هل تنجح استمالة السعودية؟

كتب توماس فريدمان في عام 2002 في صحيفة ''نيويورك تايمز'' أن الطريق لحل الصراع العربي - الإسرائيلي غير ممكن دون أن تتحرك السعودية وتقود العالم العربي نحو السلام، تقديرا منه لثقل السعودية التي بدأت تتحول لتكون مركز السياسة الإقليمي.
بدورها، استشعرت السعودية ضرورة المبادرة حماية للمصالح العربية وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وبالفعل قادت العرب في مبادرة السلام العربية التي تبنتها القمة العربية في مؤتمر بيروت في آذار (مارس) من عام 2002، وعادت وأكدت عليها في قمة الرياض عام 2007.
الرد الإسرائيلي لم يكن مشجعا، لكن في الوقت ذاته يرى زعماء إسرائيل بجميع أطيافهم السياسية أن الجائزة ليست فقط السلام مع العرب وإنما مع السعودية، بمعنى أن التوصل إلى اتفاق سلام مع السعودية أو البدء بخطوات تطبيعية مع الرياض إنما يمنح إسرائيل شرعية إقليمية لم تحصل عليها بمعاهدتي سلام مع مصر والأردن، بمعنى أن الرياض تبقى الحصن الأخير الذي تسعى الدبلوماسية الإسرائيلية والأمريكية إلى استمالته. ومن هنا جاء التركيز الأمريكي والإسرائيلي على التطبيع بين الرياض وتل أبيب!
لكن وبدهاء استراتيجي في التعامل مع مراوغات إسرائيل، تصر الدبلوماسية السعودية على أن معادلة السلام في الشرق الأوسط تقوم على منطق بسيط: التطبيع هو نتيجة وليس سببا لعملية سلام ناجحة. هنا تقلب السعودية الطاولة على كل محاولات الاختراق للجانب العربي وتقود مرة أخرى فهما عربيا واضحا مفاده أن أساس الحل هو مبادرة السلام العربية أو على الأقل على أساس الترتيب الذي ورد فيها.
صعود الرئيس باراك أوباما للحكم خلق زخما جديدا، وقد بدا واضحا منذ البداية أن السعودية هي محور التحرك، وبالفعل أشار أوباما في أكثر من موقع إلى أهمية الدور السعودي الحيوي. وعندما التقى بالملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة لندن في نيسان (أبريل) انحنى تقديرا واحتراما للملك عبد الله لكنها أيضا إشارة إلى أن السعودية هي محطة الحل في نهاية الأمر.
وبتاريخ 19 آب (أغسطس) 2009 كتب مايكل كراولي مقالا مهما نشر في ''نيو ريببلك'' تناول فيه من ضمن ما تناول لفتة انحناء أوباما أمام الملك عبد الله ويقول إن فيها إشارة واضحة إلى أن نجاح سياسة أمريكا في الشرق الأوسط لها بعد سعودي، وبكلمات مايكل كراولي: ''ربما لا يوجد من هو أهم لنجاح أجندة السياسة الخارجية الأمريكية من الملك عبد الله، فمثلا أنظر إلى إيران والعراق وأفغانستان والباكستان وجوانتانمو والإرهاب والاقتصاد الدولي والسلام في الشرق الأوسط''. نتفق مع ما ذهب إليه أن السعودية هي الدولة الوحيدة التي لموقفها وسياساتها أثر في كل هذه الملفات، وهو أمر يدفع الولايات المتحدة إلى التركيز على السعودية، كما يدفع إسرائيل لاعتبار السلام أو التطبيع مع السعودية الجائزة الكبرى لإسرائيل. فالسعودية، كما يقول أحد كبار الإدارة هي المركز. لهذه الأسباب يركز أوباما على السعودية ومن ثم أصر على زيارة السعودية قبل إلقاء خطابه الشهير في القاهرة في الرابع من حزيران (يونيو).
وهذه الأهمية المتزايدة في السياسة الأمريكية تزعج إسرائيل وتدفع ببعض الكتاب المتماهيين مع التوسع الإسرائيلي إلى إثارة بعض المقالات التي ترى أن السعودية غير مستقرة، وهنا نشير إلى مقال نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بهذا الخصوص، ومع ذلك يشير أغلب المحللين الاستراتيجيين في واشنطن إلى أن أمريكا في حاجة إلى السعودية أكثر من حاجة السعودية لأمريكا.
غير أن الموضوع الوحيد الذي يمكنه التأثير سلبا في العلاقات الأمريكية - السعودية هو الموقف من عملية السلام، فهيلاري كلنتون ألقت خطابا رئيسا في السياسة الخارجية ركزت فيها على مسؤولية العرب في اتخاذ خطوات لتحسين العلاقة مع إسرائيل (وهنا يمكن الإشارة إلى مسائل مثل فتح الأجواء العربية للطيران الإسرائيلي، فتح مكاتب عمل في تل أبيب، ومنح الصحافيين الإسرائيليين مقابلات).
بملء الفم ترفض السعودية هذه المقاربة، وقد أكد ذلك وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عندما التقى هيلاري كلينتون قبل أسابيع قليلة في واشنطن، إذ قال في مؤتمر صحافي مشترك معها إن هذه الخطوات المطلوبة لن تحقق السلام مؤكدا في الوقت ذاته أن الجانب العربي قدم مبادرة سلام شاملة. وقال الأمير سعود الفيصل إن الإسرائيليين يشتتون الانتباه عن القضايا الأساسية لقضايا ثانوية مثل مؤتمرات أكاديمية ومسائل متعلقة بالطيران المدني.
وجاءت كلمات الأمير سعود قوية مما دفع أحد المختصين في الشوؤن السعودية، ريتشل برونسون من مجلس شيكاغو للشؤون الكونية، للقول إن هذه الملاحظات كانت قاسية. وهنا ذهب البعض في وصف ما قاله الأمير بأنه أقرب إلى التوبيخ لهيلاري كلينتون. فالسعودية تدرك أهمية التعاون مع الولايات المتحدة في كثير من المجالات، لكن هناك حدودا لما يمكن أن تقبل به السعودية وتنقل المصادر الأمريكية أن الملك عبد الله بن عبد العزيز، تحدث بعمق مع أوباما - عندما جاء الأخير لزيارته - عن فلسطين وكيف يمكن أن يتحقق السلام.وفي السياق ذاته تثير مركزية المملكة العربية السعودية، وقدرتها على التأثير حنق عدد من الدول المنافسة، وعلى رأسها إيران، التي ترى أن السعودية هي من يحول بينها وبين سيطرة إيرانية على الخليج العربي، لذلك تلجأ إيران إلى استهداف السعودية ولو إعلاميا عن طريق وكلاء لها في المنطقة. وهنا نشير إلى تصعيد حكومة المالكي التي لم تستطع أن تخلق انطباعا بأنها حكومة لكل العراقيين وبقيت طائفية بامتياز. وآخر هذه التصريحات هي التي تربط بين دور السعودية وتدهور الأمن في العراق (تصريحات تعمل على تغذيتها العناصر الموالية لإيران في الحكومة العراقية)، مع أن أي تحليل موضوعي لطبيعة الأمن في العراق يقودنا إلى الاستنتاج أن طائفية الحكومة العراقية وانسحاب القوات الأمريكية وضعف القوات العراقية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن انعدام الأمن في الآونة الأخيرة. على أن الأهم هو البُعد الإيراني الذي يستفيد من، أو لنقل، يحاول توظيف الورقة العراقية للضغط على السعودية.
ستبقى المماحكات الإقليمية وستستمر لعبة تقويض الأطراف لبعضها البعض، لكن في المحصلة النهائية هناك سياق عام يحكم دينامية الخليج العربي الذي يحتاج إلى مركزية سعودية حتى يكون هناك استقرار للجميع ومن دون ذلك عندها يكون الحديث عن وصفة خرابا.
وأكثر بلد في العالم تدرك هذه الحقيقة هي الولايات المتحدة، وعندها يمكن تفهم لماذا ترى واشنطن أن الجائزة الكبرى في علاقاتها الشرق أوسطية هي السعودية، وهذا ربما هو مبرر استمرار العلاقات الأمريكية - السعودية على الرغم من التقلبات التي تطرأ بين الحين والآخر. والسعودية بدورها تدرك الأمر جيدا وبالتالي لا تنساق بسرعة، كما يفعل غيرها، وتتمسك بثوابتها وبنظرتها الاستراتيجية الثاقبة في المنطقة، فهي ليست دولة تريد دورا ولكنها تسعى إلى توظيف دورها خدمة لقضايا العرب والمسلمين وخدمة لمصالحها الوطنية أيضا، لكن الموازنة بين كل هذه المتطلبات تجعل من الدبلوماسية السعودية أمرا بالغ التعقيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي