لغتنا هي العربية وليس غيرها (1 من 2)
اللغة ليست فقط مجرد وسيلة تواصل وتخاطب، بل مكون أساسي من مكونات الهوية الوطنية، وحين يكون لهذه اللغة ارتباط ديني وتاريخي تصبح قيمتها أكبر وأهم من كونها مجرد لغة، ولغتنا العربية تتصف بكل هذه الصفات التي جعلت منها معبرا حقيقيا وواقعيا عن الهوية العربية والإسلامية، فهي أولا لغة القرآن الكريم ولغة تراثنا العربي والإسلامي الثري والعميق, وعامل جامع لأمة عربية تمتد من المحيط الأطلسي للخليج العربي، وهذا التميز الذي حظيت به اللغة العربية، جعلها هدف أعداء الدين والأمة الدائم على مدى العصور، وهو ما عرضها لمحاولات شتى للقضاء عليها إن أمكن أو إضعافها على أقل تقدير, تارة عن طريق محاولات الاستعمار وخاصة الفرنسي لإزالتها بمنع استخدامها واتخاذ لغة المستعمر بدلا منها، وتارة أخرى بدعوات مشبوهة سعت لإحلال اللهجات المحلية من أجل القضاء على الفصحى، كما حدث للغة اللاتينية، وثالثة لاستبدال الأبجدية العربية بالأبجدية اللاتينية، كما فعل كمال أتاتورك في تركيا، إلا أن كل هذه المحاولات فشلت واندثرت وبقيت اللغة العربية صامدة شامخة حتى يومنا هذا، وما أسهم في بقائها وتطورها بالرغم مما واجهته من محاولات ودسائس لإضعافها أنها لغة القرآن الكريم، الذي تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه ''إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون'' صدق الله العظيم.
في عصرنا الحالي ومع مد العولمة انتشت مرة أخرى المحاولات والمؤامرات الرامية لإضعاف لغتنا العربية، ووجدت الفرصة سانحة هذه المرة بانجراف البعض منا نحو إضفاء تعظيم من قيمة وشأن اللغة الإنجليزية إلى حد جعلها في لغة المال والأعمال والتعلم بل وحتى النقاش والتخاطب، مقابل تهميش للغتنا العربية ونبذها بتهمة أنها لغة قاصرة لا تصلح للعصر وأدواته، بل وصل الأمر كما نشاهد في أسواقنا إلى شيوع المسميات الأجنبية للمحال والأسواق وبطريقة مستفزة وواضح فيها الازدراء للغتنا العربية لغة القرآن الكريم، وظاهرة انتشار استخدام كلمات ومسميات إنجليزية مع وجود مقابلها العربي، هي صورة من صور غزو ثقافي خطير وبالغ يستهدف في نهاية الأمر هويتنا بضرب صميمها وهو اللغة، فبدلا من التعريب بتنا نحرص على التغريب بكل أسف.
كل هذا بني على وهم أريد لنا أن نسلم به ونقتنع وننساق خلفه، وهو وهم أو إيهام بأن اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية الوحيدة الأوسع انتشارا واستخداما، وأنه لا توجد لغة أخرى تقوم بدورها ومهامها في وقتنا الحالي لمن أراد أن يتفاعل مع العالم، وأن من لا يتعلمها ويتقنها فسيجد نفسه خارج الزمن والعصر، وهذا في واقع الأمر ليس صحيحا ومبالغ فيه، فالإنجليزية هي واحدة من لغات عالمية وليست الوحيدة، فهناك الفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية وكذلك العربية على سبيل المثال، ودليل ذلك أنها - ومنها العربية - اللغات المعتمدة في المؤسسات والهيئات الدولية كالأمم المتحدة مثلا.
المؤسف بل المحزن أن كل هذه اللغات ومعها لغات كاليابانية والإسبانية والفارسية والتركية والإندونيسية وغيرها من لغات أخرى هي المستخدمة في التعاملات التجارية وفي التعليم وكل مناشط الحياة في بلدانها وليس اللغة الإنجليزية، بينما نحن في بلادنا العربية أو أغلبها بتنا نتخلى عن لغتنا العربية ونهمشها ونضعف من استخداماتها داخل مجتمعاتنا ونحل محلها اللغة الإنجليزية، بدلا من أن نتمسك بها ونعلي من شأنها كما يفعل الآخرون مع لغاتهم الأصلية، والأشد حزنا أنهم في تلك البلدان لديهم غيرة شديدة على لغاتهم، فيما نحن نستنكف عن استخدام لغتنا في بلادنا.
نحن هنا لسنا ضد تعليم اللغات الأخرى وخاصة اللغة الإنجليزية، فمن تعلم لغة قوم أمن مكرهم، ولكننا ضد طريقة استخدامها، أي لا بأس بل مطلوب تعلمها لنتواصل بها مع غيرنا في هذا العالم، ولكن ليس من أجل أن نحلها محل لغتنا في مؤسساتنا وأسواقنا وحتى تعليمنا الجامعي، وهذا هو الحادث بكل أسف، فهذا الإعلاء من قيمة اللغة الإنجليزية في هذا التوسع في استخدامها بما ليس له لزوم هو خطأ وخطيئة، خطأ لأننا نملك لغة حية وثرية تعتبر واحدة من أعرق اللغات العالمية وأقواها، وخطيئة لأننا بذلك نسهم في إضعاف لغتنا العربية ومقدمة لتحويلها للغة ثانية أو لغة سواحيلية لا دور ولا قيمة لها.
إن الحجة التي يسوقها من يدعو لاستخدام اللغة الإنجليزية هذا الاستخدام الواسع في كافة أعمالنا وتعاملاتنا وحياتنا، وهي أنها لغة المال والأعمال العالمية حجة ليست صحيحة، وفند هذه الحجة الأستاذ محمد المهنا أبا الخيل في مقاله المنشور في ''الاقتصادية'' في 22/7/1430هـ بعنوان ''اللغة العربية باتت لغة ثانية وفي طريقها لتكون لغة ....''، وصمت عن الكلام المباح، بقوله ''نعم اللغة الإنجليزية هي اللغة البينية بين الأمم، ولكنها حتما ليست لغة الأعمال في اليابان وليست لغة الأعمال في الصين ولا البرازيل ولا هي كذلك في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وتايلاند وتركيا ومعظم دول العالم'' ويضيف الأستاذ أبا الخيل نقطة مهمة تغيب عن كثيرين وهي أن الإنجليزية ''لغة الأعمال في الدول التي تكونت من قوميات مختلفة شكلت اللغة الإنجليزية مشتركا أعظم لها كالهند وجنوب إفريقيا وسنغافورة ونيجيريا، على أن بعض الدول التي حاولت أن تتبنى اللغة الإنجليزية - كما يدعو بعض منا - كعامل نهضة لوجود معوقات في نمو لغاتها الأصلية مثل الفلبين وماليزيا وأوغندا لم تنجح نجاحا متميزا في ذلك وباتت تعاني طبقية لغوية تهدد بتفكك بلدانها حول محاور لغوية'' انتهى كلام الأستاذ أبا الخيل، ونستكمل الموضوع الأسبوع المقبل.