العلاج بركوب الخيل
تبرز قوة الإنسان وتطويعه الحياة لصالحه حينما يحول مايصيبه من محن إلى ميزات تغير مجرى حياته, فهذه (ليز هارت) تحصل على الميدالية الفضية في الألعاب الأولمبية عام 1952 م رغم إصابتها بشلل الأطفال عندما جعلت من مرضها دافعا للنجاح باستغلالها لحبها وهوايتها لركوب الخيل واستمرارها في مزاولتها وكانت سببا في إعادة تأهيل عضلات جسمها وتطوير قدراتها الحركية.
فأعادت إلى الأذهان فكرة المعالجة بركوب الخيل التي بدأها أبقراط (أبو الطب) وعالج عددا من الأمراض الجسدية بركوب الخيل معتمدا على انتقال حركة الجواد إلى راكبه من اهتزاز وتكرار إيقاعي مما يجبر المريض على التحرك للأمام والخلف ويوازن بين حركة قاعدة الجسم وانتصاب القامة كما تحث حركة الأقدام التبادلية والأساسية لدى الإنسان, كما عالج الأمراض العقلية معتمدا على تنشيط هذه الرياضة للدورة الدموية والتنفس وزيادة الانتباه حيث تمارس في الهواء الطلق فيحصل الجسم على كمية كبيرة من الأكسجين.
ومع تزايد الاهتمام بالرياضات العلاجية والنجاحات المسجلة في هذا المجال, اهتم الأطباء ومربو الخيل بهذه الطريقة واستخدمت في عام 1960 في أوروبا ثم انتقلت إلى أمريكا وأستراليا وفي السعودية بدأ تطبيقها عام 2005م بتعاون بين مؤسسة سلطان بن عبد العزيز الإنسانية والإسطبل الأزرق, كما بدأ تطبيق هذه الطريقة وعمل برامج متخصصة لها في جمعيات الأطفال المعاقين ومراكز التأهيل بالتعاون مع إسطبلات خاصة وبذلك تحول ركوب الخيل من الترف والترفيه إلى العلاج, فعلاقة الإنسان بالخيل بدأت حين استأنسها الإنسان منذ خمسة آلاف سنة كما تدل الشواهد والأحافير ويذكر أن أول من ركبها سيدنا إبراهيم بن إسماعيل عليهما السلام, واستخدمت في البداية للنقل واكل لحومها ثم استخدمت في المعارك والحروب وارتبطت بالشجاعة والإقدام ومع تطور آلات الحروب اقتصر استخدامها على السباقات وأصبحت رياضة النخبة.
بينت الدراسات والبحوث الحديثة أن استخدام ظهر الحصان وبيئته في علاج المعاقين أعطى نتائج مذهلة للكثير من الإعاقات الجسدية والعقلية, فالمعاق جسديا يبذل جهدا كبيرا للتوازن على ظهر الحصان والإبقاء على الوضع الصحيح للجسم ما يؤدي إلى تقوية عضلات الجسم المختلفة ومرونة المفاصل, أما الأطفال الذين يعانون من فرط النشاط وقلة التركيز وأطفال التوحد فالتفاعل مع الحصان والمدرب والأجواء المحيطة بالتمرين والخروج لممارسة ركوب الخيل يطور الإدراك الحسي لديهم ويمنحهم الثقة بالنفس والتواصل مع المجتمع ويؤثر بشكل إيجابي في النواحي النفسية وامتد استخدام هذه الطريقة للمكفوفين أو فاقدي البصر الجزئي رغم أن أول ما يخطر ببالنا أن هذه الرياضة تحتاج إلى حاسة البصر لمعرفة الطريق وتوجيه الحصان إلا أن التوجهات الحديثة في مجال الإعاقة البصرية وعلوم التأهيل هي أن الأشخاص المعاقين بصريا يمكنهم ركوب الخيل والاستفادة من تلك الخصائص والسمات التي تختص بها هذه الرياضة مثل زيادة الإدراك الحسي وتقوية حاسة السمع وتحسين القدرة الحركية للكفيف حيث يعمل لهم برنامج وتجهيزات خاصة تساعدهم على العلاج بركوب الخيل كما فعل وليم فينسي (William Fennessee) وهو معاق بصريا ولم توقفه إعاقته عند حد بل تدرب على ركوب الخيل ويملك مزرعة كبيرة للخيول في إحدى الولايات المتحدة الأمريكية ويعمل في مجال تأهيل المعاقين والتربية الخاصة .
وركوب الخيل من الرياضات التي حثنا عليها عمر بن الخطاب بقوله:((علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل)) وقال صلى الله عليه وسلم: (( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)) فهذه دعوة للعودة لننهل من كنوزنا المدفونة ودعوة لأصحاب الإسطبلات لدعم مثل هذه البرامج وجعلها ميسرة للعامة.