الزواج في الإنترنت

سوق الزواج الحالية اختلفت عن أيامنا، وكانت تتبع أسلوب ذهاب الوالدة فتدخل بيوتا وتتعرف على بنات مناسبات لابنها الشاب. وهذا الأسلوب كان الرائج أيامنا وتبدل مع اقتحام الإنترنت بأمواجه بيوت أكثر من مليار من البشر. فأصبح سوق الزواج مختلفا مباشرا لا يخلو من الخداع والتدليس، ولكنه فتح نافذة عجيبة من تعرف الرجل على النساء.
وميزة الزواج القديم هو التعرف على بنت من نفس البلد والبلدة تراها الأم كأنثى فتقرر جمالها من قباحتها، ونظافتها من قذارتها، وأناقتها من ابتذالها، بل وتشم رائحتها، لتكتشف بخر الفم، ورائحة العرق، واتساخ الملابس وخشونة اليدين.
وكانت العادة من (الخطابات) أن يطرقن الأبواب بصراحة في طلب يد البنت وأحيانا على نحو غير مباشر، فتدخل الفتاة فتتقدم بفنجان قهوة فتتأملها الأم الخطابة وتعانقها لتكتشف خفايا جسمها ونحافتها من بدانتها ورائحتها وأمورا تعرفها النساء أكثر من الرجال.
أما اليوم فقد تغير الوضع وبدأ الشباب في التعرف على الآلاف من البنات وعن طريق الإنترنت.
ومثلا في موقع «قران» العالمي يوجد مليون عضو، فإذا أراد الشاب أن يعرف ساحة الزواج فليس عليه سوى كبس زر الكمبيوتر على السن والبلد فيأتيه العرض «بالهبل» كما يقولون. وبكمية يحتاج فيها إلى الساعات وهو يتأمل الفتيات من عرضت صورتها ومن أعطت مواصفاتها، من طول وقصر، وبدانة ونحافة مفرطة، ودراسة وعمل ودخل سنوي واهتمامات، بل وضع موسيقى محببة لمن عرض نفسه.
عندها يقوم الشاب أو الفتاة ببداية التعرف، وهنا المصيبة، لأن لصوص الأعراض كثيرون، فقد يكون شاب يريد العبث، وفتاة كاذبة، وامرأة قد غيرت عمرها وموقعها وبلد نشأتها، وآخر يريد التسلي لأنه ليس عنده شيء يتسلى به، وهل هناك أمتع من التحدث مع عشرات الفتيات في نفس الوقت!! إنها سوق خطيرة لمن أراد تحصين نفسه بزواج، وسوق سفلة لمن يريد الضحك على البنات وتوريطهن، أو بالعكس من تريد اصطياد رجل بكلمات معسولات كاذبات.
مع هذا فالموقع أي «قران» وسواه الذي يملأ خزائنه من مال مليون مشترك بالدولار الحلو، حريص على كشف الخداع والتدليس حتى لا يتأثر موقعه بسمعة سيئة وضحك على الذقون فيقوم بالتنبيه على أي تغيير يدخله المشترك على بلده وسنه ووضعه العائلي، فقد تكون واحدة مطلقة وحولها (كومة) أطفال فتعلن عن نفسها أنها بكر عروب تروب، أو عجوز شمطاء تدعي جمال أفروديت وعنق نفرتيتي ورشاقة بينلوبي، ليكتشف المتورط لاحقا أن عليه إعالة عائلة هائلة بالخبز واللحم والجبن والشاي. بعد أن يقع في حب الموصوفة الغزال!
مع هذا فالموقع يرحب جدا بالنجاحات التي يقوم بها في ربط الرجال بالنساء في زواج قد يتوفق وقد يضل طريقه، فيخبر عن قصص نجحت ويخفي الفشل الذي يغطي معظم الاتصالات، وهكذا هي طبيعة الحياة.
وهكذا فنحن أمام إفراز العولمة من جانب غير متوقع، فإذا بفتاة تايلاند تذهب لكردستان تبحث عن زوج راسلته وأحبته، فتزوره وتبقى عند أهله أربعين يوما ثم يودعان بعضهما بالدموع على أمل اللقاء، أو رجل من الأرجنتين راسل فتاة من المغرب فشد الرحال إلى موطن ابن بطوطة ليجتمع ببنت بطوطة وملك الجان الأحمر في طنجة وتطوان.
والسؤال والجواب حول هذا التطور هل هو مشجع؟ هل هو مخيف؟ هل هو تزحلق إلى الهاوية؟ هل هو مسك سمك بالماء. وعض سمك قرش أبيض في بحر لجي؟ هل هو بركة وضربة حظ وتوفيق من الله العلي المتعال؟ والجواب كل هذا فيه وأكثر!!
«ويستنبئونك» أحق هو قل أي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي