العالم العربي من أين إلى أين؟
يقولون إن الحقيقة موجعة ومن الأفضل ألا تقولها!! ولكن المشكلة أننا إذا لم نقلها قالها غيرنا وهو ما جاء في تقرير المجلة الاقتصادية «الإيكونوميست».
فقد نشرت المجلة الاقتصادية the Economist الأسبوع الماضي تقريرا خاصا عن العالم العربي، تقول فيه إنها كانت قد نشرت تقريرا آخر عن العالم العربي عام 1990 بعنوان «عندما يمر عليك التاريخ» (أو عندما ينساك التاريخ) وكان هذا عندما كانت أوروبا الشرقية الاشتراكية تسقط.
وبعد 20 عاما فعلى ما يبدو أن التاريخ مازال يمر من العالم العربي (أو مازال التاريخ ناسيا العالم العربي). وعلى صعيد الشعارات التي طرحت في الحرية والوحدة وإسرائيل فما زالت الأوضاع السياسية «مكانك راوح». وما زالت الحكومات نفسها بالسياسات نفسها. وأما الوحدة: فما زال العرب متفرقين ويزدادون فرقة وصراعا حتى فتح وحماس تقاتلتا بكل حماس. وأما إسرائيل فأبعد ما يكون الوضع عن أي حل سلامي معها،
أو لنقل عن عبور التاريخ إنه ربما لا يمر التاريخ بالعرب وإنما يمر بالطريقة الغلط؛ ففيه الكثير من العنف من الداخل والخارج، ومثلا فغزو صدام للكويت كان تحولا نوعيا للمنطقة، مما أدى إلى بروز منظمة القاعدة وسقوط الأبراج وغزو أمريكا لأفغانستان ومن بعدها التهام العراق بأفضل من فطيرة محشوة بالزبيب تحت مقولة الحرب ضد الإرهاب.
الحرب تحدث في العالم كله ولكن لماذا كان العالم العربي معرضا لها أكثر من أي منطقة أخرى؟
والجواب متعدد؛ فأولا وجود النفط، وكما قال أحدهم إن من عنده النفط عنده قدرة السيطرة على العالم، والعالم العربي عنده 75 في المائة من النفط العالمي، ومادام هذا قائما؛ فإن قوى العالمية القاصية والدانية ستظل تتشابك في المنطقة.
وثانية الأثافي هي القضية الفلسطينية والحرب مع إسرائيل.
وثالثا وربما ولعله أهم سبب في عدم استقرار المنطقة هو طبيعة الحكومات العربية نفسها، فالعديد من أصل أكثر من 20 دولة عربية في المنطقة لا تشم رائحة الديمقراطية ولو من بعد 40 خريفا! كم قالت المرنيسي المغربية حين سمعت جدتها بالكلمة منها ظنتها جزيرة في المحيط!! والطريقة المتبعة هي الاضطهاد وهناك أمثلة مضروبة.
وهناك أيضا مشكلة أخرى في العالم العربي وهي فقدان صمغ الهوية الشعبية nationhood وكما قال دبلوماسي مصري عن دول العالم العربي هي قبائل معها أعلام.
وما نسميه العالم العربي هو هوية واسعة، ولا يمكن أن تكون هوية واحدة فقط. ومع أنه ربما لم يمس الشعب العربي كله الحروب التي حدثت في العقدين الماضيين على المستوى الروتين اليومي ولكن مسته شخصيا عن طريق التلفزيون.
كما لا يمكن تجاهل المشكلة في المنطقة، فهي أودت بحياة أكثر من مليون شخص في العقدين الماضيين، وما يشغل بال الكثيرين أن الأسباب المذكورة سابقا من أسباب عدم الاستقرار في المنطقة ما زالت موجودة بشكل قوي إلى هذا اليوم، وكأنها أصبحت أمراضا مزمنة.
العالم العربي اليوم مكون من 22 دولة تضم 360 مليون مواطن (تضاعف عدد سكان المنطقة من سنة 1970 من 180 مليونا إلى 360 مليونا)، ومن الهويات المتداولة في المنطقة، الهويات القبطية والمارونية والكردية والإفريقية والمسلمة والعربية وغيرها ـ هكذا تقول مجلة «الإيكونوميست» ـ فقولك أنت عربي هي هوية متزحلقة كما هو قولك أنت أوروبي، ومثلا فإن إفريقيا مسيحيا يعيش في السودان والذي هو من الدول الـ 22 العربية يستغرب أنه يقال له عربي، وكذلك أيضا سيكون رد الفعل لمسلم كردي في العراق، خلافا للمسيحي الفلسطيني أو اللبناني فهو يعتبر نفسه عربيا، وهكذا -على قول المجلة- فالعرب ليسوا عرقا موحدا ولا دينا موحدا ولا حتى لغة موحدة، والعربية المتداولة في سورية مثلا مختلفة جدا عن العربية المغربية ولو تكلم المغربي بلغته كما هو لما فهمه السوري إلا قليلا (ديالي = ما يخصني ـ خزو= جزر ـ مطيشة = طماطم ـ دابا = الآن ـ وقيلا = ربما) وأنا شخصيا فوجئت في المغرب ثلاث مرات؛ عدم فهم (ما يهرجون) وثانيا حبهم للإسلام وتدينهم العميق المنفتح، وثالثا وجود ثلاث لغات بينهم لا يفهم كل واحد على الآخر إلا باللسان العربي الذي يوحدهم والإسلام الذي يجمعهم. وأعظم المفاجآت عندي كان انتشار كتابي النقد الذاتي كلقاح ضد شلل العنف وخناق التعصب وكزار الإرهاب. وهو كتاب يجب طبعه ملايين المرات وغسل أدمغة الملايين من الشباب به للتحرر من التعصب والعنف والإرهاب.