حظوظ الإنسان في الدنيا مرتبطة بمجتمعه

يرى المفكر (مالك بن نبي) أن حظوظ الإنسان في الدنيا هي من المجتمع الذي يعيش فيه، مثل من يركب دراجة فيكتسب سرعتها ويتغير قدره عندما يركب سيارة مرسيدس شبح ألمانية أو فياجرا ونملة فترتفع سرعته إلى ما فوق 100 كيلومتر في الساعة!
فإذا ركب طائرة بوينج 747 قفزت السرعة إلى ما فوق 600 كيلومتر في الساعة.
ولكنه إذا ركب صاروخاً من إرسال وكالة ناسا للفضاء، قفزت السرعة فاخترقت قانون الجاذبية بسرعة تزيد على عشرة كيلومترات في الثانية أي 600 كيلومتر في الدقيقة أو 36000 كيلو متر في الساعة الواحدة، وهو ما يعني دوران الكرة الأرضية كلها مرتين ونصف.
ومالك بن نبي المفكر الجزائري يرى أن الإنسان يأتي إلى الدنيا وهو يملك إمكانات مطمورة فيه، والمجتمع هو الذي يصنِّعها، وهو هنا يتحدث عن الحظ الاجتماعي.
مع هذا فهناك شيء اسمه حظ على المستوى الفردي، وتفسير هذا الكلام التالي:
من يولد في اليمن ليس كمن يولد في ألمانيا؛ فالاحتمالات قوية وكبيرة، أن من يولد في اليمن لا يلقى العناية الطبية الكافية، وينشأ دون رعاية فإذا خزن القات انتفخ فمه ليكون مشابها وهو يمضغ هذه النبتة الضارة والمخدرة للعنزة الشاردة، وإذا أصبح شاباً فاحتمالات أن يكون عاطلاً عن العمل كبيرة، فيفر إلى أمريكا وجزيرة كمشتكا، وأن يكون فقيرا فيلعن الزمن والظروف. أما الذي ينشأ في كندا فالاحتمالات هي أن تلقى الحامل الرعاية الكافية، وأن تلد في المستشفى بيد خبراء، وأن يلقح الطفل بلقاحاته المهمة في موعدها، وإذا أصيب بالتهاب أذن وسطى لم يخرج أصم، أو ضعيف السمع؟
والاحتمالات كبيرة ـ لمن ولد في شتوتجارت في ألمانيا وليس في إحدى مدن المغرب العربي! أن يجد عملاً مناسبا وبيتا أنيقا كبيرا، وعندما يتقدم في السن تعطيه الدولة راتبا تقاعدياً يعيش منه بدل مد يده إلى الصدقة.
وفي المقابل، فإن من ينشأ أو يقيم في دول الخليج النفطية حظه جيد أن يجد فرص الحياة أمامه بشكل عام ميسرة من المتطلبات الأساسية وما سواها، ولا يعرف هذا إلا من سافر إلى دول فقيرة ورأى الفقر المدقع الذي يعيش فيه سكانها.
ولكنه لو ولد في الدول النفطية نفسها قبل قرن لكانت حظوظه سيئة وربما رأى المجاعة والمسغبة والطفر، وفر إلى دول أخرى هاربا أو تاجرا، ويعرف هذا الجيل القديم في المملكة ودول الخليج الأخرى ويروونها إلى أحفادهم، واخشوشنوا فإن النعم لا تدوم.
كذلك لو ولد الفرد في ألمانيا مع مطلع القرن الـ 20 لعانى البطالة أو مات في مغامرات الحروب العالمية.
وهكذا يتداخل الأمر بين الزمان والمكان وتطور الدولة ونضج المجتمع. مع هذا فمن يعيش في ألمانيا فلا يشترط أن يكون غنيا متعلماً ويعمل في شركة فيليبس أو براون، فهناك حاليا في كل الدول الأوروبية فقراء وأميون وعاطلون عن العمل، ولكن هذه النسبة متدنية جدا، مقابل وضع الإنسان في رواندا أو الجزائر.
ومن هنا، فإن الآية القرآنية عن التغيير ذكرت كلمة (القوم) (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
أي أن الآية لم تقل إن الله لا يغير ما بفرد حتى يغير ما بنفسه؛ فتأمل الآية يرحمك الله.
أي أن قانون التغيير هو اجتماعي؛ فلو غير شخص ما بنفسه لا يشترط ولا يعني ضمنا وقطعا أن وضعه سيتغير، بل هو مرتبط بالتغيير الاجتماعي عندما تتغير كمية (الكتلة الحرجة) في المجتمع؛ فيتغير المجتمع، هكذا مشت سنن الله في خلقه، وهي قضية يجب استيعابها.
وإذا تبلور هذا التصور عندنا فيمكن نقله إلى التطبيقات الميدانية، بمعنى أن الحظوظ الفردية تلعب دورا هامشياً عند ذلك. وهو ما يؤكد عليه الفيزيائي (إديسون) لأنه كان يعيش في مجتمع يصنع مصيره بيده وليس ريشة في مهب الريح، كما هو الحال في كثير من دول العالم الثالث فقال: (العبقرية 99 في المائة منها جهد و1 في المائة منها حظ).
وبهذه الكيفية يمكن استيعاب ما يحدث لنا في الحياة، وهي نتيجة لا تخلو من السوداوية، لأننا نعيش في العالم الإسلامي في تناقضات كبيرة، بين دول غنية وفقيرة، وفي العالم الإسلامي يوجد أغنى الدول على وجه الأرض مثل الإمارات، وأفقرها مثل بنجلادش، فينتقل كثير من سكانها من الشرق الأقصى لخدمة آخرين في دول غنية. وهو أمر لن يحل ولن يرتفع إلا بالتغيير الاجتماعي العميق، وليس بالهبات ولا الصدقات، ولو أعطيت بنجلادش دخل دولة غنية من البترول لما تغيرت بنجلادش، ولالتهم الأموال سمك قرش المافيات الأزرق المدرب بأسنان قاطعة مفزعة يعرفها من وقع فيها.
وقالت مثل جهنم هل من مزيد؟
سأل الأصمعي يوما غلاما؟ هل لك بـ 100 ألف دينار وتكون أحمق؟ قال: لا قال: ويلك إنها جائزة، قال: أضيع الـ 100 ألف وأبقى أحمق!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي