زيادة ملحوظة في السندات الإسلامية التي تطلب «إعادة هيكلتها» تحسبا لتعثرها بعد أشهر
فند فقيه مصرفي ما يتداوله بعض المحامين الغربيين من كون فقهاء المصارف لا يعرفون كيفية التعامل، من المنظور الشرعي، مع حالات التعثر التي أصابت صكوكهم، نظرا لكون هذه الحالات جديدة عليهم ولم يشهدوا مثلها من قبل. ورد حسين حامد حسان، خريج جامعة الأزهر، بصرامة على هذه الانتقادات، عندما أبدى انزعاجه من تدخل المحامين في تخصص شرعي دقيق يعاني القانونيون صعوبة في استيعابه أصلا. حيث يقول: «يعني المحامين الذين تخرجوا وتخصصوا في القانون «الإنجليزي» و»الفرنسي» أصبحوا فجأة يعرفون في الصناعة المالية الإسلامية، التي ترتكز أساسياتها على الفقه الإسلامي, والتي تتطلب دراسة تصل إلى 20 عاما في كليات الشريعة».
وانضم نظام يعقوبي، خريج جامعة McGill الكندية، إلى ما ذهب إليه حسان. وقال: «ليس من حقهم أن يعمموا ذلك الرأي على جميع فقهاء العالم الإسلامي الذين يقدرون بعشرات الآلاف. وهذا فيه إجحاف». وتابع الفقيه البحريني: «حتى القانونين مختلفين فيما بينهم، فهل يعني هذا أن «فقهاء» القانون جهلة ولا يعرفون القانون؟ هناك تفسيرات وقوانين وأنظمة في كل منطقة، وعليه فهذا الأمر في حاجة إلى نظر وبحث واجتهاد. وبحسب علمي، لا توجد قضية إلا ووجد لها حل من قبل فقهاء الصيرفة الإسلامية.
فقولهم هذا الكلام ليس دقيقا. وأنا لا أعرف أن فقهاء الصيرفة الإسلامية عرضت عليهم مشكلات في الصكوك، وقالوا لا نعرف لها حلا».
وكانت مجلة «يوروموني» قد نسبت إلى مصدر على علاقة بإعادة هيكلة الصكوك في الخليج قوله إن «الأحكام الشرعية لا تأخذ مسألة التعثر (في الصكوك) بصوره جدية، لأن الشركة المصدرة لا يمكن أن تصاب بالتعثر إذا كانت توزع ربحا وإذا لم توزع أرباحا دورية، فإن معنى ذلك أنك لن تصاب بالتعثر. كل ما في الأمر أنك تؤجل، أو أنك تجلس حول المائدة لمناقشة الأمر».
#2#
أبلغت «الاقتصادية» مصادر قانونية مطلعة أن مكاتب شركات المحاماة العالمية بدأت في تسجيل «زيادة» ملحوظة في أعداد الشركات الخليجية التي سبق لها أن أصدرت صكوكا، إلا أنها تعتقد أن لديها مؤشرات تفيد بأن صكوكها ستتعثر خلال الأشهر الستة المقبلة، وعليه «تستبق» الوضع عبر طلب»إعادة هيكلتها» ليتسنى لها الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه حملة سنداتها. وفي الوقت الذي يتشاور فيه المحامون مع الشركات المصدرة للسندات عن كيفية إيجاد مخرج للتعامل مع حالات التعثر التي أصابت صكوكهم، تمكن فقيهان من الخليج من إيجاد حل مبدئي «يرفع الحرج الإعلامي» عن سمعة الشركات المصدرة عبر مساعدتها على الهروب من إعلان تعثر صكوكها بشكل قانوني.
ويتلخص الحل المبدئي في إصدار صكوك جديدة ثانية يقوم فيه حاملو الشهادات بشراء الأصول الموجودة مع الصكوك القديمة «المتعثرة أو التي على وشك» ، إلا أنه يشترط في ذلك متانة الموقف الائتماني للشركة، في إشارة تعكس مدى القلق مما إذا كانت الأسواق المالية ستوافق أصلا على إعادة إقراضها بعد أن ثبت تعثر إحدى أدواتها المالية في وقت سابق.
وتأتي تلك التطورات مع ورود أنباء من إحدى كبرى سوق للسندات في جنوب شرق آسيا تفيد فيها بأنها تنتظر لحالات التعثر في الصكوك الماليزية أن تزداد هذه السنة لتصبح الأعلى منذ الأزمة المالية الآسيوية، في الوقت الذي تبذل فيه الشركات أقصى ما في وسعها لتسديد الالتزامات والدفعات المترتبة على السندات الإسلامية.
وقالت لـ «رويترز» وكالة التصنيف الائتماني MARC إنها تتوقع أن 3.6 في المائة من جهات الإصدار يمكن أن تتخلف عن تسديد التزاماتها هذه السنة. معلوم أن «الاقتصادية» ذكرت في تقارير سابقه لها أن إجمالي حالات التعثر بشكل عام بلغت تسع حالات. منها ست حالات لصكوك تعثرت بشكل قانوني وثلاث حالات لصكوك تعثرت بشكل فني. ويراقب القريبون من صناعة المال الإسلامية عن كثب كيفية تتطور قضايا الصكوك المتعثر. لأن جميع المكونات الموجودة في الصكوك، وإن كانت نظريا جيدة، فإنها تقع تحت الاختبار على أرض الواقع.
الهروب الصامت
بحسب مصادر قريبة من فقهاء الصيرفة الإسلامية، تعكف الشركات التي ترى أن صكوكها مرشحة للتعثر بتدارك الوضع عبر عمل الاحتياطات اللازمة قبل وقت كافٍ وذلك عبر إصدار صكوك ثانية. وهنا يقول الفقيه السعودي محمد علي القري: «هناك صكوك تمت إعادة هيكلتها من دون أن يتم إعلان تعثرها (بشكل قانوني). الشركة المصدرة لم تستطع دفع ما عليها، لأن موعد استحقاق هذه الصكوك قد حان وتم علاج الموقف بإصدار صكوك أخرى وهذه الطريقة لا تصلح إلا مع الشركات التي وضعها الائتماني جيد».وعلق على ذلك حسين حامد حسان، رئيس هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بنك دبي الإسلامي، بأن على حملة الصكوك أن يعينوا المعسر عبر إعطائه فترة سماح Grace Period كافية له أن تعينه على إعادة جدولة التزاماته المالية على مدد أطول.
يذكر أن «نخيل العقارية» قبل وقت ليس بالبعيد أعلنت أنها تراجع شروط استرداد صكوك لها، وسط تكهنات في السوق أن «نخيل» بدأت تفكر وبكل جدية في مسألة إعادة هيكلة صكوكها، وذلك عبر إجراء تعديلات قانونية على الوثائق الخاصة بهذه السندات.
شراء الموجودات
إلى ذلك، كشف نظام يعقوبي، أحد أكثر الفقهاء الخليجيين تأثيرا في الساحة المصرفية، عن وجود استفسارات مبدئية من قبل المؤسسات المالية حول إمكانية إصدار صكوك جديدة يقوم حاملوها بشراء الصكوك القديمة والأصول التابعة لها. مع وجود تساؤلات حول كيفية معالجة وضع حملة الشهدات للسندات القديمة وهم يرون صكوكهم تشترى من قبل حملة صكوك «جدد». وأعطى مثالا على ذلك بقيام جهة سبق لها أن أصدرت صكوكا وترغب الآن، قبل أن يحين أوان موعد إطفاء صكوكها السابقة، أن تقترح على المستثمرين أن يدخلوا في منظومة جديدة بحيث تشترى منهم هذه الصكوك القديمة ويصبحون بعد ذلك مالكين للصكوك الجديدة.
الفقهاء والتصويت
ويرى يعقوبي أن هذا النوع من المعالجات في حاجة إلى موافقة معظم حملة الصكوك القديمة. ومن المنظور القانوني الخاص بالسندات التقليدية، فإن تغيير الشروط الخاصة بمستندات الصكوك يتطلب موافقة الأغلبية من حملة الصكوك. فكثير من الصكوك الدولية يحكمها القانون المالي الإنجليزي التقليدي، حيث إن هناك نصاً بأن تمديد تاريخ الاستحقاق لسند معين أو تخفيض قيمته الاسمية يتطلب موافقة الغالبية العظمى بنسبة 75 في المائة أو أكثر من حاملي السندات بحسب القيمة.
لكن من حيث الالتزام بالأحكام بالشرعية فإن جهات الإصدار تحتاج كذلك إلى التفكير بعناية حول ما سيحدث إذا لم تتمكن من الحصول على الموافقة الجماعية. تقول لمجلة «ذا بانكر» فارميدا بي، شريكة لدىNorton Rose للمحاماة، «بموجب الأحكام الشرعية، ليست هناك مشكلة في قيام الطرفين المتعاقدين بتغيير أحكام العقد برضا الطرفين. ولكن الفقهاء سيشعرون بالقلق من أن هناك أقلية من المستثمرين لن يتلقوا معاملة منصفة».
ويعتقد يعقوبي أنه من المستحسن في مثل هذه الحالات الانتظار لكي تستقر الأوضاع وتتبين المشكلة . فهو يقول، هل هذه « الإخفاقات في الصكوك هي بسبب السوق أم بسبب مخالفة الشروط, فكل أمر من هذه الأمور، له علاج خاص. فإذا تعدى مصدر الصك وخالف الشروط، فإن معالجته تختلف عن الذي لا دخل له بالموضوع ونزلت قيمة أصول صكوكه بسبب ظروف السوق مثلا».
إدارة الخسائر
وينظر القري إلى حالات التعثر في الصكوك على أنها «شيء طبيعي», بل إن الأمر كان سيتطور إلى «أسوأ» من ذلك بسبب الأزمة المالية المعاصرة. وهنا يقول برناردو فيزكاينو المدير التنفيذي لشركة AMSAR، «كل مؤسسة يمكن أن تعاني الخسائر من جراء عمليات تخفيض قيمة الموجودات في دفاترها، وكل هذا يعد جزءاً طبيعياً من العالم اليومي للأعمال. السؤال ليس هو أن المؤسسات المالية الإسلامية يمكن أن تعاني الخسائر بالأصل، وإنما مدى استعدادها لإدارة هذه الخسائر. إذا كانت إحدى هذه الأدوات المتعثرة موجودة في محفظتك الاستثمارية، عندها يجب أن تكون المحفظة متنوعة جيداً, وأن تكون هناك مخصصات سائلة للتعامل مع العاصفة.