي هذه الحالة سيتم اتخاذ إجراءات أشد احترازية من قبل حملة الصكوك والدخول في مرحلة الإجراءات القانونية والقضائية. إلا أنه يرجح أن يكون التعثر فنيا، كما يشير معظم الآراء، وفي هذه الحالية ستتم معالجة ذلك بوضع قيود ملزمه للمصدر. في حين شدد مصدر آخر على ضرورة حصول اللجنة المرشحة على 70 ـ 75 في المائة من أصوات حملة الصكوك، لكي تصبح قراراتها إلزامية عليهم. في السياق ذاته، قالت ''نخيل العقارية'' في الأسبوع الماضي إنها تراجع شروط استرداد صكوك لها، يحين موعد استحقاقها عام 2011 وذلك وسط مخاوف في السوق بشأن الطريقة التي ستسدد بها الشركة ديونها. ووصف لـ ''الاقتصادية'' مصدر على اطلاع واسع بما يجري مع الشركة الإماراتية بأن ''نخيل'' بدأت تفكر وبكل جدية في مسألة إعادة هيكلة الصكوك، وذلك عبر إجراء تعديلات قانونية على الوثائق الخاصة بهذه الصكوك. وتابع المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، وعليه، ففي حالة قررت الشركة الإعلان بشكل رسمي عن إعادة الهيكلة، تكون إجراءاتها في هذه الحالة سليمة.