مزج بين الوظائف الدينية والدنيوية في مساجد الرياض
مزجت تجربة الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في خططها ومشاريعها وبرامجها التطويرية، بين مجالي الحياة الدينية والدنيوية، في مزيج يجسد التصور الإسلامي الذي يجمع في تكامل بين ما هو ديني وما هو دنيوي.
هذا التزاوج الذي اتجه إليه التطوير لدى الهيئة أنتج معالم ذات روحانية وروحا جاذبة، ابتعدت عن أن تكون مجرد مبان جافة لا روح فيها ولا حياة حقيقية فيها، ضمن التزام الهيئة في مسيرتها التطويرية بالاهتمام بمحور التطوير الأساسي وهو الإنسان.
ودرجت أنشطة الهيئة التطويرية على تلمس احتياجات الناس من خلال دراسات ميدانية تحليلية، ومن ثم إدراجها باهتمام ضمن مشاريعها التطويرية، سواء كانت هذه الاحتياجات دينية أو تجارية أو ترفيهية أو غيرها، ولمختلف الأعمار والأعراق.
لذا فليس غريبا أن تجذب مشاريع الهيئة الناس سواء كانوا أطفالاً أو كباراً، مواطنين أو وافدين بمختلف جنسياتهم وأعراقهم، وأن يجدوا فيها البيئة الملائمة لاحتياجاتهم الدينية والنفسية والاجتماعية والمادية.
وقد جاءت المعالم الدينية التي شيدتها الهيئة على شكل مبان معاصرة تنتمي إلى المدنية بشكل عام، وإلى البيئة المحيطة بها بصورة خاصة، مع التركيز على الروح العامة للعمران بصورته المادية، وتجاوز فكرة النقل المباشر لعناصر العمارة التراثية، حتى ظهرت هذه المعالم كأحد مصادر الإلهام في الأعمال التطويرية المعمارية والعمرانية المعاصرة، بمحاكاتها بذكاء التراث، وتطويرها مفرداته، وإعادة توظيفها بصورة بديعة تبث الروح في هذا التراث وتحافظ على نموه.
#2#
وفي جانب متصل، اعتنت هذه المعالم بالقيم والعلاقات الاجتماعية والمظاهر السلوكية الإيجابية، حيث تلمست أهمية خلق الأجواء الروحانية المناسبة لتعزيز العلاقات الإيجابية المباشرة بين السكان، وخلق بيئات تساعد الناس على الالتقاء والحوار والتواصل الثقافي فيما بينهم، وممارستهم أنشطتهم بصور جماعية، فجاءت هذه المعالم الدينية متوافرة على العطاءات المكانية التي تدعم التلاقح الثقافي بين الناس.
وفي الوقت الذي حافظت فيه هذه المعالم على الضوابط الإسلامية في عمارة المساجد، وعلى الطرز العمرانية المحلية والإسلامية، صبغت جميع هذه المعالم بسحنة من البناء الخالي من الزخارف، الذي يستفيد من التقنيات الحديثة في البناء، فظهرت معالم ذات مهابة وروحانية وتناسق بصري غير متكلف في الجماليات.
ومن أشهر هذه المعالم، جامع الإمام تركي بن عبد الله الذي يعرف في الرياض بـ (الجامع الكبير) والذي يعد أشهر مساجد الرياض، وكان ملتقى للعلماء وطلبة العلم، وشهد أحداثا تاريخية كبيرة، وأسهب في وصفه الرحالة الأجانب.
وضمن برنامجها لتطوير منطقة قصر الحكم في وسط المدينة الرياض، أعادت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تشييد الجامع في موقعه السابق على مساحة تقدر بنحو 16.800 متر مربع ليستوعب نحو 17 ألف مصل، وتم افتتاحه في شهر شعبان من عام 1413هـ، ويتكون من مصلى رئيسي للرجال وآخر للنساء، وساحة خارجية تبلغ مساحتها 4800 متر، ومكتبتين إحداهما للرجال والأخرى للنساء، كما يحتوي على سكن للإمام والمؤذن، ويشمل على مكاتب خاصة بالأجهزة الحكومية ذات الصلة، ويوجد تحتها 50 محلا تجاريا، ويتصل الجامع بقصر الحكم من خلال جسرين على مستوى الدور الأول عبر ساحة الصفاة الواقعة بينهما، بما يحاكي لما كان عليه الجامع في السابق.
وفاز جامع الإمام تركي بن عبد الله الذي أعادت الهيئة تطويره، بجائزة «أغا خان» لعام 1995 (1415هـ) خلال انعقاد دورة الجائزة في مدينة سولو الإندونيسية، فيما اختيرت ساحة الصفاة ضمن ساحات منطقة قصر الحكم المجاورة للجامع من قبل جمعية المعماريين الدنماركية، التي نفذتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ضمن أفضل الساحات في العالم وذلك في كتاب (الساحات الجديدة للمدن) الذي أصدرته الجمعية، وتضمن 39 ساحة شهيرة في تسع مدن كبرى حول العالم جميعها من القارتين الأوروبية والأمريكية.
#2#
وإلى الجنوب من «الجامع الكبير» شيدت الهيئة بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جامع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ضمن برنامجها لتطوير ميدان دخنة المحاذي لمنطقة قصر الحكم، على مساحة تبلغ تسعة آلاف متر مربع، ويتكون من مصلى للرجال وآخر للنساء، وصحن ورواق، إضافة إلى مكاتب لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسكن للإمام والمؤذن، ومرافق الصيانة ومحال تجارية ومكتبة.
وشيد الجامع بشكل مترابط ومتجانس ومتناسق وظيفيا وعمرانيا مع أربعة برامج تطويرية تولتها الهيئة في المنطقة، شملت برنامج تطوير سوق الزل، ومقر المحكمة العامة ومقر المحكمة الجزائية وميدان دخنة.
أما جامع الملك عبد العزيز والذي شيدته الهيئة في حي المربع ضمن برنامجها لتطوير مركز الملك عبد العزيز التاريخي، فقد أنشئ لأول مرة ضمن مجمع قصور المربع التي شيدها الملك عبد العزيز – رحمه الله –، وظل على بنائه التقليدي حتى أعادت الهيئة عمارته على النمط الحديث، وترميمه وإعادة تأهيله بشكل كامل من الناحية المعمارية والهندسية والخدمات، بعد إضافة بعض الإنشاءات الخدمية والحوائط الجمالية لينسجم مع النمط العمراني لسائر منشآت المركز الأخرى المجاورة للجامع، حيث بات الجامع بمقدوره استيعاب أكثر من خمسة آلاف مصل، على مساحة تبلغ 5540 مترا مربعا، وقد تم افتتاحه في شهر شوال من عام 1419هـ.
وقد نال مركز الملك عبد العزيز التاريخي الذي يحتضن الجامع، جائزة الملك عبد الله الثاني بن الحسين للإبداع الخاصة في «حقل المدينة العربية وقضاياها ومشروعاتها العمرانية وبحوثها» وذلك في الدورة الثانية للجائزة لعام 2004، كما فاز المركز بجائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني في دورتها الأولى لعام 1427هـ، ومنحت الجائزة للمركز لإنشائه في منطقة تاريخية كانت محورا لتطور مدينة الرياض وأساسا للدولة السعودية المعاصرة، واهتمامه وتركيزه على إبراز الرسالة التي تضطلع بها المملكة بوصفها مهبط الوحي ومنطلق الإسلام، كما فاز المركز أيضاً بالمركز الأول والجائزة الذهبية في جانب المشاريع العمرانية، في جائزة مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية في لندن في بريطانيا لعام 2007 التي تمنحها مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية.
وليس بعيدا عن جامع الملك عبد العزيز في المربع، شيدت الهيئة مسجد المدي الذي يقع على طريق الملك فيصل في الجزء الشرقي من مركز الملك عبد العزيز التاريخي في حي المربع وسط مدينة الرياض، والذي يعد من أوائل المنشآت المعمارية في المملكة التي يتم فيها تطبيق التقنيات الحديثة في أساليب البناء باستخدام مواد طينية محلية (الطين المضغوط).
واعتبر في تصميم المسجد، تناسبه مع المستوى العمراني الذي تتمتع به منشآت مركز الملك عبد العزيز التاريخي، إذ حافظ المسجد على جميع عناصر عمارة المساجد المحلية من وجود الفناء (السرحة) ودرج المئذنة، إضافة إلى بعض العناصر الجمالية المشابهة لـ (المداير) في العمارة المحلية. وشيد المسجد على مساحة تبلغ 580 مترا مربعا، ويستوعب 500 مصل، وتم افتتاحه في شهر شعبان من عام 1425هـ، ليحوز المشروع على الجائزة الأولى لمنظمة العواصم والمدن الإسلامية في دورتها السابعة التي عقدت في العاصمة التركية أنقرة خلال الفترة من 3 إلى 5 جمادى الآخرة لعام 1428هـ عن مشاريع وخدمات البلدية.
أما جامع الإمام محمد بن سعود في الدرعية، فقد شيدته الهيئة على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز- رحمه الله - في محافظة الدرعية على مساحة تبلغ 50 ألف متر مربع، ليستوعب نحو 4900 مصل، وتم افتتاحه في شهر رجب من عام 1419هـ ، فيضم في محيطه مسطحات خضراء خارجية وجلسات للنزهات العائلية، إضافة إلى مصلى الرجال ومصلى النساء، ورواق داخلي وسرحة خارجية، وسكن للإمام والمؤذن، ومقر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومواقف للسيارات.
وقد شيد هذا الجامع لأول مرة في عهد الدولة السعودية الأولى بين عامي 1157هـ و1233هـ، وقد درّس فيه الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله، وكان المسجد منارة للدعوة السلفية ومركز إشعاع علمي للطلاب.
وعلى النهج ذاته شيدت الهيئة في محافظة الدرعية أيضا جامع الشيخ محمد بن عبد الوهاب على ضفة وادي حنيفة، على مساحة تقدر بنحو أربعة آلاف متر مربع، والذي يرجع تاريخ إنشائه إلى أيام الدولة السعودية الأولى (1157-1233هـ)، واكتسب شهرته بتدريس العلوم الدينية التي كان يلقيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، حيث كان الطلاب يتوافدون إليه طلبا للعلم من كل من الرياض والعيينة وحريملاء وعرقة.
وأخذ مشروع الجامع طابع العمارة التقليدية في مدينة الدرعية، حيث يحتوي على مصلى داخلي، وسرحة خارجية وخلوة مساحتها 1500 متر مربع، فيما استحدثت إلى جواره مسقاة للوضوء ومسطحات خضراء مطلة على وادي حنيفة يرتادها الزوار والمتنزهون من أهالي الحي وسكان المحافظة.
وقد أعيد بناء الجامع بالخرسانة المسلحة منذ 40 عاما، إلى أن تمت إعادة بنائه مرة أخرى بالخرسانة المسلحة على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله.
ومن بين أبرز المساجد اتي شيدتها الهيئة في مدينة الرياض، الجامع الكبير لإسكان موظفي وزارة الخارجية على مساحة 1010 أمتار مربعة ليستوعب 1000 مصل، والذي نال مشروع المجمع السكني لموظفي وزارة الخارجية في الرياض الذي نفذته الهيئة ويحتضن الجامع جائزة مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب عن تميز تصميمه وإبراز السمات الثقافية والبيئية في هياكله العمرانية وسط محيط تتوافر فيه المتطلبات الدينية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والترفيهية مع الحفاظ على أكبر قدر من الخصوصية من خلال المزج المتوافق بين الملامح البيئية وأسباب الرفاهية العصرية.
وفي الجانب الغربي من المدينة، شيدت الهيئة جامع حي السفارات الكبير إلى جوار ساحة الكندي المفتوحة، وعلى مساحة 5830 مترا مربعا بما يستوعب خمسة آلاف مصل، والذي فاز بجائزة ندوة عمارة المساجد التي قدمتها جامعة الملك سعود في شوال 1417هـ، فيما فاز جامع حي السفارات الذي نفذته الهيئة بجائزة « أغا خان » للعمارة المتخصصة في العمارة الإسلامية عن عام 1410هـ، وجائزة المشروع المعماري لمنظمة المدن العربية في دورتها الثالثة عام 1410هـ التي عقدت في مدينة الرباط في المغرب.
وتمتد قائمة المساجد التي شيدتها الهيئة وفق مبدأ تعدد الوظائف وتنوعها لتشمل عشرات المساجد داخل مدينة الرياض وفي محافظات منطقتها، فمن بينها على سبيل المثال: مساجد منطقة ابن موسى ومنطقة أبي بكر الكرخي ومنطقة ابن زهر ومنطقة أبي الوفاء البوزجاني في حي السفارات، ومسجد الإمام فيصل بن تركي على شارع الثميري بجوار قصر (المصمك) الأثري، وجامع الملك فهد في حي الملز، ومسجد ابن قباعب جوار المحكمة العامة في الرياض، وجامع الملك سعود في الناصرية، وجامع الملك عبد العزيز في محافظة الخرج، وجامع الملك عبد العزيز في محافظة الخرمة، وجامع الأمير تركي بن أحمد السديري في محافظة الغاط.